تونس:
تسوية جديدة تقوم على الحوار

07.10.2017
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

تعرّضت تونس منذ سنوات عدة إلى أزمة اقتصادية حادة نتيجة عوامل عدة أهمها تراجع عائدات السياحة التي كانت تساهم بنسبة 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وتوفّر ما بين 18 و20 في المئة من مداخيل تونس السنوية من العملات الأجنبية.

 وكانت وكالة «موديز » خفّضت تصنيف تونس السيادي إلى «B1» مع آفاق سلبية من درجة «Ba3» (آفاق سلبية)، وعزت الوكالة دوافع التخفيض إلى استمرار تدهور الجباية واستمرار اختلال التوازنات الخارجية، والتأخر في تنفيذ برنامج الإصلاح المتفق عليه مع المؤسسات الدولية. 

.. إلى صندوق النقد

أمام استفحال الأزمة وما ينتج عنها من تهديد للسلم الاجتماعي، لم تجد السلطات التونسية حلاً إلا بالتوجه نحو صندوق النقد الدولي للاقتراض والشروع في برنامج تسوية هيكلية غير مضمون النتائج. واعتبرت الحكومة التونسية الجديدة التي يرأسها يوسف الشاهد أن هذا المسعى يعتبر بمثابة الفرصة الأخيرة، خصوصاً ان كل المؤشرات الأساسية للاقتصاد التونسي في انخفاض واضح. فعلى سبيل المثال، فقد الدينار التونسي ثلث قيمته منذ العام 2015 واقترب من ثلاثة دنانير تونسية مقابل اليورو الواحد، ويعتقد أن هذا الانهيار مرشح للزيادة في الأسابيع القليلة المقبلة، مع العلم أن هذا الانخفاض المتسارع لقيمة الدينار أثّر على مستوى معيشة السكان خصوصاً من ذوي المداخيل المنخفضة. 

 وقد شبّه أحد الخبراء الوضع الاقتصادي في تونس بما حدث في اليونان، مشيراً في هذا الصدد إلى أوجه الشبه بين اقتصاد البلدين ولاسيما من ناحية عدد السكان في البلدين المتقارب كما إن عدد الموظفين الذي يقارب 600 ألف موظف أيضاً مشابه مع فرق أن اليونان سرحت 125 الفاً منهم بينما قامت تونس بزيادة التوظيف مما أثقل كاهل الميزانية التونسية المتعثرة أصلاً منذ سنوات عدة. لقد نتج عن سياسة التوظيف في القطاع العام هذه ارتفاع الدين العام من جهة، وزيادة ملحوظة في العجز في الميزانية وارتفاع كتلة الأجور إلى مستوى غير مسبوق.

زيادة التوظيف في القطاع العام فاقم عجز الموازنة وأعباء الدين العام 

ولمواجهة هذا الوضع الصعب، قامت تونس بالإقتراض من صندوق النقد الدولي نحو 2.9 مليار دولار يسدد على مدى أربع سنوات ضمن شروط البنك الدولي ومنها تحقيق تونس معدل نمو يقدر بـ 5 في المئة في حلول العام 2020، ولكن هذا الهدف يتطلب جهوداً  وتضحيات كبيرة من قبل السلطات التونسية ولاسيما على مستوى تخفيض العجز في الميزانية والوصول بها إلى مستوى 5.4 في المئة من الناتج الداخلي العام،  وهي نسبة ترى العديد من الأوساط انها بعيدة المنال نظراً الى الوضع الصعب الذي تمر به تونس في هذه المرحلة.  

وتضمّن الاتفاق بين تونس وصندوق النقد الدولي بنوداً عدة أهمها: رفع بعض الرسوم من 12.5 إلى 19 في المئة، مما قد يؤثر على مستوى معيشة الفئات الفقيرة والتي تعاني من البطالة والتهميش الاجتماعي والاقتصادي .

تخفيض الأجور

و لعلّ أصعب بند في الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي هو ضرورة تخفيض كتلة الأجور بنسبة 15 في المئة وهذا أمر يتطلب جهوداً كبيرة في بلد يعاني من استفحال البطالة بخاصة في صفوف الشباب، كما إن التوجه نحو تخفيض كتلة الأجور يعني البحث عن فرص عمل خارج القطاع الحكومي وهو من أكبر التحديات التي يعاني منها العالم والوطن العربي بصورة عامة وتونس بشكل خاص. 

مما لا شك فيه أن التحدي في تونس كبير ولكنه غير مستحيل، خصوصاً في بلد اعتاد على ثقافة الحوار والتفاوض بين مختلف الأطراف الاقتصادية والاجتماعية، كما ابتكار الحلول الوسط التي تمكّن من الوصول إلى بر الأمان. فمن الضروري أن يتم الحوار بين الاتحاد التونسي العام للشغل القوي وحكومة تعرف أنها أمام فرصة أخيرة قبل انفلات الأوضاع الاقتصادية قبل الاجتماعية.