مصر والرئيس والدستور

13.03.2019
الرئيس عبد الفتاح السيسي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم: رؤوف أبو زكي

الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال

في العالم العربي إختلاط دائم في المناظرات حول الحكم ومؤسساته، وأحد الأمثلة هو النقاش الذي يدور في مصر حول مدة ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي: هل يجب تعديل الدستور للسماح أولاً بتمديد ولاية الرئيس من أربع إلى ست سنوات، وثانياً لتجديد الولاية مرتين ما يعني إعطاءه تفويضاً بالحكم لمدة 12 سنة إضافية؟ 

الرئيس القوي

من أين يأتي الإختلاط في هذا الموضوع؟ 

يأتي من اعتقاد بعض أصحاب الرأي أن مصر هي ديمقراطية على النمط الغربي، في حين أن مصر، بحكم الثقافة والضرورة المجتمعية، إمتداد لعهود رئاسية طويلة بدأت مع الرئيس عبد الناصر وامتدت معه إلى الرئيس السادات ثم إلى الرئيس مبارك، فهذا النظام لم يكن في أي وقت وبعد العام 1952 نظام تداول للسلطة على النمط الذي يشتهيه بعض «الطوباويين» الدستوريين، بل كان دوماً نظام الرئيس القوي، وهو كان كذلك لأن مختلف القوى الفاعلة في مصر تولي جلّ اهتمامها للإستمرارية في مؤسسات الحكم ومنح الدعم للرئيس الذي يستطيع تطبيق السياسات الصحيحة التي تساهم في توفير الأمن وتنمية الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات وخلق فرص العمل، وهذه العوامل يجب أن توضع في إحدى كفتي الميزان وأن يوضع في الكفة الأخرى أي اقتراح دستوري يتعلق بولاية الرئيس، وعلى الذين يجادلون في معارضة اقتراح تعديل الدستور، أن يبيّنوا إذا كان مبدأ التداول هو غاية في حدّ ذاته وإذا كان مفيداً لمصر أم أن ضرره للبلد ربما يكون أكبر. 

خصوصية مصر

إن مصر بلد  نام  يسكنه نحو 100 مليون إنسان وهو مجتمع حساس لا يستند ولديه خصوصيته في الخبرة السياسية وممارسة الديمقراطية، والذين يشددون على مبدأ تداول السلطة عليهم أن يتذكروا ما حدث قبل سنوات قليلة حين صعدت نخبة بعيدة عن فهم مشكلات البلد ومصرّة على تطبيق صيغ إيديولوجية غريبة عن تقاليده وخطرة على تطوره الاقتصادي وعلى حرياته وكرامة الفرد فيه. وكادت مصر تغرق في لجة عميقة من الفوضى والنزاعات لولا تدخل الجيش وهو المؤسسة القوية المتماسكة لوضع حد  للإنزلاق إلى الهاوية. 

وها هو الرئيس عبد الفتاح السيسي وبعد أن كان له الفضل في إخراج البلد من مأزق تاريخي، يبرهن عن زعامة سياسية ورؤية شجاعة في تطبيق الإصلاح وقمع الفساد وتحريك عجلة الدولة والمشاريع الكبرى واستعادة ثقة العالم بمصر وتسابق الشركات العالمية للإستثمار فيها.  إنه الرجل الذي اجتمع حوله الجيش والشعب ومؤسسات الدولة وارتاح لوجوده العالم، ومن المناسب أن يستمر في قيادة مصر وتوفير الاستقرار لها. أما تداول السلطة فلا حاجة بالضرورة لأن يتم في رأس الهرم السياسي بل الأهم أن يتم على مختلف مستويات الحكم بحيث يتم اختيار وتثبيت الوزراء والمحافظين وصانعي القرار في مختلف مؤسسات الدولة وفقاً لأدائهم ونزاهتهم وخدمتهم للبلد. 

إن نقل مبدأ دستوري أو سياسي من الدول المتقدمة في أوروبا إلى مصر قد يكون منزلقاً سياسياً كبيراً يتجاهل خصوصيات مصر وحاجاتها الحقيقية، كما إنه يتجاهل تجارب كثيرة في الدول النامية تمت فيها النهضة واستكملت أهدافها بسبب وجود الرئيس القوي وصاحب الرؤية والتصميم، فهذه سنغافورة التي كانت جزيرة فقيرة تصبح أحد أغلى بلدان العالم في مستوى المعيشة بسبب قيادة زعيمها لي كوان يو، وهذه ماليزيا التي تدين في نهضتها لرؤية رجل واحد  هو مهاتير محمد والذي بسبب تركه السلطة ربما قبل استكمال المهمة وقعت ماليزيا في اضطراب وفساد ومشكلات إضطرته للعودة واستلام زمام الأمور وهو في التسعين من عمره. ومَن لا يتذكر دور الرئيس الراحل بورقيبة في نهوض تونس أو دور الشيخ محمد بن راشد في نهضة دبي؟ وحتى في بلد «أوروبي» مثل روسيا توصّل الروس بكافة فئاتهم إلى أن استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في الحكم أمر حيوي لمصلحة البلد فلم يتوقفوا أو يرتبكوا بسبب مادة في الدستور بل ابتكروا واجتهدوا لكي يطغى المعنى على المبنى والمصلحة على الترف القانوني. 

القرار مصري

الأمر بإختصار هو أن «بذلة الدستور» وشكل الحكم ليست «موديلاً» جاهزاً يُفصَّل في أوروبا أو في مكتب فقيه دستوري ثم يلبس لمصر أو لغيرها بصورة كيفية. 

على المصريين أن يفكروا بأنفسهم خارج أي قوالب أو مسلمات دستورية، وأن ما يناسب مصر يجب أن يقرره المصريون بناء على مبدأ المصلحة والاستفادة من دروس الماضي القريب، وفي السياسة فإن قوة الذاكرة أمر مهم جداً عند النظر في الخيارات السياسية والدستورية.