نفط لبنان: الدولة تدرس تملّك حصص

11.01.2019
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

  * ندرس تملّك الدولة حصة في أي كونسورتيوم يفوز في دورة التراخيص الثانية، ولكن ذلك ليس هدفاً في حدّ ذاته، فالهدف هو تعظيم العوائد المحققة للدولة، وسنعرض على مجلس الوزراء دراسة متكاملة للعوائد والمخاطر وفق سيناريوهات متعددة لنكرّس بذلك نموذجاً علمياً في آلية اتخاذ القرار بعيداً عن الاعتبارات السياسية والشعبوية

* يمكن تأسيس شركة نفط وطنية في أي وقت، ولكنها لن تمرّ إذا كانت شركة للهدر والتوظيف وشراء الولاء السياسي. سيتم حفر أول بئر في النصف الثاني من 2019، بعد أن يستكمل الكونسورتيوم تأهيل الشركات التي ستتولى تنفيذ الأشغال وتقديم الخدمات وتوقيع العقود معها، وأدعو القطاع الخاص اللبناني للإستفادة من فرص الأعمال الكبيرة المتوفرة. 

* دورة التراخيص الثانية التي سنطلقها قريباً ستكون أنجح من الدورة الأولى بسبب ترسّخ القناعة لدى الشركات العالمية بالاستثمار في لبنان، بعد أن تأكّدت من المستوى المتقدم للحوكمة والشفافية، وبعد تحسن أسعار النفط.

مواقف لافتة، وتطورات بالغة الأهمية في ملف النفط والغاز يطلقها ويكشف عنها وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل في هذا الحوار مع «الاقتصاد والأعمال».

يؤكد الوزير سيزار «أن الكونسورتيوم الفائز بإتفاقية الاستكشاف والتنقيب والمكون من «توتال» الفرنسية كشركة مشغلة و«إيني» الإيطالية و«نوفاتك» الروسية كشركتين غير مشغلتين، سيبدأ بحفر البئر الأولى خلال النصف الثاني من العام 2019، وذلك بعد إنجاز خطة الانتاج وبرنامج العمل وميزانية الاستكشاف، وأخذ موافقة وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول. ويضيف ان شركة «توتال» طلبت الإستمهال ببدء الحفر إلى النصف الثاني، لكي يتمكن الكونسورتيوم من إعادة معالجة ودراسة «الداتا»، وتأهيل الشركات وتوقيع عقود الأشغال والخدمات معها. 

ويوجّه الوزير  أبي خليل رسالة الى القطاع الخاص اللبناني لإعطاء الاهتمام اللازم للعقود الثانوية التي سيوقعها الكونسورتيوم من الباطن والمتعلقة بالمنتجات والخدمات التي يحتاجها، لأن القانون والمراسيم ينصان على إجراء مناقصات عمومية لكل عملية تفوق قيمتها الـ 50 ألف دولار، كما ينصان على منح الشركات اللبنانيّة معاملة تفضيلية بنسبة 5 في المئة على البضائع المراد شراؤها و10 في المئة على الخدمات. كذلك يفرض القانون على الشركات المكونة للكونسورتيوم إدارة نشاطاتها من الاراضي اللبنانية ويلزمها الاستعانة بموظفين لبنانيين بنسبة 80 في المئة من مجمل حاجتها، ذلك في حال توفرت المهارات التي تحتاجها في سوق العمل اللبنانية، إضافة إلى تمويل برامج التدريب للموظفين اللبنانيين، وهذه البنود تشرف عليها هيئة إدارة قطاع البترول التي تراقب سياسات التوظيف التي تقوم بها الشركات.

ويشدّد على أن الدورة الأولى حققت نجاحاً كبيراً، وذلك ليس شعارات بل حقائق تمثلت بتوقيع اتفاقية مع ثلاث من كبريات الشركات الدولية وبشروط وعوائد لصالح الدولة اللبنانية تعتبر من بين الأفضل في العالم، حتى بالمقارنة مع دول لديها سجل طويل في صناعة النفط والغاز وليس دول حديثة العهد في هذه الصناعة مثل لبنان، منوهاً بأن حصة الدولة في الإتفاقية الموقّعة بلغت أكثر من 70 في المئة في البلوك الرقم 4.

 ويضيف أن هذا النجاح تحقق رغم تضافر عوامل سلبية عدة لعلّ أهمها «المناكفات السياسية» الداخلية التي أدت إلى تأجيل متكرر من العام 2013 إلى 2017، ما أدى إلى عدم تقدم العديد من الشركات المؤهلة مسبقاً للمزايدة، لأنها حوّلت الموارد البشرية والمالية المخصصة للبنان إلى دول أخرى، يضاف إلى ذلك التراجع الكبير في تلك الفترة في ميزانيات الاستكشاف والتنقيب لدى الشركات العالمية الذي بلغ أكثر من 60 في المئة بسبب هبوط أسعار النفط حينذاك. 

يمكن تأسيس شركة نفط وطنية بأي وقت ولكنها لن تمرّ إذا كانت مجالاً للهدر والتوظيف

إطلاق دورة التراخيص الثانية

وينطلق من نجاح الدورة الأولى ليقول إن الوزارة والهيئة وجدتا ان الظروف ملائمة لإطلاق دورة تراخيص ثانية في المياه الإقليمية، وتمّ الاستحصال على موافقة مجلس الوزراء لبدء التحضير للدورة، ما سمح لنا بالإستفادة من الوقت الضائع في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، لإنجاز التحضيرات اللازمة ولتثبيت موقعنا على «رادارات الشركات» المهتمة بالمشاركة لتحجز جزءاً من مواردها المالية والبشرية للبنان. ويشير إلى ان الاتصالات الأولية التي أجريناها مع شركات النفط العالمية أكّدت اهتمام عدد كبير منها بالمشاركة في دورة التراخيص الثانية ولاسيما الشركات الأميركية والبريطانية التي تأهلت في الدورة السابقة ولكنها لم تقدّم عروضها للمشاركة مثل «أكسون» و«شيفرون و و بي.بي». 

ويبدي الوزير سيزار «تفاؤله بتحقيق الدورة الثانية نجاحاً أكبر من الدورة الأولى، مستنداً في ذلك إلى عوامل عدة أهمها ترسّخ القناعة لدى الشركات العالمية بالإستثمار في قطاع النفط والغاز اللبناني بعد أن تأكدت من المستوى المتقدم للحوكمة والشفافية في ظل النظامين القانوني والمالي للأنشطة البترولية، وبعد أن تمّ بالفعل توقيع أول اتفاقية للاستكشاف والإنتاج مع كبريات الشركات العالمية، يضاف إلى ذلك التحسن الكبير في سعر برميل النفط مقارنة بسعره خلال الدورة الأولى، ما دفع الشركات الى تخفيض كبير في ميزانيات التنقيب والحفر كما ذكرنا. 

ورداً على سؤال، لماذا الإستعجال بإطلاق الدورة الثانية وعدم انتظار نتائج الحفر والتأكد من وجود اكتشافات تجارية؟ يوضح ان هذا النقاش جرى في مجلس الوزراء قبل إعطاء الموافقة على التحضير للدورة الثانية بين وجهتي نظر: الأولى تعتبر أنه من الأفضل تأجيل الدورة الى حين بروز اكتشافات تجارية ما يحسّن من شروط الدولة التفاوضية، وبين رأي ثانٍ شدد على أن عالم الجيولوجيا هو عالم الإحتمالات وليس كل بئر تحفر تكون منتجة بالضرورة، وخير دليل على ذلك حقل ظهر المصري الضخم الذي يحتوي على نحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، فقد تمّ اكتشافه بعد ثلاث محاولات للحفر قامت بها شركات عالمية وانسحبت منه لأن أعمال الحفر لم تؤدِ إلى نتيجة. وخلص النقاش إلى أن أفضل صيغة للإستفادة القصوى من مواردنا هي تكثيف عمليات الاستكشاف والحفر للوصول الى اكتشاف تجاري بأسرع وقت ممكن ما يرفع من حصصنا مستقبلاً، مع الحفاظ على حقوقنا ومواردنا الطبيعية على امتداد مياهنا الإقليمية وهما الهدفان المحددان أصلاً. 

هل تتملك الدولة حصة؟ 

وكشف الوزير أبي خليل إلى أننا ندرس تملّك حصة في الكونسورتيوم الذي يفوز في الدورة الثانية، حيث بادرت وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول إلى إعداد دراسة متكاملة للعوائد والمخاطر المحتملة لمثل هذا القرار، تضمّنت سيناريوهات مختلفة لكافة المتغيرات والمعطيات المؤثرة، تشمل على سبيل المثال نسبة مشاركة الدولة وفي أي مرحلة تتم المشاركة، وكيفية دفع قيمة الحصة، وهل يتم الدفع عند التأسيس أم تتحمله الشركات لتقوم باستقطاعه لاحقاً بعد تحميله بفائدة يتفق عليها، وأشار إلى ان هذه الدراسة ستعرض على مجلس الوزراء لإتخاذ القرار. وأكّد ان هدف الدراسة هو السعي إلى ترسيخ نموذج جديد في آلية اتخاذ القرار يتمثل بالإستناد إلى أسس علمية واقتصادية ومالية واضحة ودقيقة، وليس إلى اعتبارات استنسابية أو سياسية وشعبوية، مؤكداً ان المعيار الذي يجب ان يعتمد لإتخاذ مثل هذا القرار هو تعظيم العوائد المحققة للدولة. وأوضح ان مجلس الوزراء مخول باتخاذ قرار بهذا الشأن لأن القانون نصّ على صدور كل دورة تراخيص بمرسوم مستقل وبشروط مختلفة عن الدورات السابقة، خصوصاً وأن الإتفاقات التي توقّع مع الشركات هي بالأساس اتفاقات مشاركة في الإنتاج.

شركة النفط الوطنية.. متى؟ 

ورداً على سؤال حول الجهة الحكومية التي تمثل الدولة اللبنانية في حال اتخذ القرار بتملك حصة في الكونسورتيوم، قال إن ذلك يعود لمجلس الوزراء وهناك العديد من الجهات التي تمثل الدولة من بينها وزارة الطاقة والمياه. 

ولماذا لا تشكّل شركة نفط وطنية؟ يجيب الوزير سيزار « أن المادة 6 من قانون الموارد البترولية نصت على أن يتم إنشاء شركة نفط وطنية بعد أول اكتشاف تجاري، كما إن تأسيس الشركة خلال المرحلة السابقة لم يكن ليؤثر إيجاباً على حصة الدولة، بل كان سيؤدي إلى انخفاضها وإلى جعل الدولة شريكة في المخاطر.

ولكنه يضيف، اليوم، وبعد أن بدأنا فعلاً مرحلة الاستكشاف والحفر، فيمكن تأسيس الشركة الوطنية بأي وقت خصوصاً وأن تأسيسها يصدر بمرسوم عن مجلس الوزراء وليس بقانون، ولكن المهم ان يأتي تأسيسها على أسس سليمة تحقق مصالح الوطن قائلاً: «لن تمرّ شركة نفط وطنية تكون مجالاً جديداً للهدر والتوظيف وشراء الولاء السياسي».

وشدد على ان نموذج شركات النفط الوطنية التي تضم مئات أو آلاف الموظفين والذي كان سائداً في الستينات، إنتهى واندثر ولم يعد موجوداً إلا في أذهان بعض السياسيين وبعض من «يسمون أنفسهم خبراء» الذين يصرون على إعادة استنساخه، موضحاً أن شركة petoro النرويجية الحكومية مثلاً والتي تدير حصة الدولة لا يتجاوز عدد الموظفين فيها 30 موظفاً، وكذلك شركة النفط الدانمركية تدار بنحو 26 موظفاً، وإذا ذهبنا إلى خيار تأسيس شركة نفط وطنية، فيجب ان تكون وفقاً لهذا النموذج العصري.

 دورة التراخيص الثانية قريباً وستكون أنجح من الدورة الأولى

أعلى معايير الشفافية 

وعما إذا كانت الدورة الثانية ستتمّ وفق المعايير المعتمدة في الدورة، يقول:«أجدّد التأكيد على ان المنظومة التشريعيّة والتنظيمية التي وضعها لبنان على امتداد مسار الأنشطة البترولية هي من أفضل المنظومات في العالم، فهذه المنظومة تمتاز بمعايير عالية من الحوكمة والشفافية وعلى مستويات عدة منفصلة، وكل قرار يتخذ بحسب أهميته على المستوى الملائم أي هيئة إدارة قطاع البترول او الوزارة أو مجلس الوزراء، وما يؤكد هذا الحديث هو طلب بعض الدول النفطية لخبراتنا وملاحظاتنا على دورات التراخيص التي ينوون إجراءها في المستقبل ومنها على سبيل المثال غانا التي ذهب إليها فريق من الهيئة وأعطى ملاحظاته حول بعض النقاط».

ويضيف:«إن الإتفاقات التي وقّعت مع الكونسورتيوم وضعت بناء على اقتراحات الهيئة وملاحظاتنا وتوصيات من مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية وبعض الهيئات الأخرى المعنية ومع أن تلك التوصيات لم تكن ملزمة، فقد تمّ اعتمادها لترسيخ الشفافية والثقة. ومن الأمثلة الجديرة بالذكر بشأن المنظومة التشريعية والتنظيمية أشير إلى الاقتراح المقدّم من النائب السابق جوزف المعلوف حول محاربة الفساد في عقود النفط والغاز، حيث قمنا بتطويره ليصبح قانون تعزيز الشفافية في قطاع النفط والغاز الذي أقرّ وهو يتضمن كل الخطوات التي اعتمدناها خلال توقيع العقود مع الكونسورتيوم والتي ساهمت في رفعنا الى أعلى المراتب في الحوكمة والشفافية بين الدول النفطية، وهذا يتضمن الإفصاح والنشر عن كل خطوة من الخطوات والذي سيكون ملزماً لكل الإدارات والوزارات والحكومات المتعاقبة، وأشير إلى أن العمل سارٍ الآن لإنجاز قانون التنقيب في البر ليتماشى مع قانون التنقيب في المياه البحرية».