الحكومة الجزائرية الجديدة
التكنوقراط لمواجهة الأزمة المالية

07.06.2017
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

شكّل تعيين عبد المجيد تبون رئيساً لمجلس الوزراء (الوزير الأول) في الجزائر، خلفاً لـ عبد المالك سلال مفاجأة للعديد من الأوساط المتتبعة للشأن الجزائري. كل المؤشرات كانت ترجح أن يقوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالتجديد لـ سلال بالنظر الى العلاقة الوثيقة التي تربطه به، بالإضافة الى مختلف التحركات والمشاورات السياسية  التي  قام بها الأخير في الفترة التي سبقت الإعلان عن اسم الوافد الجديد الى قصر د. سعدان (قصر الحكومة). 

تكنوقراط ومقرب من الرئيس

تعيين تبون يوحي ان الرئيس بوتفليقة اختار نهجاً سياسياً يعتمد على التكنوقراط أكثر من السياسيين لمواجهة أزمة اقتصادية ومالية خانقة تعصف بالجزائر جراء تراجع عائدات النفط. والوزير الاول الجديد ينتمي الى الحلقة القريبة من الرئيس الجزائري وسبق له ان تولى العديد من المناصب السياسية. فقد تولى وزارة السكن وهي من الوزارات الأساسية في الجزائر باعتبارها تتكفل بالإسكان الشعبي والمتوسط وهي من القطاعات الحساسة، كما تولى وزارة التجارة بالإنابة بعد ان غيّب الموت الوزير بختي بلعايب وهي وزارة ذات أهمية بالغة لأنها مكلفة بتنظيم السوق وضمان وفرة المواد والسلع وضبط أسعارها. 

وتعيين تبون يوحي بأن الرئيس الجزائري يبحث عن شخصية تستطيع الموازنة بين المسؤوليات الاجتماعية للدولة وبين المعطيات الاقتصادية والمالية. وأهم هذه المعطيات هي أن الجزائر تمرّ في ضائقة مالية صعبة ومفتوحة على أكثر من احتمال، وأكثرها إزعاجاً للسلطات الجزائرية هو اللجوء الى صندوق النقد الدولي وهو أمر لا تزال ترفضه الجزائر معتبرة أنها مازالت قادرة على ايجاد حل للمعادلة المستحيلة المتمثلة في تلبية الحاجة الاجتماعية ومواجهة شح التمويل .

مواصلة الدعم الاجتماعي

ولعلّ هذا ما يفسر ان أول تصريح للوزير الأول تضمن التأكيد على ان برامج الاسكان ستستمر على الرغم من الضائقة المالية، مشيراً الى ان التوجه الحالي للجزائر هو البحث عن مصادر تمويل أخرى تعتمد أكثر على الجباية العادية البعيدة عن دخل المحروقات. وكانت البنوك العمومية قد أوقفت في الأسابيع الماضية ضخ الأموال لشركات المقاولات العاملة في مجال البناء ما أثار حفيظة الوزير تبون الذي صعّد من لهجة التهديد، معتبراً ان العملية تعدّ مساساً ببرنامج الرئيس. وقد سارع الوزير الأول فور توليه منصبه إلى ضخ نصف المبالغ المستحقة لشركات المقاولات في اشارة الى ان برامج الإسكان لن تمسّ، وذلك ما يفسر أيضاً إعفاء وزير المالية بابا عمي وتعيين عبد الرحمن راوية الذي كان يشغل منصب مدير الضرائب في وزارة المالية، والمعروف عنه بأنه من دعاة البحث عن مصادر تمويل داخلية إلى جانب بيع المحروقات، وكأن السلطات الجزائرية ترسل بهذا التعيين رسالة مزدوجة: الأولى هي استمرار سياسة الدعم الاجتماعي والثانية، البحث عن مصادر جبائية جديدة.

غياب الوجوة السياسية

على صعيد آخر، يجدر التأكيد الى ان حكومة عبد المجيد تبون غابت عنها الوجوه السياسية وهي تتكون أساساً من تكنوقراط معروفين بممارستهم في الادارة المحلية وهي إشارة إلى رغبة السلطات الجزائرية في اعتماد مقاربات مختلفة للقضايا الاقتصادية والمالية والإدارية، باعتبار ان الأزمة المالية عميقة إلى حد لا تحتمل الجدل السياسي. وهذه الرغبة في البحث عن الفعالية يدعمها غياب الوجوه البارزة عن الحكومة، حيث تجدر الاشارة الى أن أحد أهم وجوه الاقتصاد في السنوات السابقة والقريب  من رجال الاعمال ومنتدى رؤساء المؤسسات وهو الوزير عبد السلام بوشوارب غاب عن التشكيلة الوزارية  الجديدة. وعدم التجديد لـ بوشوارب يضع حداً للخلافات حول التوجهات الاقتصادية بخاصة ان العلاقات بين سلال و بوشوارب كانت دائماً متوترة، ومن القضايا الخلافية المهمة بينهما، كانت صناعة السيارات والقطاع الصناعي عموماً الذي عرف تدهوراً مستمراً في السنوات العشر الاخيرة.

 من جهة اخرى، فإن رحيل بوشوارب عن الحكومة يحمل رسالة تريد الجزائر ايصالها الى الشركاء وهي أنها تريد ترتيب الأمور الاقتصادية كسلطة ضبط اساسية والابتعاد عن دائرة رجال الأعمال كما كان الحال في السابق والذي اعتبره البعض  أنه أضرّ بأداء الحكومة وأدى الى تناقضات عديدة بين الوزراء، ويبدو أن لسان حال الحكومة الجزائرية يقول على الحكومة توفير الاطار و لرجال الاعمال خلق القيمة.

لماذا استبدل بوطرفة؟ 

بقيت الإشارة الى اخرى و التي يمكن اعتبارها اكبر مفاجأة حملتها حكومة تبون وهي رحيل وزير الطاقة نور الدين بوطرفة وتعويضه بمنصب رئيس مجلس ادارة شركة الكهرباء. هذا الغياب طرح العديد من الاسئلة داخلياً وخارجياً خصوصاً أن الإعلان عن الحكومة جاء في الوقت الذي كان الوزير بوطرفة يشارك في اجتماع بالنمسا مع كبار المنتجين النفط ولعب دوراً أساسياً في التوصل الى الاتفاق.

وغياب بوطرفة عن الطاقم الحكومي يطرح سؤالاً كبيراً، هل السبب هو رغبة تبون بالاعتماد على الإداريين والابتعاد عن الشخصيات القوية، أم أن الأمر يخفي صراعاً حول قطاع المحروقات في الجزائر الذي يشكل عصب الاقتصاد الجزائري؟