السعودية الجديدة:
انفتاح واندماج

08.02.2019
طنطورة بمحافظة العلا
استضافة العرض المسرحي
محمد عبده في احدى حفلات شتاء طنطورة
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

رؤية الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان السياسية أو الإستراتيجية أصبحت واضحة ومفادها أن المملكة العربية السعودية لم يعد في إمكانها تأجيل تحدي التعامل مع عالم جديد مترابط وتحكمه معايير شاملة وثقافة معولمة وتواصل تكنولوجي غير مسبوق، وهو عالم يختلف تماماً عن عالم مجتمع الأجداد الذي كان عظيماً وأوصل المملكة إلى ما هي عليه اليوم، لكن ما يهم اليوم في نظر الأمير محمد الإنطلاق من مجتمع الأجداد لبناء مجتمع الأبناء والأحفاد الذي ينمو في بيئة مختلفة. 

أنشطة ترفيهية متنوعة

وكلما تمعّنا في ما يجري في المملكة تأكد لنا أن التحول الأكبر والتحدي الأهم الذي أخذه الأمير محمد بن سلمان على عاتقه وقبل بتحمل تبعاته، ليس التحول الاقتصادي، رغم أهميته، بل هو التحول الاجتماعي والثقافي، الذي يعني فتح المجتمع السعودي بشكل أوسع على العالم والمعاصرة، وهو عمل نهضوي كبير يواجه أفكاراً مسبقة كثيرة وتحفظات، وهو يحتاج بالتالي إلى قيادة استثنائية في شجاعتها وفي فهمها للعصر، كما يحتاج إلى فعالية ومرونة في إدخال التغييرات على المجتمع وقيمه بكل ما تحمله من مفاعيل ونتائج. 

ولمجرد الإشارة إلى حجم وعمق التغيير الحاصل، يكفي الإطلاع على نشاط الهيئة العامة للترفيه الذي تتولاه الدولة السعودية وليس هيئة خاصة أو شركة، وهو نشاط ضخم بتنوعه وفعالياته ويتطلب إنفاقاً كبيراً وتوفير بنى تحتية مثل مدينة القدِّية وتطوير منطقة العلا ومشروع نيوم وتطوير الساحل الشرقي للبحر الأحمر وبناء المرافق المكمِّلة، لكنه -وهنا المهم- لم يعد مقتصراً على مناطق خاصة لأن التحول يحصل الآن في كافة المدن السعودية مع تمكين المرأة السعودية والسماح لها بقيادة السيارة ودخولها الملاعب الرياضية وزيادة دورها في سوق العمل. 

السعودية الجديدة:انفتاح واندماج 

هذا الانفتاح المتزايد داخل المجتمع السعودي، لن يلاقي موافقة جميع السعوديين بالتأكيد، لكن القيادة السعودية تمتاز بإمتلاكها الجرأة لمواجهة السعوديين بالحقيقة وهي أن ثورة المعلومات والاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي هدمت الأسوار حول المجتمع السعودي وأدخلت العالم وتيارات العصر إلى البيوت والمؤسسات والجامعات في المملكة، بكل ما تحمله هذه الثورة من إيجابات ومخاطر، ويمكن القول إن الترفيه الذي يتم إدخاله اليوم الى المملكة هو الوجه الإيجابي لمعادلة التعامل مع المعاصرة لأنه نشاط أسري يجلب الفرح للمواطنين ويتم وفق أطر محددة مضبوطة، في حين أن التحدي الحقيقي للمجتمع السعودي هو مواجهة «تنّين الإنترنت» ووسائل التواصل الاجتماعي، التي جعلت كل شيء متاحاً للمستخدمين كما وفّرت أسلحة فتاكة للتأثير في المجتمعات أو نشر الأكاذيب وتشويه الحقائق. وبات واضحاً أن الخيار الوحيد أمامنا، هو تطوير سياسات للاستخدام الإيجابي للإنترنت وتوفير الحمايات الممكنة للجيل الجديد، وهو ما تفعله المملكة من خلال تطبيق سياسات حماية فعّالة على الإنترنت ومواصلة تقييم نواحي الضعف في الشبكة للحدّ من الأضرار.  

إن ولي العهد السعودي وهو الشاب الذي ترعرع في ظل التحولات الثقافية وثورة الإنترنت، يمتاز بإمتلاكه فهماً عميقاً لما يحصل للأجيال السعودية الناشئة وللشباب حول العالم، ولذلك تولّدت لديه القناعة بأهمية أخذ المبادرة للتعامل مع هذه الظواهر وتلبية حاجات الشباب والأسر للرفاه والحياة الطبيعية، وقبل بالتالي مخاطرة الإصلاح ومواكبة العصر.  ونعلم جميعاً أنه بات مستحيلاً إعادة العربة إلى الوراء وأن إدراكنا للمخاطر لا يغير المعطيات ولا يعطينا خياراً حقيقياً بالخروج من اللعبة. والقيادة صاحبة الرؤية غالباً ما تكون سابقة لزمنها وهي تملك الشجاعة لإدخال الإصلاحات والرهان على تفهم الناس لها وتقبلهم لمفاعيلها الإيجابية منها وغير الإيجابية. 

مجتمع منفتح تاريخياً 

لنذكر أخيراً أن الكثير من إصلاحات الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان لا تمثل سابقة في حياة المجتمع السعودي الذي عرف الانفتاح ودور السينما لعقود طويلة قبل التحول المفاجئ في العام 1997على أثر الثورة الإيرانية والهجوم الإرهابي على المسجد الحرام، وهذا الواقع أشار إليه الأمير محمد أكثر من مرة عندما قال إن السعوديين لا يقومون بتغيير شيء بل يعودون إلى ما كانوا عليه، وهم يريدون العيش كمجتمع متصالح مع الثقافات والمجتمعات وهو ما يتوافق مع طبائعهم وتقاليدهم وانفتاحهم الاجتماعي. 

بهذا النوع من المجتمع المتسامح المنطلق وهذا النوع من أجيال الشباب الواثقة يريد الأمير محمد بن سلمان أن يمهّد للسعودية الجديدة، وللإقتصاد السعودي المتنوع والتنافسي وللمجتمع السعودي المبدع والمنفتح على العالم الخارجي أنها نهضة ثقافية وقيمية، ستعطي للسعوديين ما لن يقبلوا لاحقاً بالتخلي عنه تحت أي ذريعة، فهي نهضة لا عودة فيها إلى الوراء.