تقرير الإستقرار المالـي لصندوق النقد:
مواصلة الإصلاح وفق منهج تناسبـي

14.11.2018
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

سلّط تقرير الإستقرار المالي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي الضوء على واقع النظام المالي العالمي وذلك بعد مرور عشر سنوات على اندلاع الأزمة المالية العالمية، واستعرض التقرير التطورات الحاصلة في الإقتصادات المتطورة والأسواق الناشئة، مشيراً إلى أن هذه الأخيرة معرّضة لتداعيات الإجراءات الحمائية التجارية وكذلك عودة المصارف المركزية إلى السياسات النقدية السابقة إثر توقف برامج التيسير وارتفاع مستويات التضخم. وكان من اللافت أن الدعوة للإستمرار بالإصلاحات ترافقت مع ضرورة اتباع منهج تناسبي في التعامل مع التنظيم والرقابة، بحيث تتناسب درجة تعقيد المعايير الفنية مع أهمية كل مؤسسة بالنسبة الى النظام المالي، إلى جانب التنبّه للمخاطر الناتجة عن تطور النظام العالمي كما هي الحال مع التكنولوجيا المالية وسواها.

يرى التقرير أن السنوات العشر الماضية التي تلت الأزمة المالية العالمية، شهدت تعزيز الأطر التنظيمية حتى أصبح النظام المصرفي أكثر متانة، لكن ذلك ترافق مع ظهور نقاط ضعف جديدة من دون أن يخضع النظام المالي العالمي لإختبارات تقيس صلابته في مواجهاتها. 

المزيد من المخاطر 

لفت التقرير إلى الإرتفاع المسجّل في المخاطر خلال الأشهر الماضية والتي من شأنها أن تؤثر على الإستقرار المالي العالمي على المدى القصير، مشيراً أنه وعلى الرغم من أن استمرار برامج التيسير تشكّل عامل دعم للنمو لكنها تساهم في تراكم المزيد من عوامل الضعف المالي ما يرتّب مخاطر في المدى المتوسط مع إمكانية ارتفاعها في حال تصاعدت الضغوط في اقتصادات الأسواق الناشئة أو احتدام التوتر التجاري.

ويضيف التقرير أن الأشهر الستة الماضية سجّلت تباعداً بين الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة، معتبراً أن استمرار التوسع الاقتصادي يشكل فرصة لتعزيز متانة الميزانيات العمومية لافتاً إلى أن النمو بلغ في بعض الاقتصادات الكبرى مستوى الذروة، في وقت تستمر فيه برامج التيسير مع بقاء أسعار الفائدة منخفضة والإقبال على تحمّل المخاطر وارتفاع تقييم الأصول. 

الأسواق الناشئة 

في المقابل، تأثرت الأوضاع المالية في معظم الأسواق الناشئة من شهر أبريل الماضي مدفوعة بإرتفاع تكاليف التمويل وتصاعد المخاطر الفردية واحتدام التوتر التجاري.  

وأعاد التقرير التأكيد على أن اقتصادات الأسواق الناشئة معرّضة لتداعيات عودة الاقتصادات المتقدمة لسياستها النقدية المعتادة، ما يعرّضها لتراجع التدفقات الرأسمالية الواردة إليها. فمنذ ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وكذلك سعر الدولار، وما رافقها من توتر تجاري، نتج عنها تعرض عدد من اقتصادات الأسواق الناشئة لتحول في مسار التدفقات وخلُص التقرير أنه واستناداً إلى تحليل أجراه الصندوق يخص التدفقات الرأسمالية المعرّضة للمخاطر، فإن هناك احتمالاً بنسبة 5 في المئة أن تتعرض إقتصادات الأسواق الناشئة على المدى المتوسط (بإستثناء الصين) لخروج تدفقات من محافظ الاستثمار في سندات الدين بقيمة 100 مليار دولار أو أكثر خلال عام، تشكل نحو 0.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي المجمّع لهذه الدول، وهو مستوى مقارب إلى حدّ كبير لما شهدته مرحلة الأزمة المالية العالمية. 

إلى ذلك، رصد التقرير بعض الإرتفاع في المخاطر التي تهدّد الإستقرار العالمي على المدى القصير محذراً من إمكانية تسجيلها ارتفاعاً كبيراً في حال تضييق الأوضاع المالية بصورة أكثر تشدداً في الإقتصادات المتقدمة.

كما إن تزايد القلق حول صلابة الأسواق الناشئة ومصداقية السياسات المعتمدة فيها قد يؤدي الى خروج المزيد من الرساميل وزيادة في العزوف عن أخذ المخاطر حول العالم، هذا بالإضافة إلى أن التوسّع في الإجراءات التجارية قد يؤدي إلى تقويض ثقة المستثمرين ما يلحق ضرراً بالتوسع الاقتصادي، ومن شأن أجواء عدم اليقين المحيط بالأوضاع السياسية وحالة السياسات (كالتي تتعلق بإحتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون إتفاق محدّد أو عودة المخاوف بشأن سياسة المالية العامة في بعض بلدان منطقة اليورو المثقلة بالديون) أن تؤثر سلباً على استقرار الأسواق وتقود إلى ارتفاع حاد في درجة تجنّب المخاطر، ولفت التقرير إلى أن ارتفاع التضخم قد يدفع المصارف المركزية للعودة إلى سياساتها النقدية المعتادة ما ينتج عنه تضييقاً لأوضاع المالية العامة.   

الإستقرار المالي والنمو 

من جهة أخرى، تناول التقرير واقع الإستقرار المالي والنمو في العالم معتبراً أنهما معرضان لدرجة عالية من المخاطر، محذراً من ظهور عدد من مواطن الضعف التي تراكمت على مدى السنوات الماضية في حال حصول تضييق مفاجئ وحاد للأوضاع المالية في الاقتصادات المتقدمة، مشيراً إلى أن مواطن الضعف الأساسية تتمثل في: الرفع المالي المرتفع في القطاع غير المالي، التدهور المستمر في معايير ضمان القروض، المبالغة في تقييم الأصول في بعض الأسواق الكبرى، وسجل إجمالي دين القطاع غير المالي في مناطق ذات قطاعات مالية مؤثرة إرتفاعاً من 113 تريليون دولار تمثل ما يزيد على 200 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي المجمع إلى نحو 167 تريليون، مشكلة نحو 250 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي المجمع. 

ويضيف التقرير أنه وعلى أثر وقوع الأزمة، عزّزت المصارف هوامش الأمان من خلال زيادة رؤوس أموالها والسيولة لديها، مشيرة أنه ومع ذلك، فهي ما زالت معرضة لمخاطر الشركات والكيانات السيادية المثقلة بالديون أو مخاطر حيازاتها من الأصول المعقدة وغير السائلة، أو استخدامها للتمويل بالعملات الأجنبية. 

كما لفت إلى وجود زيادة مستمرة في الإقتراض الخارجي لدى معظم إقتصادات الأسواق الصاعدة ما يفرض تحديات على البلدان التي تواجه مخاطر التمويل الخارجي والصدمات التجارية، لكنها تفتقر إلى إحتياطات وقائية كافية أو قواعد قوية من المستثمرين المحليين للحدّ من أثر الصدمات الخارجية، ونظراً الى البيئة الخارجية المليئة بالتحديات، ينبغي أن يكون صنّاع السياسات في اقتصادات الأسواق الصاعدة على استعداد لمواجهة المزيد من الضغوط بسبب خروج التدفقات الرأسمالية.

أثر الإصلاحات 

بعد هذا الإستعراض، يتوقف التقرير عند مدى تطور المنظومة المالية العالمية في الاتجاه المطلوب بعد مرحلة الأزمة المالية ومدى تحقيقها لدرجة أكبر من الأمان. 

في الجانب الإيجابي، يعتبر الصندوق أن النظام المصرفي العالمي أصبح أكثر متانة مدعوماً بالإجراءات التنظيمية المتخذة، فقد تقلصت مصارف الظل بعد تطورها في المرحلة السابقة على العام 2008، كما أصبحت لدى معظم الدول هيئات معنية بالسلامة الاحترازية الكلية وبعض الأدوات لمراقبة واحتواء المخاطر على النظام المالي.                 

في المقابل، يتوقف الصندوق عند عدد من العوامل التي ساهمت في تشتت التمويل والسيولة، لافتاً إلى أن تزايد تركيز الجهات التنظيمية على سيولة كل كيان على حدة داخل المجموعة المصرفية الدولية، ويضيف رغم الإيجابيات التي يمكن تحقيقها من خلال زيادة فصل السيولة ولا سيما في سياق تسوية أوضاع الكيانات المتعثرة خلال فترات الضغوط، فإن هذا الفصل ينطوي على خطر تشتيتها  داخل المجموعات المصرفية الدولية، مشيراً إلى أن سيولة السوق أصبحت أكثر تشتتاً داخل أسواق رأس المال، كما يتضح من تشتتها عبر منصات التداول المختلفة.

على الأجهزة الرقابية متابعة أنواع جديدة من المخاطر

منهج تناسبي في الرقابة 

يخلص التقرير إلى ضرورة استكمال الإصلاحات التنظيمية المالية مع الدعوة الى استخدام الرقابة والتنظيم وفق أسس أكثر إستباقية حتى يتسنى التعامل مع المخاطر النظامية المحتملة، كما يدعو لإتباع منهج نشط في استخدام أدوات السلامة الإحترازية ولا سيما في الدول التي لا تزال تعتمد برامج التيسير المالي ولديها نقاط ضعف عدة، كما إن الاستقرار المالي يتطلب أدوات جديدة للسلامة الاحترازية الكلية بغرض معالجة مواطن الضعف خارج القطاع المصرفي.

ويؤكد التقرير على أهمية الإجراءات المتخذة والتي ساهمت في تعزيز صلابة النظام المالي وتنفيذ اتفاقية «بازل  3» واعتماد اختبارات الضغط على المصارف وفرض المزيد من الرقابة عليها. لكنه يدعو إلى اتباع منهج تناسبي في التعامل مع التنظيم والرقابة بحيث تتناسب درجة تعقيد المعايير الفنية والجهود على الصعيد الرقابي مع أهمية كل مؤسسة بالنسبة الى النظام المالي والأهمية العالمية لكل منطقة، كما يحذر من أن التراجع عن الإصلاحات قد يفقد التنظيم والرقابة جودتهما ويقود إلى «سباق نحو القاع» ما قد يتسبب في إضعاف أمان النظام المالي العالمي وتعريض الاستقرار المالي للخطر.

تحذير من تراجع التدفقات المالية إلى الأسواق الناشئة

ويلفت التقرير إلى أن تطور النظام المالي قد ينتج عنه مخاطر جديدة داعياً الأجهزة التنظيمية والرقابية لإعطاء أولوية للإشراف على المجالات الجديدة كالتكنولوجيا المالية والأمن الإلكتروني، أما في إطار التنظيم الإحترازي، فيدعو لليقظة في مجالات إدارة الأصول، ويخلص التقرير إلى إنه لا يوجد إطار تنظيمي يمكن أن يقلل إحتمالية الأزمة إلى الصفر، ولذلك ينبغي أن يظل التواضع سمة القائمين على العمل التنظيمي.