البنك المركزي المصري:
المستشار الإقتصادي للقيادة

15.11.2018
طارق عامر
طارق عامر ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بإعتراف البنك الدولي وصندوق النقد، حققت مصر على مدى السنوات الأربع الأخيرة إنجازات اقتصادية ومالية نوعية ولعب البنك المركزي المصري دوراً محورياً بذلك. خلال اجتماعات بالي، حرص صندوق النقد الدولي على تسليط الضوء على التجربة المصرية المالية والنقدية والمصرفية، فاستضاف محافظ البنك المركزي طارق عامر بحوارٍ عميق وشفاف، أداره مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى في الصندوق د. جهاد أزعور، وحضرته «الاقتصاد والأعمال»... وهنا أبرز ما جاء فيه:

«منذ انضمامي الى البنك المركزي المصري العام 2003 كنائب للمحافظ د. فاروق العقدة، قرّرنا سوية عدم الإكتفاء بمعالجة مشكلة النقد الأجنبي التي كان يعاني منها الاقتصاد المصري آنذاك، بل تبني إصلاحات هيكلية على مستوى البنك المركزي والقطاع المصرفي ككل، واستمر هذا التوجه مع توليّ منصب المحافظ العام 2015» بحسب عامر، مُضيفاً:«هناك الكثير من المبادرات التي يتولى البنك المركزي خلال السنوات الأخيرة إطلاقها وتحقيقها، كما إنه ينفّذ مهاماً تتجاوز اختصاصاته الأساسية بحيث أصبح بمثابة مستشار اقتصادي للقيادة السياسية والحكومة». 

ثقافة غير معهودة

يفصح محافظ البنك المركزي المصري أن «البعض لا يرغب عادةً بإتخاذ تغييرات عميقة، ويريدون إنجاز المهمة بأقل وأسهل القرارات، لكن الإصلاحات الناتجة عن ذلك لا تصمد طويلاً، فمن المهم تحديد ما يجب تحقيقه وآليات العمل ووضع أساسات واضحة منذ البداية، والدليل على نجاح هذا التوجه أن البنك المركزي المصري بعد إصلاحه تمكّن من مواجهة أزمة العملة العام 2016 بفضل القدرات التي اكتسبها». متابعاً:«عندما بدأنا التواصل مع صندوق النقد للحصول على مساعدته في هذا الشأن، أبلغناهم أننا نريد برنامجاً لثلاث سنوات، وكان الصندوق يرغب بإنجاز البرنامج خلال عامٍ واحد، فشدّدت على أن الأمر لا يتعلق بتعويم الجنيه المصري فقط، بل يتطلب تغيير الثقافة وطريقة أداء الحكومة لإدارة شؤون البلاد، فعلى سبيل المثال لم يستحوذ فرض نظام صارم في إدارة الميزانية على اهتمام الكثيرين في مصر لعقود من الزمن، إذ كانت إدارة الميزانية تعني تلبية طلبات الوزراء وتزويدهم بالميزانيات التي يحتاجونها  لتنال الرضا... وفي أحد اللقاءات أخبرت وزيراً من الأسرة الملكية في إحدى دول الخليج أن النظرة السائدة لوظيفة البنك المركزي أصبحت تنحصر في  توفير الميزانيات للوزارات لأن هذا يجعلك شخصاً محبوباً بالنسبة إليهم، لكن إذا كنت تريد عمل الشيء الصحيح فربما لن تصبح هذا الشخص وستزعج الكثيرين».

معظم رؤساء الدول لا يحبذون التعامل مع المؤسسات الدولية للإصلاح؛ بعكس الرئيس السيسي

النجاح يُحفّز الإصلاح

يكشف عامر أنه «من أجل إجراء تغييرات كبيرة، واجهت الرئيس السيسي تحدياً صعباً هو نيل ثقة الناس، فمصر كانت تعاني من الاعتماد على الغير، وعاشت لسنوات طويلة أسيرة لمفاهيم معينة قديمة ترفض التغيير، لذلك فإن القيادة السياسية اليوم تركز على تبنّي نهج يقوم على توضيح حقيقة الأوضاع للناس وإقناعهم بالرؤية الاصلاحية ونيل ثقتهم».

ويشير إلى أنه «أحياناً لا يفهم السياسيون طريقة عمل صندوق النقد الدولي والبنك المركزي وضرورة الإصلاح، لكن عندما يتم تطبيق بعض القرارات بنجاح، يكتسبون  ثقة أكبر لتنفيذ المزيد من الإصلاحات». مستطرداً: «رؤساء الدول لا يحبذون عادةً التعامل مع المؤسسات الدولية في إجراء الإصلاحات، لكن الرئيس السيسي كان حريصاً على أن يصبح لعملية الإصلاح في مصر غطاء دولي يعزز الثقة فيها، ويرفع من مستوى النتائج المستهدفة».

الغرف المغلقة... والشعب

يعترف عامر بأن «الحكومات عادةً لا تحب المخاطرة، غير إننا في البنك المركزي تدرّبنا وتربّينا على اتخاذ القرارات السليمة، لكن لا يمكن الإكتفاء، على سبيل المثال، بأن تعرف في الغرف المغلقة أن رفع أسعار الفائدة أمر جيد من دون أن تراعي طريقة استجابة المجتمع لقرار من هذا النوع، لذلك ينبغي على المسؤول معرفة عواقب القرارات والتوقيت المناسب لها واستراتيجيات التعامل الجماهيري معها».

ويكشف أنه «قبل اتخاذ قرار تعويم الجنيه، كان آخر شخص استطلعت رأيه هو د. عبد الشكور شعلان المسؤول المخضرم في صندوق النقد الدولي، فذهبت إلى مكتبه العام 2016 وسألته عن رأيه، فقال لي شعلان: «هذه مهمة مستحيلة، لكن عليك أن تسير بها»، وكنت قد استطلعت أيضاً آراء عدد من وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في أوروبا والشرق الأوسط، والمحافظ السابق للبنك المركزي المصري، والخبير الاقتصادي د. محمد العريان، وأخبروني جميعاً أن الأمر لن يكون نزهة بل سيكون صعباً وشاقاً، ولم يكن تطبيق هذا البرنامج الإصلاحي سينجح لولا التوافق بين جميع العناصر الفاعلة، ممثلة بالمجتمع المصري والحكومة والبنك المركزي بالإضافة الى صندوق النقد الدولي». 

هدفي الدائم تعظيم إعتماد مصر على نفسها

نهاية معضلة النقد الأجنبي

في ما يتعلق برؤيته كمحافظ، فإن الهدف الذي يسعى عامر الى تحقيقه منذ البداية هو «تعظيم اعتماد مصر على نفسها، إنجاز إصلاحات هيكلية مع الحكومة، مشدداً على أن الفساد هو العائق الأخطر أمام التنمية».

وفي موازاة إقراره بأنه «نحن الذين تسببنا بوجود نقص في النقد الاجنبي بسبب تبني سياسات طاردة للمستثمرين سابقاً» يرى عامر أن «مصر لا تزال قادرة على استقطاب الاستثمارات الاجنبية بمستويات مقبولة مقارنة بغيرها من الدول الناشئة، فنحن نتلقى نحو ثمانية مليارات دولار سنوياً، وقد ثبتت استدامة هذه الاستثمارات خلال الأعوام الأخيرة»، مُشيداً بتحسن عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات في الوقت الراهن حتى وصل إلى ستة مليارات دولار «ما يعني إنجاز هدف القضاء على مشكلة النقد الأجنبي».

رسالة لمدراء البنوك

عن واقع وآفاق القطاع المصرفي المصري، يرى عامر أنه «بفعل الخطة المحكمة التي قمنا بها لإعادة هيكلة البنوك الوطنية التي كان يبلغ عددها 65 بنكاً عند إنطلاق الخطة، 60 منها كانت تعاني من مشاكل كبيرة، أصبح القطاع المصرفي المصري أقوى قطاعات الاقتصاد ويمتلك سيولة ورأس مال كافيين، ومنظماً بشكل جيد، ويشكل خط الدفاع الأول أمام الأزمات، أما الآن فنسعى الى تطوير حوكمة النظام المصرفي ووضعنا قانوناً جديداً سيحقق تحسينات هائلة على ما هو موجود، وأنهينا مناقشاتنا مع صندوق النقد الدولي في هذا الخصوص، وارتأينا أن يكون نظام الرقابة المصرفية في بريطانيا هو النموذج الذي نسعى الى تقليده».

إلى ذلك، «نقود مبادرات قوية لتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتكنولوجيا المالية وإنشاء البنوك الرقمية، إنطلاقاً من إعادة هيكلة مركز المدفوعات القومي، وذلك بهدف تحسين المدفوعات الإلكترونية والدفع عبر الهاتف المحمول».

ويوجه عامر رسالة واضحة إلى المصارف الوطنية بقوله«نسعى الى ضمان عدم اكتفاء المدراء التنفيذيين للبنوك المحلية بتحقيق أرباح عن طريق إقراض الحكومة، لذلك نعمل على إصدار قوانين للحوكمة تضمن قيام البنوك بتحسين قدراتها التنافسية ومحاسبة المدراء التنفيذيين، ولاسيما لناحية التقصير بإقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة وقمنا خلال العامين الماضيين بتغيير 15 مجلس إدارة وعشرة مدراء تنفيذيين في البنوك الوطنية، وذلك بهدف ضخ دماء جديدة، وإبلاغ البنوك رسالة مفادها أن مراكمة الأرباح لا يجب أن تكون الهدف الوحيد، وأنه ينبغي أن تراعي المصلحة القومية والمساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي».

الفساد هو العائق الأخطر أمام التنمية

ما يحدث ضخم

من حيث الأرقام، فإن «ما حدث مصرفياً في مصر خلال السنوات الأربع الماضية ضخم جداً، فقد قدمت البنوك قروضاً بقيمة 600 مليار جنيه خلال تلك الفترة ونحن نحاول التركيز على تمويل المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، فطرحنا مبادرة لتمويل هذا القطاع بفائدة منخفضة، استفاد منها حتى الآن 2.6 مليون شخص، بنسبة تعثر لم تتجاوز 1 في المئة من المقترضين»؛ وفق عامر.

ويختم قائلاً:«في العام 2008 حضرت مؤتمراً في إندونيسيا حول تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وعندما عدت إلى مصر قلت لزملائي يجب أن نستهدف الوصول بحصة القروض لهذه المشروعات إلى 20 في المئة من إجمالي محفظة قروض البنوك المصرية، فكان جوابهم: أنت تحلم. وها نحن بعد عشر سنوات حققنا هذا الحلم، ووضعنا هدفاً جديداً يتمثل في رفع قيمة القروض لهذه الشريحة إلى 200 مليار جنيه، بعد أن وصلت إلى 100 مليار العام الماضي».