سقوط الحكومات الأوروبية يتوالى
هل يصمد القادة الآخرون حتى الشتاء؟

19.07.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب: أمين قمورية

قلبت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ومواصلتها بزخم ، كل الحسابات الاستراتيجية في أوروبا وجاء قرار شركة غازبروم الروسية تخفيض صادراتها من الغاز إلى دول أوروبية عدة لاسيما لألمانيا وإيطاليا لتدفع بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في دول الاتحاد الأوروبي الى حافة الخطر الشديد  وبعدما افصح الغرب عن رغبته برؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منبوذاً خارج اسوار الكرملين، انعكست الآية وبدأ القادة الأوروبيون بالتساقط الواحد تلو الآخر.

ويبدو ان لعبة احجار الدومينو ستتواصل بعد تسجيل الدول الأوروبية للمرة الأولى في تاريخها أرقاماً قياسية في التضخم والركود الاقتصادي وتراجع اليورو الى أدنى مستوياته على الإطلاق.

ولأن الشتاء البارد على الابواب في اوروبا، فاذا ما ارادت روسيا “تأديب” الدول الاوروبية التي انقادت وراء الولايات المتحدة بفرض عقوبات قاسية على موسكو، فستعمل روسيا على اطالة أمد الحرب لتمتد الى الشتاء في معركة كسر عظم بين الطرفين، عندها سنشهد ازمات لها بداية وليس لها نهاية ابرزها الامن الغذائي وأمن الطاقة والامن الاجتماعي.. الامر الذي سينعكس على المواطن الاوروبي الغاضب اصلا من اداء حكوماته وسياسياتها الخارجية وتعاملها، وقد يدفع بالاوروبيين الى الخروج الى الشوارع لتفجير غضبهم.

البداية كانت في بلغاريا بإسقاط رئيس الحكومة الغربي الهوى، كيريل بيتكوف، من خلال اليمين القومي الشعبوي، وبدعم من رئيس الدولة المتهم بموالاة بوتين، رومين راديف، وسريعاً وصلت الموجة الى خلف بحر المانش حيث اجتمع سوء الإدارة والفضائح والازمة الاقتصادية لتطيح برئيس الوزراء الأكثر حماساً لهزيمة روسيا بوريس جونسون. صحيح انه سقط  لأسبابٍ داخليّة لكن لا يُمكِن القفز فوق عامل الحرب الأوكرانيّة، وتداعياتها السلبيّة على الأوضاع البريطانية .

ومن بريطانيا الى ايطاليا حيث قدم رئيس الوزراء ماريو دراغي استقالته على خلفية أزمة سياسية، وعلى رغم ان رئيس الدولة سيرجو ماتاريلا رفض الاستقالة الا انها عكست التحديات التي تعيشها روما، ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، حيث ارتفعت تكاليف الاقتراض بشكل حاد مع بدء البنك المركزي الأوربي في تشديد سياسته النقدية. ويبلغ الدين العام لإيطاليا رقما خياليا مانسبته  155٪ في المئة  من الناتج المحلي الإجمالي، وعجز ميزانيتها 7.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي (2021)، وميزان مدفوعاتها الآن سلبي أيضا.

وهذا يعني أن إيطاليا مفلسة، ولم تعلن إفلاسها فقط لأن البنك المركزي الأوروبي طبع أموالاً غير مضمونة وأقرضها للحكومة الإيطالية بسعر فائدة قريب من الصفر.

دراغي، وهو أيضاً أوروبي الهوى، لا يحسب على تيار سياسي، واستطاع أن يشكل حكومة ائتلافية بعد صعوبات كثيرة عاشتها حكومة سلفه جيوزبي كونتي. لكنه اليوم، وعلى وقع الضغوط الداخلية، فان زعزعة الاستقرار الحكومي قد تطيح ليس فقط بحكومته بل ايضا بالعمل الأوروبي المشترك تجاه روسيا.

حلفاء بوتين على الساحة الإيطالية ، غالبيتهم من ذوي الميول اليمينية القومية. والسجالات التي شهدتها روما حول دعم أوكرانيا بالسلاح لمقاومة الغزو الروسي وترت علاقة الرجل ببعض أحزاب البرلمان، الذين يعتقدون أن الغرب يتحمل مسؤولية ما يجري في أوكرانيا، أكثر من مسؤولية موسكو.   وهكذا فإن استحضار العدوى البلغارية إلى روما يعني أن تشقق جدار وحدة المواقف سيصب في مصلحة بوتين، مع الأخذ بالاعتبار أن الاتحاد الأوروبي يعاني أيضاً من تفلت المجر، وتردد فرنسي-ألماني، وتململ آخرين من نهج العقوبات الذي يستمر دون بدائل جدية، قبل موسم الخريف وحاجة أوروبا لملء خزانات الوقود قريباً.

وشهدت فرنسا بدورها خضة سياسية مماثلة حيث خسر الرئيس مانويل ماكرون، الأكثرية المطلقة في البرلمان مما يرغمه على إجراء تحالفات غير مريحة لتنفيذ الإصلاحات التي وعد بها، وربما أيضا اجراء تغيير في سياساته الخارجية .

وبدورها اعلنت رئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس، استقالتها من منصبها لإفساح المجال من أجل تشكيل ائتلاف حكومي جديد، من دون استبعاد ان تكون الازمات الاقتصادية والسياسية الناجمة عن الحرب هي السبب ايضا.

الآن في الاتحاد الأوروبي التضخم خارج عن السيطرة ويدمر اقتصادات جميع أعضائه، في حين كان في امكان شمال أوروبا ان يشهد معدل تضخم أقل بكثير لولا ارتباطه البنيوي بجنوب أوروبا.

ويعاني الألمان من دون وجه حق، من التضخم، ويتزايد الاستياء من المستشار  أولاف شولتس، الذي قد يواجه أيضا أزمة في حكومته الائتلافية وقد يتعين عليه الاستقالة مثله مثل زعماء اخرين في القائمة الأوروبية. 

وبمجرد أن تبدأ أزمة حكومية في ألمانيا، ستبدأ معركة طاحنة بين جنوب منطقة اليورو وشمالها من أجل، من له الحق في تحديد السياسة المالية. وتتعارض مصالح الطرفين، حيث ستصر برلين على أن يوقف البنك المركزي الأوروبي التيسير الكمي ويرفع أسعار الفائدة. بيد ان تشديد السياسة المالية سيؤدي فوراً إلى إفلاس إيطاليا واليونان والدول الضعيفة في منطقة اليورو، وسيصر الجنوب على استمرار وزيادة حجم طباعة النقود، حتى لو كان ذلك يعني المزيد من التضخم في أوروبا.

لا يمكن حل هذا التناقض ونتيجة لذلك، فالانهيارات على الأرجح قادمة وتغيير الحكومات وربما السياسات والتحالفات  على الابواب. وقد لايكون مستغربا ان نرى رهطا من القادة الاوروبين خلف سوار الكرملين يستجدون غازا ووقوداً درءاً لبرد الشتاء.