الإستثمار في السعودية
القطار يسير

14.11.2018
محمد بن سلمان
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
الاقتصاد والاعمال

علامات إستفهام كثيرة تطرح حول ملابسات مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي في تركيا وما رافقها من تداعيات وتوظيف إعلامي وسياسي، وخلق قضية محرجة للسعودية في وقت تعيش المملكة إحدى أهم تجارب التحول والتحديث، وتستحق لهذا السبب أن تكون أنظار العالم مركّزة ليس على باب قنصليتها في اسطنبول، بل على التجربة المثيرة الجارية وعلى نجاحاتها وما تقدّمه من أدلّة تبدّل الصور النمطية التي رُوِّجت عنها لوقت طويل. 

إن ما جرى على الأرض التركية هو بلا شك جريمة تستدعي اتخاذ إجراءات عقابية صارمة بحق مرتكبيها، وتتطلب وكما أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إعادة هيكلة لأجهزة الأمن والاستخبارات السعودية، لكن شتان بين الإدانة الواجبة لجريمة وبين ردود الفعل المنسقة والتي أرادت استغلال الحادثة لإضعاف السعودية الجديدة وفرملة المشروع الطموح للتغيير وتعزيز القوة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية السعودية.

لذلك فإن الأمر كله لا يزال محيّراً، وهناك من يعتقد أن بعض العناصر المنفّذة ربما كانت مخترقة من جهات معادية وجدت فرصتها في اسطنبول لإيذاء ولي العهد السعودي والمملكة، وذلك من خلال زعزعة العلاقة بينه وبين الأوساط الغربية التي باتت تمثل حليفاً رئيسياً له ولمشروعه التغييري.  

القول بوجود نيّة للتوظيف السياسي للجريمة يجد صداه في ما وصفه وزير خارجية المملكة عادل الجبير بالـ «هستيريا» التي ميّزت سلوك الإعلام الغربي بشأن الجريمة وكأنما هناك من لا يريد للمملكة أن تستكمل عملية التحول وأن تطلّ على العالم بصيغة الدولة الحديثة والمنفتحة والمؤهلة بالتالي لإحتلال مكانها في العالم المعاصر استناداً إلى مشروع طموح للتغيير الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يشكّل نموذجاً لبناء حيّز أكبر من الإستقلالية والإعتماد على النفس وتحريك المجتمع وأجياله واستنفاركل الطاقات  للبناء والإنجاز. 

علامات إستفهام كثيرة يثيرها التوظيف الإعلامي والسياسي لجريمة قتل خاشقجي

نزع ورقة التطرف

واقع الأمر أن القادة الغربيين، لم يمحضوا محمد بن سلمان تأييدا تاماً بل هم على أبعد تقدير فوجئوا بهجومه الإيجابي وجهوزيته لاتخاذ القرارات وترتيب الشراكات والصفقات، كما أنهم فوجئوا بصورة خاصة بانتزاعه لورقة التطرف والإرهاب من أيدي القوى المعادية عبر موقفه الصارم وغير المسبوق من الأصولية الدينية والتشدد الفقهي، وهو موقف يعلم الغرب أنه قابل لأن يمتد ويؤثر على كافة أنحاء العالم الإسلامي بما للسعودية من حضور مباشر وتأثير في مختلف بلدانه. 

مشروع رؤيوي

بهذا المعنى، فإن الأمير محمد بن سلمان يمثل ظاهرة غير معهودة بالنسبة الى الغرب وقيادة سياسية مختلفة عن نمط القيادات التي اعتاد التعامل معها سواء في المملكة أم في منطقة الخليج أو المنطقة العربية. 

فهذا الأمير المدرك لما يريد والذي اتخذ قراره في بناء نهضة سعودية جديدة وتحرّك على الفور لإقناع العالم بمشروعه وحسم تحالفاته وثمّ طرح على الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية فرصة «الشراكة الكبرى» داعياً  للإستثمار الكثيف في المملكة، والمساهمة بالتالي في إنجاز التحول الذي تنشده. وقام ولي العهد بكل تلك الخطوات في فترة وجيزة من الوقت أدهشت كثيرين في الغرب واجتذبت شركات ومؤسسات مالية وصناعية وخدمية كبرى إلى دائرة حماسه ورهانه الجريء على المستقبل. 

فهم ولي العهد السعودي تحديات المملكة ووضع يده على العوامل التي أخّرتها طويلاً، وبات استمرارها يشكّل في نظره خطراً وجودياً، والأهم من ذلك أنه صاغ هذا الفهم في رؤية متكاملة ومشروع تغيير غير مسبوق في جذريته وفي التحول الذي يعِد بتحقيقه، وبدلاً من الخيار التقليدي بالعمل كبلد مصدّر للنفط وإنفاق عائد الثروة المتناقصة على الأغراض القصيرة الأجل للدولة والمجتمع، قرر الأمير محمد استخدام النفط كوقود للتغيير وللتطور وبصورة خاصة كقاطرة لبناء اقتصاد متنوع وحديث وتنافسي. الفارق المهم الذي تحرص قيادة المملكة على التأكيد عليه هو أنها تريد أن تحقق التقدّم المنشود لكن مع الحفاظ على هوية البلد وعلى أصالته وعلى مقومات الاستقرار الاجتماعي.

يسجل للملكة موقفها الصارم ضد الإصولية الدينية

إطلاق الطاقات

ومن أجل بلوغ هذه الأهداف، أظهر ولي العهد السعودي شجاعة إستثنائية في مقاربته للتغيير وقبوله المنطقي بمتطلباته ولم يتردد في تجاوز الكثير من المفاهيم التقليدية وإطلاق طاقات المرأة السعودية والشباب السعودي وإدخال مفاهيم جديدة مثل الترفيه والسعادة ورفض التطرف وثقافة الإنجاز والإدارة النزيهة والشفافة،  وكلّ ذلك نزع كثيراً من ذرائع الإعلام في تصويره النمطي والخاطىء للمملكة العربية السعودية. 

وفّرت جريمة قتل خاشقجي مناسبة للتأكيد مجدداً أن بعض الإعلام الغربي ليس صديقاً ولن يكون، وأنه ليس متحمساً بالضرورة لعملية الإصلاح أو للنهضة الجارية في السعودية أو في مصر أو في أي بلد عربي، كما إن بعض الدول الغربية لا يهمه أن يقبل المملكة (المسلمة) كعضو كامل في أسرة الدول الحديثة، وتواجه السعودية على الأرجح السلبية المكبوتة من قبل بعض الدول الغربية تجاه البلدان النامية ولا سيما الإسلامية منها. 

المستقبل ينتظر

إن أنظار السعوديين يجب أن لا تنشغل بما يردده الإعلام بقدر ما يجب أن تستمر مركّزة على استكمال عملية التحول والإصلاح المستمر للأخطاء ومواطن الضعف بجرأة ومصداقية، ومن حسن الحظ فإن المملكة العربية السعودية ورغم الحملة الشرسة التي تحاول إعاقة حركتها، مستمرة في تحقيق عملية التحول الشاملة من خلال رؤية 2030 كما رُسمت وكما تمّ تفصيلها في عشرات البرامج والمبادرات، وهذا المسار يمثل السبب الأهم للتوقعات المتفائلة بشأن اقتصاد المملكة وحجم الإنجازات الكبرى التي ستكون قادرة على تحقيقها في السنوات المقبلة.