الأسترالي اللبناني رولان جبور
مـدرســة فـي العصـاميــة

15.06.2018
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
رمزة عسّاف

من قال إن الذي يدخل إلى المدرسة هو وحده الذي ينجح ؟ رولان جبور أكبر مثال على أن الحياة هي أكبر مدرسة . كان عمره 11 عاماً عندما هاجر قبل نصف قرن إلى استراليا، هناك لم يدخل المدرسة إلا لأسبوعين لأنه قرر أن يبدأ باكراً مسيرته في العمل. وباكراً جداً أثبت إبن الحاكور البلدة العكارية في شمال لبنان انه طاقة متميّزة في عمله، ليتحول الفتى العصامي بعد سنوات إلى رجل أعمال ولاحقاً إلى صاحب مجموعة من 15 شركة ناجحة بينها مؤسسة رائدة للتعليم الدولي، قبل أن يُنتخب رئيساً لغرفة التجارة الأسترالية العربية. 

50 عاماً في المهجر لم تنسِ جبور القيم التي نشأ عليها ولا اللغة العربية التي يحكيها بطلاقة لافتة وكأنه لم يترك يوماً بلده الأم لبنان، هو الذي يزوره سنوياً أكثر من مرة لأنه لا ينسى جذوره، يتفاعل بقوة مع المجتمع الأسترالي الذي يعيش فيه . برأيه أنه «بهذا التفاعل والولاء مصلحة مشتركة للطرفين ويمكن أن نفيد بلدنا الأم أكثر، فنحن استراليون من أصل لبناني ولسنا مجرّد لبنانيين يعيشون في استراليا». 

كيف بدأ مشوار رولان جبور من الحاكور إلى استراليا ؟ 

في منتصف الستينات ترك والده الذي كان يعمل في النجارة البلدة إلى استراليا بعد أن أقنعه أحد الأقارب الموجود هناك بالهجرة إليها. وفي أواخر العام 1967 هاجر الإبن مع عائلته للإنضمام إلى الوالد الذي سبقهم قبل ثلاث سنوات من أجل تأمين مستقبل أفضل لهم، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مسيرة رولان جبور الشاقة لكن الناجحة جداً إذ لا نجاح من دون تعب.  

إبن الأحد عشر عاماً دخل المدرسة لأسبوعين فقط قبل أن يتركها نهائياً ويباشر العمل بكدّ وجهد حيث كان يعمل سبعة أيام أسبوعياً من السابعة مساءً حتى السابعة صباحاً. 

مدرسة الحياة

إذا سألته كيف وصلت إلى هذا المركز مع أنك تركت المدرسة باكراً جداً ولم تكمل علومك، يجيبك بأن «الحياة أكبر مدرسة ، وعلى الإنسان أن لا يبقى محصوراً ومحدوداً ضمن نطاق معين بل يجب أن يكون صاحب أفق أوسع وعلى استعداد دائم للتعلُّم، فهذا ما تعلّمته من تجربتي في هذه الحياة». 

أول مشواره المهني بدأه جبور في شركة ألبسة كانت تبحث عن شخص لتدرّبه على تصليح الماكينات، فوقع الإختيار عليه بعد أن لفتهم حماسه للعمل، هو الذي كان صغير السن والأصغر طبعاً في المؤسسة وكان يذهب بعد دوام العمل إلى معاهد مجانية لتعلم اللغة الإنكليزية. أبدع الفتى في العمل واكتسب خبرة واسعة حتى صارت شركات الألبسة الأخرى تتهافت عليه وتقدّم له العروض المغرية. ومن بين هذه المغريات سيارة شبابية ( sport)، ما اضطر رولان إلى اصطحاب أمه لتعطي إفادتها بأنه وُلد قبل التاريخ المسجّل على بطاقة هويته، وذلك كي يحصل على رخصة قيادة ويستفيد إبن الٍـ 17 عاماً يومها من الحصول على السيارة. وصار الشاب مسؤولاً عن 5 آلاف ماكينة في المؤسسة التي صار مديرها العام قبل أن يحقق حلمه ويشتريها لاحقاً، أما صاحبها الأساسي فأصبح مديراً عند جبور في الشركة، كما إن الشخص الذي كان درّبه على تصليح الماكينات أصبح بدوره مدير الإنتاج في الشركة التي كانت تضم أكثر من 400 موظف بينهم الكثير من اللبنانيين. 

ثمار الجهد

على أثر التغيرات في سياسات الحكومة الأسترالية بالنسبة إلى حماية قطاع النسيج والألبسة والذي صار عرضة لمنافسة البضاعة الآتية من الصين، انتقل جبور إلى قطاعات أخرى حيث أسس العديد من الشركات التي بلغ عددها 15 شركة تنضوي تحت «مجموعة جبور القابضة». ويقول إن مركزها الأساسي في مالبورن، أما مكاتبها أو فروعها التي يفوق عددها المئة فتتوزّع بين مختلف أنحاء العالم. 

إذاً، وبعد ابتعاده عن قطاع الألبسة إشترى أكبر شركة في مالبورن في قطاع السياحة والسفر.  ويوضح جبور: «من خلال الأدوار التي لعبتها في المجتمع الأسترالي وموقعي كرئيس للمجلس العربي الأسترالي وكرئيس مجلس الجاليات الإتنية نجحت في تأسيس شركة للتعليم الدولي مهمتها تأمين بعثات تربوية من الدول العربية ولا سيما من دول الخليج للمجيء إلى استراليا للدراسة ولتعريفهم على التعليم الدولي فيها وعلى الجامعات الأسترالية، كما كنا ننظّم انتقال وفود من أستراليا إلى دول العالم العربي سواء من طلاب الجامعات أو من وزارة التربية والتعليم العالي لتعريفهم على العالم العربي، وهكذا وُلد نوع من التفاعل  بين استراليا ودول الخليج في تجربة ناجحة للغاية، وقد فتحنا مكاتب عدة أولها  في دبي منذ 20 عاماً، ثم كرّت السبحة إلى سلطنة عمان والسعودية ولبنان، بالإضافة إلـــى دول أخـــرى مثــــل إيــــران وغيرها حيث فاق العدد الـ 100 مكتب في مختلف أنحاء العالم. 

رئيساً بجدارة

ولنجاحاته على أكثر من صعيد، انتُخب رولان جبور رئيساً لغرفة التجارة في ولاية فيكتوريا في مرحلة أولى ثم على مستوى استراليا ككل، وهو المنصب الذي يشغله اليوم، علماً أنه حاصل على الميدالية المئوية الأسترالية وعلى ميدالية تقدير من الملكة نظراً الى خدماته في المجتمع الأسترالي. 

ومن المجالات التي تعمل فيها «مجموعة جبور القابضة»، تطوير البناء والإستثمار، فضلاً عن المقاهي والمطاعم، كما تضم شركة مقرّها في الإمارات تعنى بشؤون تنظيم السير والإشارات وغيرها (traffic management)، كما تصدر المجموعة جريدة «التلغراف» بعد أن حصلت على حقوق إصدارها في ولاية فيكتوريا.  

طريق النجاح

عندما يقف رولان جبور اليوم ويتطلّع خمسين عاماً إلى الوراء، يخرج بعبرة أساسية في هذه الحياة وهي أن المصداقية والجدية في العمل هما الطريق إلى النجاح. ويرى أن «من يعمل بهذا السلوك وبهذه القناعات ومن يكون عنده استعداد دائم للمعرفة، من الصعب أن يفشل، رغم التحديات الكثيرة التي تواجه الإنسان ولا ننكرها أبداً». وبرأيه، على الإنسان أن لا يستسلم للواقع وأن ينظر إلى الحياة كأنها تحدٍ، فيبتعد عن السلبية وينظر إلى الجزء الملآن من الكوب، ويقول: «حتى الجزء الفارغ أراه شخصياً ملآناً. أنا بإختصار لا أحب أن أكون محدوداً أو مقيّداً، حتى حزام السيارة لا أتحمّله».

فخر لا يمنع الحسرة

يشعر جبور بنوع من الحسرة عندما يضطر للجوء إلى المقارنة بين لبنان وأستراليا، «فرغم الميزات الكثيرة في ثقافتنا وحضارتنا وتاريخنا الذي يحمل في طياته الكثير من الإيجابيات، ورغم أننا نملك كل المقوّمات والطاقات والفرص التي تجعلنا من أرقى بلدان العالم ونفتخر بهذا الشيء، إلا أننا نفتقد ولسوء الحظ إلى أمور أساسية وهي احترام المؤسسات كمرجعية  والإحتكام إلى القانون. فالمؤسسات هي التي تؤمن الإستمرارية، أما الشخصنة فظاهرة تضعف قيام الدولة».  

وعن السبب في أن اللبناني يبرع كفرد ويفشل كمجموعة يجيب: «السبب أننا لم نرتقِ إلى المفهوم المؤسساتي وأن لدينا كلبنانيين مشكلة الإنتماء السياسي والطائفي والمذهبي، كما إن المصلحة العامة ليست دائماً في أولويات أصحاب القرار في لبنان إذ تتغلب عليها في معظم الأحيان المصالح الشخصية الضيقة». وفي الختام أمل رولان جبور في أن يتخطى لبنان كل مشاكله وأزماته للوصول إلى مرحلة تليق به وتعكس مستوى اللبنانيين الحقيقي.