العلاقات اللبنانية – السعودية
مؤشرات إيجابية لمرحلة جديدة تحتاج إلى بعـض الإنتظـار

01.03.2019
الرئيس ميشال عون مستقبلاً الموفد السعودي نزار العلولا
... والرئيس نبيه بري
الرئيس سعد الحريري يستقبل الموفد السعودي نزار العلولا والسفير وليد البخاري
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

شكّلت زيارة المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا إلى لبنان خلال الأسابيع الماضية، والنتائج التي أسفرت عنها، نقلة نوعية هي الأبرز منذ اضطراب العلاقات السياسية بين البلدين، بل وهي الأكثر دلالة عن كل ما سبقها من محاولات ومواقف كانت كلها بمثابة تمنيات وتوقعات. والمواقف التي أطلقها السفير السعودي وليد البخاري الذي رافق الموفد السعودي في زياراته إلى الرؤساء الثلاثة، قد تكون مؤشرات لطي صفحة وفتح صفحة جديدة في سجل العلاقات الثنائية، إذا ما توافرت لها الظروف المناسبة وتعززت بمبادرات مماثلة يفترض أن تظهر خلال فترة قريبة.

إكتسبت زيارة العلولا أهمية خاصة من حيث توقيتها ولاسيما أنها عكست أول موقف سعودي رسمي بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري.
ما هي طبيعة النتائج التي أسفرت عنها زيارة المستشار في الديوان الملكي السعودي؟ وإلى أي مدى يمكن أن يكون مردودها؟ وهل ستشكل فعلاً مقومات لمرحلة جديدة من العلاقات تتسم بالوضوح والتيقن والثقة المتبادلة؟

رفع الحظر

لعلّ أبرز ما أسفرت عنه زيارة الموفد السعودي هو الإعلان رسمياً عن رفع تحذير القيادة السعودية لمواطنيها المسافرين إلى لبنان سواء أتوا من المملكة أو من أي جهة أخرى.. ويبدو أن هذا الموقف استند إلى معطيات معينة عبّر عنها البيان الذي جاء فيه: «نظراً الى انتفاء المسببات الأمنية التي دعت المملكة إلى تحذير مواطنيها من السفر، وبناء على التطمنيات التي تلقتها المملكة من الحكومة اللبنانية على استقرار الأوضاع الأمنية فيها...»، ومن الواضح أن هذا الموقف السعودي جاء بعد اتصالات تمت بين حكومتي البلدين مهدت لمثل هذا الموقف الذي طال انتظاره بالنسبة إلى اللبنانيين.
ومن البديهي القول، إن رفع التحذير للسعوديين من المجيء إلى لبنان، يتوقع أن تكون له انعكاسات إيجابية على الصعيد الاقتصادي نظراً إلى الثقل الوازن للزوار السعوديين في تعزيز ليس الأعداد وحسب بل والإيرادات السياحية المحققة نظراً إلى مستوى الإنفاق العالي الذي يتمتع به السعوديون عموماً، وإلى فترات الإقامة التي يمضونها في لبنان من حيث حجم الليالي الفندقية.
إلى ذلك، فإن عودة السعوديين إلى لبنان والتي هي عادة على مدار العام وإن كانت تبلغ ذروتها خلال موسم الصيف، سوف تساهم تلقائياً في تنشيط العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، لأن الزوار الذين يأتون لأهداف سياحية هم وبخاصة رجال الأعمال منهم، مستثمرون محتملون، وهم أيضاً شركاء محتملون مع نظرائهم اللبنانيين، وباحثون عن وكلاء وموزعون لمنتجاتهم في لبنان، ولا شك في أن ذلك سيتيح المزيد من الفرص أمام اللبنانيين لتوسيع أعمالهم في المملكة أو لتأسيس أعمال جديدة في ظل المشاريع الضخمة التي بدأت الحكومة السعودية طرحها في نطاق رؤية 2030.

اللجنة العليا المشتركة

كذلك أسفرت زيارة الموفد السعودي عن الرغبة السعودية في تحريك اللجنة العليا المشتركة بين البلدين التي لم تعقد أي اجتماع لها حتى اليوم وهي اللجنة المنوط بها دراسة مشاريع الإتفاقات الثنائية القائمة والمستجدة ويرأسها رئيس مجلس الوزراء عن الجانب اللبناني وولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن الجانب السعودي، وقد تمّ الإعلان خلال زيارة الموفد السعودي عن التحضير للجنة المشتركة والإعداد للتحضير لاجتماعها الذي يفترض أن يكون موعده قريباً، وتكمن أهمية اجتماع اللجنة المشتركة أن أمامها 23 مشروع اتفاق ومذكرة تفاهم وبروتوكول تتناول العديد من القضايا الاقتصادية وغير الاقتصادية..
وانعقاد الاجتماع المفترض أن يكون في الرياض سيعطي دفعاً للعلاقات بين البلدين وينظم الإطار الرسمي لهذه العلاقات الذي يشكل احتضاناً لنشاط القطاع الخاص في البلدين الذي يعول عليه في تعزيز التبادل على كل الأصعدة وبخاصة على الصعيدين التجاري والاستثماري. 
وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، إن فترة اضطراب العلاقات بين البلدين لم يكن لها تأثير كبير على حركة التبادل التجاري كما هي الحال بالنسبة إلى التبادل السياحي. صحيح أن التبادل لم يسجل أي نمو ملحوظ سواء على صعيد التصدير إلى المملكة أو الاستيراد منها.. إلا أن انتظام العلاقات عبر هذه الاتفاقات سيساهم من دون شك في تعزيز حركة التبادل، علماً أن المعول عليه في هذا المجال هو عودة انسياب المنتجات اللبنانية براً، ما ينعكس إيجاباً على الصادرات اللبنانية إلى السعودية وإلى بلدان الخليج الأخرى.
 

المساهمة في «سيدر»

وإذا كان الموقف السعودي الرسمي واضحاً تماماً بالنسبة إلى رفع التحذير عن السعوديين وإعطاء الضوء الأخضر لاجتماعات اللجنة العليا المشتركة، فإنه لم يكن على درجة مماثلة من الوضوح في ما يخص الحلقة الأهم في عودة العلاقات والتي تتمثل في مدى مساهمة المملكة في البرنامج الاستثماري لمؤتمر «سيدر» على الرغم من المشاركة السعودية في المؤتمر الذي انعقد في باريس خلال شهر نيسان الماضي والمقصود هنا المساهمة الحكومية في «سيدر» سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى الصندوق السعودي للتنمية الذي غالباً ما يضطلع بمثل هذه المساهمات.
في الوقت نفسه، لم يكن هناك أي مؤشر يوحي بإستبعاد المساهمة في مشاريع «سيدر»، بل ترددت بعض المعلومات حول زيارة يمكن أن يقوم بها وفد من الصندوق السعودي للتنمية للتباحث مع المعنيين في هذا الشأن، علماً أن الموقف السعودي قد لا يختلف في الجوهر عن مواقف الدول والمؤسسات المانحة في شأن برنامج «سيدر» وذلك في انتظار المزيد من الوضوح واليقين حول مدى قدرة الحكومة على تنفيذ عدد من الإجراءات الإصلاحية المطلوبة.

دلالات سياسية

وبعيداً عن النتائج الاقتصادية التي أسفرت عنها زيارة الموفد السعودي، فإن زيارته إلى لبنان حملت في ثناياها بعض الدلالات السياسية التي يمكن التقليل من أهميها وقد جاء ذلك في مبادرتين:
الأولى: مشاركة الموفد السعودي في احتفالية «تيار المستقبل» لمناسبة الذكرى الـ 14 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري.
والثانية: مشاركة العلولا في حضور «منتدى الطائف» الذي رعاه الرئيس سعد الحريري تحت عنوان «إنجازات وأرقام وشركاء» الذي نظّمته «مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة» بالتعاون مع السفارة السعودية في لبنان والذي تضمّن تكريم «شركاء الوطن» الذين شاركوا في إعمار لبنان ما بين العامين 1992 – 2005 من لبنانيين وعرب وأجانب.
ولا شك في أن المبادرتين المشار إليهما تنمان عن موقف سعودي سواء حيال تيار المستقبل أو حول «إتفاق الطائف» في ظل الجدال الدائر حوله.

النتائج المتوقعة

أما وقد تمت زيارة الموفد السعودي وما حملته من معانٍ اقتصادية وسياسية لافتة، فالسؤال هو: أي نتائج يمكن أن تسفر عن هذه الزيارة؟
من غير المنطقي التوقع في هذه الظروف وفي ظل هذه المعطيات بمنطق «العصا السحرية» حيث تعود الأمور إلى سابق عهدها ودفعة واحدة، وتالياً من المبكر الحكم على مفاعيل الانفتاح السعودي تجاه لبنان من خلال ما حملت الزيارة من مبادرات وعلى الرغم من أهميتها.
فالتوقعات المنطقية هي أن مجيء السعوديين إلى لبنان يرجح أن يتزايد تباعاً وفقاً لنظرية الترقب والتحفظ في انتظار جلاء المزيد من المعطيات وكيفية تطبيقاتها على الأرض.
غير إن المؤكد أن مبادرات الجانب السعودي تعطي ضوءاً أخضر لمعالم مرحلة جديدة، لكن ذلك يحتاج إلى بعض الوقت حتى لا نقول بعض الاختبار من أجل أن تتحول الرغبة إلى وقائع ملموسة  ومن أجل أن تتلاقى المبادرات السعودية مع ما يماثلها من الجانب اللبناني. فرفع الحظر وعودة الاستثمارات السعودية، يبقيان أولاً وأخيراً رهناً بوضع المناخ العام والأداء السياسي الذي يساهم في ترسيخ الثقة المتبادلة.
إلى ذلك، تأخذ المبادرة السعودية مداها الأوسع في حال مهّدت لقيام مناخ خليجي عام تجاه لبنان وبخاصة من الإمارات والبحرين والكويت إلى حدّ معين.