المصارف اللبنانية في الخارج:
رهـان وأرباح متواضعة

15.10.2018
بنك سوسيتيه جنرال في بلغاريا
بنك بيروت والبلاد العربية قبرص
بيبلوس بنك نيجيريا
بنك بيروت عمان
بنك عوده العراق
بنك لبنان والمهجر مصر
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

الإنتشار الخارجي للمصارف اللبنانية يطرح في هذه المرحلة تساؤلات عدة، ويؤرق العديد من المصرفيين بعد التطورات السلبية التي شهدتها وتشهدها بلدان الإنتشار المصرفي ولاسيما عربياً وإقليمياً.

والتساؤلات الأساسية تطرح الآتي: هل التواجد الخارجي للمصارف نعمة أم نقمة؟ وهل هذا الإنتشار ضرورة وطنية بقطع النظر عن مردوده، لأنه يعزز البعدين الإقليمي والدولي للقطاع المصرفي اللبناني، ولأنه يشكل، رغم الظروف، أداة تواصل وتفاعل بين الاقتصاد اللبناني وبين المغتربين المنتشرين في بلدان العالم بمختلف قاراته؟ واستطراداً، هل حقق التواجد الخارجي الأهداف التي كانت مرسومة له أساساً؟ وهل ثمة أهداف جديدة له؟ والأهم هو السؤال: هل لدى المصارف خيارات أخرى لأسواق جديدة يمكن استهدافها في هذه المرحلة؟

ما هو حجم الإنتشار الخارجي للمصارف في هذه المرحلة؟ ما هي التحديات التي تواجه هذه المصارف في البلدان التي تتواجد فيها؟ وما هي سمات النشاط في كل من هذه البلدان؟

 

18 مصرفاً

على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، خرقت المصارف اللبنانية الحدود اللبنانية على فترات مختلفة ومتباعدة أحياناً، بدأت دفعة منها مع إندلاع الحرب اللبنانية باتجاه أوروبا فصمد منها من صمد ولا يزال حتى اليوم، ومنها مصارف لم يكتب لها أن تستمر. ومع بدايات الألفية الثالثة وقبلها بسنوات قليلة إتخذ الانتشار منحى مختلفاً باتجاه البلدان العربية بشكل أساسي، وبعض البلدان الأوروبية.

ووفقاً لجداول الانتشار المصرفي في الخارج الواردة في التقرير السنوي لجمعية مصارف لبنان عن العام 2017، يتبين الآتي: إن 18 مصرفاً لبنانياً لها تواجد في الخارج بأحجام متفاوتة، وبصيغ مختلفة من أصل

الـ 18 مصرفاً ثمة 12 مصرفاً ضمن مجموعة «ألفا» (Alpha Group) هي: عوده، بيروت، البحر المتوسط، اللبناني الفرنسي، بيروت والبلاد العربية، لبنان والمهجر، بيبلوس، الاعتماد اللبناني، فرنسبنك، إنتركونتيننتال IBL، لبنان والخليج، سوسيته جنرال لبنان.

يضاف لـ 12 مصرفاً، البنك اللبناني للتجارة الذي يقع ضمن الميزانية المجمعة لفرنسبنك، إضافة إلى 5 مصارف من خارج «ألفا» هي: مصر لبنان، جمال ترست، بيمو، الشرق الأوسط وأفريقيا، وأف.أف. آي برايفت بنك. 

30 بلداً

ووفقاً لتقرير جمعية مصارف لبنان للعام 2017، فإن المصارف اللبنانية تتواجد في 30 بلداً على النحو الآتي:

- 11 بلداً عربياً هي: الجزائر، السودان، العراق، الإمارات، الأردن، مصر، المملكة العربية السعودية، قطر، البحرين، سورية، سلطنة عمان

- 10 بلدان أوروبياً هي: فرنسا، سويسرا، بريطانيا، بلجيكا، ألمانيا، بلاروسيا، قبرص، لوكسمبورغ، إمارة موناكو، رومانيا

بلدان آسيويان هما: تركيا، إرمينيا

أميركا الشمالية: كندا

أميركا الجنوبية: كوبا

أوقيانيا: أستراليا

أفريقيا: شاطئ العاج، نيجيريا، السنغال، غانا

ويتخذ هذا التواجد صيغاً مختلفة جاءت وفقاً لتقرير جمعية المصارف للعام 2017 كالآتي: مصرف شريك (3) مصرف شقيق (1)، مصرف تابع (24)، شركة تابعة (2)، مكتب تمثيل (19)، فروع (280).

ويلاحظ أن التواجد المصرفي الخارجي قد تقلص العام الماضي بعد خروج أحد المصارف من روسيا، وخروج مصرف آخر من الكونغو.

النشاط الخارجي

وفي ضوء حجم الانتشار الحاصل في القارات الخمس وبنسب متفاوتة مع تركيز واضح على البلدان العربية والأوروبية ما هو حجم النشاط المصرفي المحقق في الوحدات التي تتواجد خارج لبنان؟

يستدل من التقرير الصادر عن بنك داتا (BankData) والذي يشمل مصارف مجموعة «ألفا» التي تستأثر بمعظم النشاط الخارجي، أن هذا النشاط يمثل نحو 15.8 في المئة من إجمالي موجودات مصارف «ألفا»، ونحو 14.1 في المئة من إجمالي الودائع، ونحو 26.1 في المئة من إجمالي التسليفات، كما تمثل الفروع خارج لبنان نحو 27.8 في المئة، ونسبة الموظفين 26.1 في المئة.

أما الأرباح المتأتية من وحدات مصرفية خارج لبنان فبلغت في نهاية العام 2017 نحو 14.5 في المئة، أي ما قيمته 526 مليار ليرة. (راجع الجدول).

ويستنتج من هذه الأرقام الموقوفة في نهاية العام 2017، أن السوق المحلية لا تزال هي السوق الأساسية بالنسبة إلى القطاع المصرفي، على الرغم من هذا الانتشار في نحو 30 بلداً. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن العائد المحقق في الخارج قياساً إلى الرساميل الموظفة يبدو أقل من ذلك المحقق داخل لبنان، الأمر الذي يطرح مسألة الجدوى الاقتصادية من هذا التواجد الخارجي إذا ما قيس وفقاً لمعيار المردود دون سواه.

أسواق التواجد

لقد اندفعت المصارف اللبنانية على مدى العقود الأخيرة نحو الخارج مدفوعة بضيق السوق المحلية التي عانت ولا تزال الكثير من التذبذب السياسي والأمني، وكانت الغاية الأساسية من هذا الاندفاع نحو الخارج هي البحث عن فرص جديدة، والحرص على تنويع مصادر الدخل للتخفيف ما أمكن من المخاطر.

غير إن الأهداف التي كانت تضعها المصارف من هذا التوسع لم تعد هي نفسها اليوم مع تغير الظروف والتطورات التي طرأت على الأسواق الخارجية. ومنها تطورات سياسية وأمنية وأخرى اقتصادية ومالية.

تقف المصارف اللبنانية اليوم أمام معطيات مختلفة عن السابقة، وتبحث عن خيارات مناسبة، ثمة خيارات محدودة تم اتخاذها بالنسبة إلى أسواق قليلة محددة تمثلت في الانسحاب الكامل لاعتبارات مختلفة بعضها يعود إلى ظروف الأسواق التي تتواجد فيها، وبعضها يعود إلى أوضاع المصارف الأم في لبنان، غير إن التواجد الخارجي بقي هو نفسه تقريباً.

فما هي التحديات التي تواجه المصارف في أسواق تواجدها؟ وكيف تبدو آفاق العمل في هذه الأسواق كلٌ على حدة؟ هنا إستعراض لأهم هذه الأسواق:

سورية: إنتظار

بعد انفتاح القطاع المصرفي السوري أمام المصارف الأجنبية إندفعت سبعة مصارف لبنانية الى دخول السوق عبر تأسيس مصارف تابعة بمشاركة مستثمرين سوريين ووفقاً للنسب التي نص عليها القانون. وتباعاً، نشأت في سورية مصارف تابعة لـ بنك عوده وبنك لبنان والمهجر، وبنك بيبلوس، وفرنسبنك، والبنك اللبناني الفرنسي، إضافة إلى بنك بيمو من خلال مساهمة في بنك بيمو السعودي الفرنسي وفرست ناشونال بنك من خلال مساهمة متواضعة مع بنك سوريا والخليج.

وحققت هذه التجربة نجاحاً شكل حافزاً لمصارف أخرى كانت تعتزم أن تحذو حذو من سبقها، وجاء النجاح نتيجة معرفة المصارف اللبنانية برجال الأعمال السوريين الذين لهم تعاملات مع المصارف اللبنانية، وكذلك نتيجة تعطش السوق السورية لخدمات مصرفية متطورة لم تكن توفرها المصارف السورية الحكومية.

وكانت تجربة المصارف اللبنانية في سورية مرشحة لمزيد من النجاح والتوسع لو لم تصطدم بإندلاع الأزمة السورية في آذار من العام 2011. وانزلاق سورية نحو حرب أهلية لم تنته فصولها حتى الآن، وحافظت المصارف اللبنانية في سورية على نشاطها وأظهرت تكيفاً مع الظروف واضطرت إلى إقفال العديد من فروعها في المدن التي شهدت اضطرابات شديدة.

ونتيجة لذلك، قلصت المصارف اللبنانية في سورية نشاطها من حيث التسليفات أو الودائع، ولاسيما في ظل التراجع الكبير الذي طرأ على سعر صرف الليرة السورية، وكان من الممكن أن يستمر هذا التأقلم مع الظروف، لو لم تأت العقوبات الأميركية التي وضعت إدارات المصارف أمام مرحلة جديدة، الأمر الذي اضطرها إلى الانسحاب من السوق سواء من الملكية أو الإدارة بعد اقتطاع المؤونات اللازمة.

واليوم لم تعد سورية رسمياً على خريطة التواجد المصرفي الخارجي بإستثناء حالة وحيدة تتمثل ببنك بيمو من خلال مساهمته المحدودة في بنك بيمو السعودي الفرنسي كمصرف شريك.

ولا شك أن هذه الخطوة جاءت تحت وطأة العقوبات الأميركية من جهة واستجابة لتعليمات مصرف لبنان من جهة اخرى، غير إن هذه الخطوة في مضمونها ستمكن المصارف اللبنانية من العودة إلى وضعها السابق مع استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في سورية، وهي اليوم في حالة انتظار وترقب مع رهان على دور حيوي عندما تبدأ عملية إعادة اعمار سورية، حيث ستكون المصارف اللبنانية قادرة على لعب هذا الدور وربما من دون منافسة من مصارف عربية أخرى ولاسيما الخليجية منها. وفي انتظار ذلك، فإن ميزانيات المصارف اللبنانية المعنية باتت خالية من أية حسابات متأتية من نشاطها في سورية.

بلدان الخليج

كان الانتشار المصرفي اللبناني في بلدان الخليج محكوماً بعائق قانوني يحول دون الترخيص لفروع تجارية لمصارف لبنانية قادرة على استقطاب الودائع وتقديم القروض، سواء في الكويت أو في السعودية أو في قطر، ولكن ثمة استثناء لهذا الواقع من خلال تواجد بنك لبنان والمهجر يرقى إلى سبعينات القرن الماضي من خلال 3 فروع في دبي وفرع في الشارقة.

ومن خلال تواجد بنك بيروت في سلطنة عمان (العام 2002) عبر 3 فروع في مسقط وفرع في «سحر» وآخر في «بركا»، كما ثمة استثناء من خلال بنك الاعتماد اللبناني وفرعه في مملكة البحرين.

إلى ذلك، يتمثل التواجد المصرفي في الخليج من خلال الآتي:

شركات مالية في السعودية لكل من بنك لبنان والمهجر وبنك عوده، وبنك البحر المتوسط من خلال فرع له في دبي ومن خلال فرع تابع لشركة البحر المتوسط للاستثمار السعودية، وكذلك شركتان ماليتان في قطر لبنك عوده وبنك لبنان والمهجر.

مكتب تمثيل في أبو ظبي لكل من: اللبناني للتجارة، اللبناني الفرنسي، لبنان والمهجر، بيروت والبلاد العربية، بيبلوس، عوده، وفي دبي لكل من بنك بيروت وبنك لبنان والخليج.

وفي غياب الفروع التجارية تقوم الشركات المالية الاستثمارية في كل من السعودية وقطر بخدمات مالية استثمارية واستشارية لزبائن محليين مختارين فضلاً عن الزبائن اللبنانيين، كما إن مكاتب التمثيل تلعب دوراً في ربط الجالية اللبنانية في الإمارات بمصارف لبنان.

أما البنوك التي لها فروع تجارية فتحقق أرباحاً لا بأس بها سواء في الإمارات أو في سلطنة عمان. 

وبصورة عامة يحقق التواجد المصرفي اللبناني في الخليج، وعلى الرغم من تواضعه، الأهداف المتعلقة بخدمة اللبنانيين العاملين في بلدان الخليج سواء من خلال خدمتهم في لبنان أو من خلال الخدمات الاستثمارية عبر النوافذ الاستثمارية لبعض المصارف اللبنانية في أوروبا.

الأردن

يقتصر التواجد المصرفي اللبناني في الأردن على 3 مصارف هي:

بنك عوده: 12 فرعاً في عمان، فرع واحد في كل من إربد والعقبة

بنك لبنان والمهجر: 12 فرعاً في عمان وفرع واحد في كل من إربد والعقبة والزرقاء (المنطقة الحرة).

سوسيته جنرال الأردن (مصرف تابع): 16 فرعاً في عمان وفرع في العقبة.

تعتبر تجربة الأردن ناجحة بالنسبة إلى المصارف اللبنانية على الرغم من الوضع الاقتصادي للأردن الذي يتّسم بنشاط متواضع وقد تمكنت هذه المصارف من إدخال منتجات وخدمات مصرفية جديدة إلى السوق الأردنية ولاسيما في مجال صيرفة التجزئة.

وتحقق هذه المصارف أرباحاً معقولة وإن كان العائد لدى بنك سوسيته جنرال الأردن هو دون العائد لدى المصرفين الآخرين، وذلك بعد أن أقدم على رفع رأس ماله بما لا يتناسب مع محفظته التي يسعى إلى توسيعها بصورة حثيثة. 

ويبقى التواجد المصرفي اللبناني في الأردن بمنأى عن مخاطر سياسية.

مصر: سوق واعدة

وبالإنتقال إلى السوق المصرية، فالمعروف أن التواجد المصرفي اللبناني في هذه السوق يقتصر على مصرفين اثنين هما: بنك لبنان والمهجر من خلال المصرف التابع «بلوم مصر»، وبنك عوده من خلال مصرف تابع «عوده - مصر».

ويتواجد «بلوم مصر» في 10 مدن مصرية عبر 35 فرعاً، وبنك عوده - مصر في 10 مدن أيضاً وعبر 46 فرعاً. ويمضي المصرفان في سياسة التوسع عبر الفروع التي توفر كافة الخدمات المصرفية سواء للأفراد أو الشركات، وبعد تواجد منذ نحو 10 سنوات، يحوز المصرفان على حصة سوقية لا بأس بها، ويلعبان دوراً حيوياً في تطوير السوق المصرية الضخمة التي تختزن الكثير من الفرص.

وعلى الرغم من التأثيرات السلبية التي نتجت عن الأوضاع السياسية قبل بضع سنوات، وعلى الرغم من إقدام الحكومة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعويم الجنيه المصري الذي أنهى السوق السوداء، فإن المصرفين يحققان نتائج جيدة على صعيدي النمو والربحية، وثمة آفاق مشجعة بفضل ضخامة السوق المصرية اقتصاداً وسكاناً، وباتت مصر تشكل مصدراً أساسياً لربحية كل من المصرفين، مما يشجع على المزيد من التوسع.

العراق: رهان

استقطب القطاع المصرفي العراقي بعد فتحه أمام المصارف الخاصة الأجنبية تباعاً ومنذ العام 2007 المصارف اللبنانية المتمثلة بـ 10 مصارف هي: بيروت والبلاد العربية، البحر المتوسط، الشرق الأوسط وأفريقيا، بيبلوس، فرنسبنك، الاعتماد اللبناني، اللبناني الفرنسي، انتركونتيننتال لبنان IBL، بنك لبنان والمهجر، وبنك عوده الذي كان آخر الداخلين إلى السوق، وتتواجد فروع هذه المصارف في عدد من المدن وهي: بغداد، إربيل، السلمانية، البصرة، ومؤخراً النجف.

واجهت المصارف اللبنانية العاملة في العراق ولا تزال، العديد من الصعوبات والعراقيل الناتجة من الإجراءات والسياسات التي يعتمدها البنك المركزي العراقي، والمستوحاة من ثقافة لا تزال متأثرة بالنظام الاشتراكي والتي لم تتأقلم بعد، وبما هو كاف، مع ثقافة الاقتصاد الحر والسوق المفتوحة. ويسعى البنك المركزي العراقي جاهداً إلى تطوير أنظمته بحيث يتيح للمصارف الخاصة العمل بفعالية، وعلى مدى السنوات الماضية. حصلت اختلافات في وجهات النظر بين البنك المركزي وبين المصارف، أوجبت تدخلات من السلطات النقدية في لبنان، إلا أن المصارف اللبنانية في العراق تبدي مرونة عالية في التعاطي مع الواقع، وتتحمل الكثير من المعوقات وتسعى إلى معالجتها، مؤكدة بذلك حرصها على الاستمرار في السوق ورهانها على الفرص الكثيرة التي تختزنها السوق العراقية سواء من حيث مواردها النفطية وثرواتها الطبيعية، والرهان يرتكز على تمكن العراق من تجاوز مشاكله السياسية والأمنية ومن توفير المناخ الملائم لاستقطاب الطاقات العراقية المهاجرة والتي تضم العديد من الكفاءات في شتى المجالات.

وتشير الإحصاءات العائدة إلى وضعية المصارف اللبنانية في العراق أن 8 من أصل 10 مصارف حققت أرباحاً في نهاية العام 2017، وإن كانت ميزانيات هذه المصارف لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي ميزانياتها.

ويمكن القول، إن السوق العراقية تبقى سوقاً واعدة، مما يؤكد رغبة المصارف المتواجدة على الاستمرار والتكيّف مع الأوضاع المصرفية والنقدية.

السودان

ووفقاً لجدول الانتشار المصرفي الخارجي الصادر ضمن التقرير السنوي لجمعية مصارف لبنان ولغاية 24 آذار 2018، فإن الانتشار المصرفي اللبناني بات حالياً مقتصراً على فرنسبنك فقط من خلال مساهمته المتواضعة في مصرف شريك هو «بنك المال المتحد» وهذه المساهمة لا تتجاوز الـ 5 في المئة.

وكان التواجد في السودان، شاملاً في وقت سابق كلاً من بنك بيبلوس وبنك عوده، إلا أن الأوضاع المالية السائدة حملت المصرفين على إنهاء وجودهما في السودان بعد أخذ المخصصات والمؤونات اللازمة. 

وثمة عوامل عدة تحول دون التواجد المصرفي اللبناني في السودان لعل في مقدمها النظام الاقتصادي ومعه النظام المصرفي المرتكز على الشريعة الإسلامية.  

لذلك، ينفرد فرنسبنك بتواجد في الجزائر من خلال مصرف تابع «فرنسبنك - الجزائر»، علماً أن محاولات عدة لدخول هذه السوق لم يكتب لها النجاح.

أوروبا

الانتشار المصرفي اللبناني في أوروبا مختلف عن سواه تاريخاً وأهدافاً وبعضه بدأ مبكراً وفي السنوات التي تلت اندلاع الحرب اللبنانية، واضطرار المصارف اللبنانية إلى اللحاق برجال الأعمال اللبنانيين الذين هاجروا إلى أوروبا لمتابعة أعمالهم بعد أن تعذر عليهم متابعتها من لبنان.

ففي فرنسا، ثمة 6 مصارف بصيغ مختلفة: فرنسبنك عبر مصرف تابع، اللبناني الفرنسي عبر تملّك الشركة العربية المصرفية SBA التي لها فرع في سويسرا وآخر في قبرص، بنك لبنان والمهجر عبر مصرف تابع، بنك بيبلوس عبر مصرف تابع (بنك بيبلوس أوروبا) ومركزه في بلجيكا، بنك عوده عبر مصرف تابع، بنك بيمو عبر مصرف بيمو أوروبا. 

وفي سويسرا 4 مصارف هي: البنك اللبناني الفرنسي كفرع تابع لمصرف تابع في فرنسا، بنك لبنان والمهجر عبر مصرف تابع، بنك البحر المتوسط عبر مصرف تابع، بنك عوده عبر مصرف تابع كذلك.

وفي بريطانيا: 3 مصارف هي: بنك لبنان والمهجر كفرع لمصرف تابع في فرنسا، بنك بيبلوس كفرع لمصرف تابع مركزه بلجيكا، بنك بيروت عبر مصرف تابع (بنك بيروت ليمتد).

إلى ذلك، ثمة مصرف واحد في بلجيكا (بنك بيبلوس) ومصرف واحد في ألمانيا – فرانكفورت (بنك بيروت) ومصرف واحد في رومانيا (بنك لبنان والمهجر) ومصرف شريك في بلاروسيا (فرنسبنك).

والواقع أن المصارف اللبنانية في أوروبا لا تطمح الى منافسة المصارف الأوروبية المحلية الواسعة الانتشار، بل تهدف إلى خدمة زبائنها من اللبنانيين المغتربين سواء العاملين في أوروبا أو أفريقيا أو بعض أميركا اللاتينية، كذلك تهدف إلى توفير خدمات استثمارية للبنانيين وبعض العرب من خلال تواجدها في سويسرا، ويقوى نشاط هذه المصارف في أوروبا أو يضعف تبعاً لواقع اللبنانيين نشاطاً وتواجداً، وتالياً إن وجودها في أوروبا هو بمثابة رافعة للمصارف الأم في لبنان، ونافذة لتقديم أوسع قدر من الخدمات، مع العلم أن الأرباح المتأتية من أوروبا تبقى متواضعة وإن كانت متفاوتة بين مصرف وآخر، ويمكن القول إن التواجد المصرفي اللبناني في أوروبا يعطي القطاع بعداً دولياً، ويمكّنه من مراقبة الأسواق عن كثب، علماً أن بعض المصارف قادرة على تأمين هذا التواجد والمحافظة عليه.

قبرص: أوفشور

واستكمالاً للتواجد المصرفي في أوروبا، يندرج هذا التواجد في قبرص الذي بدأ بعيد اندلاع الحرب اللبنانية يوم أقفلت المرافئ في لبنان، وبات الاستيراد يتم عبر مرفأي ليماسول ولارنكا، وازداد هذا التواجد حتى يشكل اليوم ظاهرة لبنانية تضم 11 مصرفاً، وهذا التواجد هو على شكل فروع تابعة للمصارف الأم في لبنان بإستثناء: 

-بنك سوسيته جنرال وهو مصرف محلي تابع وله أربعة فروع اثنان في نيقوسيا وفرع في كل من ليماسول وبافوس.

-الفرع العائد للبنك اللبناني الفرنسي، وهو مرتبط بالشركة المصرفية العربية SBA في فرنسا والمملوكة من البنك اللبناني الفرنسي، وتالياً فإن فرع SBA في قبرص هو فرع أوروبي.

وعلى الرغم من الإيجابيات التي كسبتها الفروع اللبنانية جراء انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذه الفروع بقيت وكأنها لا تزال وحدات خارجية «أوفشور» أي لا تتعامل مع السوق المحلية لا إيداعاً ولا تسليفاً.

ويتركز نشاط هذه الفروع بإستثناء بنك سوسيته جنرال قبرص، على خدمة الزبائن من رجال الأعمال السوريين والخليجيين ومؤخراً المصريين سواء في مجال تمويل التجارة أو في بعض الخدمات الاستثمارية.

أفريقيا: بداية

التواجد المصرفي المباشر في أفريقيا ما زال في بداياته الأولى على الرغم من الاهتمام الكبير الذي تبديه المصارف تجاه المغتربين العاملين في أفريقيا والذين تسعى إلى خدمتهم عن طريق الزيارات المتكررة، فضلاً عن خدمتهم عبر التواجد في أوروبا، ولا شك في أن الاغتراب اللبناني في أفريقيا يمثل حيزاً لا يستهان به في ميزانيات المصارف إيداعات وتسليفات.

التواجد المباشر عبر مصرف تابع يقتصر على بنك الاعتماد اللبناني الذي افتتح مؤخراً مصرفاً في السنغال باسم بنك «الاعتماد الدولي – السنغال»، وكان بنك بيبلوس له وجود مباشر في الكونغو وانسحب منه مؤخراً.

ما عدا ذلك، في نيجيريا ثمة مكاتب تمثيل عائدة لكل من: اللبناني الفرنسي، بيروت والبلاد العربية، بيروت وجمال ترست فضلاً عن مكتبي تمثيل في شاطئ العاج يعودان إلى فرنسبنك وجمال ترست.

ويبدو التوجه المصرفي نحو أفريقيا من خلال التواجد المباشر حذراً ودونه صعوبات تتعلق بالقوانين والتشريعات في بعض البلدان الأفريقية، كما تتعلق بالمجهر الأميركي المسلط على هذه القارة في مراقبة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ولاسيما وأن هذا المجهر يتركز على بعض اللبنانيين العاملين في أفريقيا.

أستراليا

منذ بضع سنوات، اخترق بنك بيروت قارة أوقيانيا من خلال استراليا التي تضم جالية لبنانية كبيرة. دخل البنك عبر مصرف تابع (بنك أوف سيدني) الذي له 10 فروع في سيدني و5 فروع في ملبورن وفرع في ادلايد. ويحقق البنك أداءً جيداً ونمواً مطرداً في ميزانيته يدر عليه أرباحاً جيدة، وهو ينشط في أوساط الجالية اللبنانية بشكل خاص، ويمنح تسليفات تجارية وأخرى للأفراد من خلال القروض الإسكانية.

وربما تعتبر أستراليا مصدراً أساسياً لأرباح القطاع المصرفي في الخارج وهي تأتي ربما بعد كل من تركيا ومصر.

الأميركيتان 

وتبقى القارتان الأميركيتان في خريطة الانتشار المصرفي اللبناني، مع الإشارة إلى أن هذا التواجد متواضع جداً على الرغم من الوجود الكثيف للجاليات اللبنانية في كل من كندا وأميركا الجنوبية.

خريطة جمعية المصارف تشير إلى وجود مكتب تمثيل وحيد في كندا تابع لبنك الاعتماد اللبناني، ومكتب تمثيل وحيد في كوبا تابع لفرنسبنك.

تركيا

كما هو معروف يتمثل التواجد المصرفي اللبناني في تركيا من خلال مصرفين اثنين هما: «بنك أوديا» التابع لبنك عوده ولديه 47 فرعاً موزعة على 10 مدن، وبنك T. Bank التابع لمجموعة البحر المتوسط ولديه 25 فرعاً موزعة على 10 مدن تركية.

يواجه المصرفان في هذه السوق الكبيرة تحديات انخفاض العملة المحلية التي بدأت قبل بضع سنوات وانعكاسها على توظيفاتها بالعملة المحلية. ويواجه المصرفان هذه التحديات بإجراءات وتدابير تتمثل في تخفيض التسليفات والنفقات، وهي تأمل أن تجني في المستقبل فوائد أكبر ولاسيما في ظل ضخامة السوق التركية والنمو الذي يحققه الاقتصاد.

لكن تركيا تواجه في الفترة الحالية مخاطر سياسية غير معتدلة تقتضي المزيد من التحوط.

وفي النطاق الآسيوي، ثمة تواجد مصرفي في أرمينيا من خلال بنك بيبلوس عبر مصرف تابع له فرعان في العاصمة يريفان، وكان لبنك الاعتماد المصرفي تواجد في أرمينيا لم يكتب له الاستمرار.

لا خيارات أخرى

خلاصة هذه الجولة على الانتشار المصرفي اللبناني في الخارج يمكن استخلاص الآتي:

-إن هذا التواجد الخارجي القائم يساهم على تواضعه في تنويع مصادر دخل المصارف اللبنانية ويخفف بعضاً من مخاطرها.

-إنه بالتأكيد يؤمن التفاعل والتواصل مع الانتشار اللبناني في معظم البلدان.

-بعض هذا التواجد محكوم بالانتظار والرهان كما في سورية والعراق ومصر وبعضه محكوم بأرباح متواضعة كما هي الحال في أوروبا.

لا خيارات أخرى متاحة أمام المصارف في ضوء الظروف الحالية عربياً وإقليمياً ودولياً.

-خدمات الصيرفة الإلكترونية باتت تساعد المصارف على التواصل مع زبائنها من دون أن تتحمل أكلاف التواجد المباشر.

يقول مصرفي مخضرم إن الأساس في نجاح أي توسع خارجي إنما يرتكز على أمرين: إما أن يكون في البلد المستهدف وجود اغترابي واسع وإما أن يكون هناك حجم تبادل تجاري كبير مع لبنان.

على الرغم من أن التوسع يشمل حالياً 30 بلداً، فإن السوق المحلية ما زالت هي الركن الأساسي للنشاط المصرفي