مبادرات التحول الاقتصادي في غرب أفريقيا
من خلال «الذهب الأبيض»

12.12.2018
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم المهندس هاني سالم سنبل 

 الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (ITFC)

 

إكتسبت اقتصادات دول غرب أفريقيا، على مرّ السنين، زخماً متزايداً لتصبح اليوم قوة لا يستهان بها في جميع أنحاء القارة، ويعود السبب في الانتعاش التصاعدي اللافت لهذه الاقتصادات إلى عوامل رئيسية داعمة والتي برزت كقوة دافعة لها، مثل حرية الحركة في كافة أنحاء المنطقة والتجارة العابرة للحدود. وكان لتلك العوامل أثر كبير وحاسم، حيث برزت توقعات بأن تحقق اقتصادات دول مثل ساحل العاج والسنغال نمواً بنسبة 7 في المئة، ودول أخرى، مثل غانا نمواً بنسبة 9 في المئة. ومع ذلك، لتكوين صورة حقيقية أفضل على أرض الواقع، ينبغي الأخذ في الحسبان المتغيرات الأخرى مثل تنامي عدد الشباب في التعداد السكاني والضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تشهد تفاقماً.

الصناعة لتحقيق  التحول الاقتصادي

وفي واقع الحال، تحتضن نحو 40 دولة أفريقية أكثر من 50 في المئة من السكان الذين هم دون سن العشرين، وتطلق اليونيسكو على طفرة النمو الهائل في عدد الشباب في القارة تعبير:«الأزمة الخفية»، وفي حال لم يتم ضبطها وإدارتها بكفاءة، فإنها ستمثل تحدياً ستكون له تداعيات سيئة . ولا بدّ من تضافر الجهود من قبل العديد من أصحاب المصلحة لتحويل الإمكانات الاقتصادية الواعدة داخل المنطقة إلى فرص ملموسة، خصوصاً بالنسبة الى الشباب والى أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية والنائية.

تتمثل إحدى الطرق التي بإمكان أصحاب المصلحة، ومن ضمنهم المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، إتّباعها لتحقيق التحول المطلوب في التركيز على الفرص المثمرة المتاحة في القطاعات القائمة والتي تنطوي على إمكانات واعدة وتعد بتحقيق نمو هائل. وبالإضافة الى ذلك، ينبغي أن تركز الاستثمارات على القطاعات التي تحقق عائدات مستدامة على شكل شركات صغيرة ومتوسطة وتساهم كذلك في خلق  فرص عمل على نطاق واسع. وأودّ التنويه إلى أن هناك قطاعات عديدة مهيأة بالفعل للنمو  في غرب أفريقيا، ومن بينها قطاع القطن، السلعة التي يطلق عليها اسم «الذهب الأبيض».

ويعدّ قطاع القطن في بعض الدول من القطاعات المزدهرة بالفعل، فمن بين 12 دولة أفريقية منتجة للقطن، هناك ثمانية بلدان تقع في غرب أفريقيا. وفي نوفمبر 2017، حثت أكبر أربع دول منتجة للقطن في المنطقة، والمعروفة أيضاً بإسم دول «القطن الأربع» أو «سي 4» (بنين، بوركينا فاسو، تشاد، مالي) منظمة التجارة العالمية على زيادة المساعدات لتحسين إنتاج القطن، كما طلبت «دول القطن الأربع»، على وجه التحديد، تقديم الدعم لزيادة القدرة على معالجة القطن محلياً وتطوير سلسلة القيمة لتحويله إلى نسيج، وتمثّل أول ردّ فعل على الطلب في إنشاء بوابة القطن الجديدة في ديسمبر 2017 التي طورتها منظمة التجارة العالمية ومركز التجارة الدولية.  

ITFC قدمت حولي 1.4 مليار دولار لتمويل قطاع القطن في دول غرب أفريقيا

التجارة الإسلامية في «الذهب الأبيض» 

قدمت المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (ITFC)، عضو مجموعة البنك الإسلامي للتنمية (IsDB)، مساهمات كبيرة للقطاعات الاستراتيجية القائمة على التصدير في أفريقيا. ومنذ تأسيسها في العام 2008، منحت المؤسسة تمويلاً بنحو  أربعة مليارات دولار لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بما في ذلك 826 مليون دولار في العام 2017  لوحده.

وكانت للمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (ITFC)بصمات بارزة في دعم قطاع القطن في منطقة غرب أفريقيا، وإدراكاً لظروف الطبيعة الأساسية لهذه السلعة بإعتبارها المحصول النقدي الرئيسي بالنسبة الى المزارعين، فهذا الدعم له تأثير إيجابي كبير على دخلهم وتحسين ظروفهم المعيشية، فضلاً عن دور القطاع المتكامل بإعتباره جزءاً لا يتجزأ من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي المستقبلي في المنطقة.

وتدرك المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (ITFC) بأن دعم معالجة وتصنيع القطن يعدّ من القضايا الحاسمة، كما إنه يستهدف تقديم الدعم المالي للشركات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمار في اللوجيستيات التجارية ولذلك أصبحت المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة لاعباً رئيسياً في هذين المجالين المهمين لقطاع القطن في غرب أفريقيا.

وشكّلت مبادرات مثل برنامج تطوير القطن مع إنشاء الروابط التجارية بين البلدان المنتجة للقطن في غرب أفريقيا والبلدان المستوردة، منعطفاً مهماً في القطاع وذلك من خلال الإجتماعات المتتالية للشركات التي عقدت في جاكرتا ودكا في أبريل 2017.

بالإضافة الى ذلك، منذ انطلاق عمليات المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، تمثل أحد أبرز مجالات مساهماتها الاستراتيجية في غرب أفريقيا في دعم حملات القطن عن طريق تمويل عمليات تزويد المدخلات الزراعية الضرورية وشراء القطن الخام مباشرة من المزارعين والجمعيات التعاونية لتتم معالجته قبل التصدير. ومن خلال القيام بذلك، أثبتت المؤسسة نفسها على أنها لاعب رئيسي في قطاع القطن، ولا سيما بعد أن وافقت على 21 عملية تمويل في قطاع القطن في منطقة غرب أفريقيا بمفردها، مع تقديم أكثر من 1.4 مليار دولار لتمويل قطاع القطن في غرب أفريقيا. وتشمل البلدان التي استفادت من تلك التمويلات: بنين وبوركينا فاسو والكاميرون وساحل العاج.

قصة بوركينا فاسو:دراسة حالة نموذجية

كانت بوركينا فاسو المستفيد الأول من مبادرات التمويل المقدمة من قبل المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة إلى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وتمّ حتى الآن تقديم أكثر من 744 مليون دولار على مدى تسعة مواسم للقطن، وهذا بدوره ساهم في إتاحة شراء نحو 1.8 مليون طن من القطن الخام لإنتاج أكثر من 700 ألف طن من ألياف القطن، من أكثر من 240 ألف مزارع.

إن الاستثمار في قطاعات مثل تجارة القطن يعدّ أمراً بالغ الأهمية بالنسبة الى مشاريع التنمية الاقتصادية في دول مثل بوركينا فاسو التي تواجه تحديات تتمثل في كونها غير ساحلية، وهي تمثل قطاعاً لا يستهان به ينطوي على حجم صادرات متنامية، وبالتالي تشكل فرصاً هائلة في سلسلة القيمة القطاعية لنمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، وخلق فرص العمل ومصدر دخل للعملات الأجنبية والاقتصاد المستدام القائم على التصدير في المنطقة.

تساهم زراعة القطن أيضاً في ضمان توفير الأمن الغذائي الريفي، حيث يستخدم المزارعون بعض المدخلات الزراعية المتاحة (الأسمدة والمبيدات الحشرية) ليس فقط لتعزيز زراعة القطن ولكن أيضاً لتطوير محاصيل زراعية غذائية داعمة.

توفر المرابحة آلية تمويل أكثر استقراراً ، للمستثمرين والحكومات والشركات 

تحسين سلسلة القيمة لقطاع القطن

نظراً الى أهمية هذا القطاع، قامت المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة برفع مستوى وتطلعات أهدافها الاستراتيجية للمنطقة، وذلك من خلال طرح برنامج تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة في غرب أفريقيا الهادف إلى تمكين هذه الشركات من الاستفادة من تسهيلات التمويل المتاحة، وهذا يعني توفير منتجات تمويل أفضل لرواد الأعمال بالإضافة إلى إتاحة أدوات مناسبة لتقييم الشركات الصغيرة والمتوسطة بالنسبة الى البنوك المحلية الشريكة، ما يساعد على اتخاذ قرارات إقراض أكثر جدوى وفاعلية.

إن مستوى ودرجة الاستثمار الذي تقدمه مؤسسات مرموقة من أمثال المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة يبرز أهمية طرح نقاش أوسع نطاقاً حول القيمة المضافة للتمويل الإسلامي، الذي يعتبر بمثابة وسيلة التمويل الأكثر شفافية وأخلاقية وبالتالي أكثر إستدامة.

واستناداً إلى تمويل المرابحة - وهو هيكل قائم على الأصول وعلى أساس التكلفة إلى الربح، أصبح من الممكن لقنوات التمويل الخاصة بالمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة ITFC أن تشهد مزيداً من التطور على نحو مستقل بعيداً عن تقلبات أسعار البنوك المركزية أو تقلبات الأسواق العالمية، ويوفر ذلك للمستثمرين المشتركين والحكومات والشركات الصغيرة والمتوسطة آلية تمويل أكثر إستقراراً وإستدامة.

دعم القطن شكل أبرز المساهمات الاستراتيجية لـ  ITFC في غرب أفريقيا 

الشركات الصغيرة والمتوسطة

وسيتوّج برنامج تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة لدول غرب أفريقيا بتقديم دعم إضافي يتمثل في توفير التدريب على بناء قدرات لعيّنة مختارة من الشركات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تدريب موظفين في البنوك الشريكة من أجل تحسين إمكانية تمويل مشاريعهم، وبالتالي تحسين الاستفادة من منتجات التمويل المخصصة لدعم وتلبية إحتياجات عملاء القطاع الخاص. وعلى الرغم من أن البرنامج يلبي احتياجات جميع الشركات الصغيرة والمتوسطة المؤهلة في غرب أفريقيا، إلا أن الآثار المتوقعة بالنسبة الى الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع القطن وسلسلة القيمة ذات الصلة بها ستكون هائلة وكبيرة، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى التطور المتزايد في نظام الإنتاج الإيكولوجي للقطن في دول غرب أفريقيا بفضل دور ومساهمات التمويل التجاري الإسلامي.