مستقبل التنمية لم يعد كما كان!

03.05.2024
الدكتور محمود محيي الدين
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

د. محمود محيي الدين

تحت عنوان " مستقبل التنمية لم يعد كما كان!"، كتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030  الدكتور محمود محيي الدين مقالاً في الزميلة "الشرق الأوسط" جاء فيه أن العالم  يواجه أزمة تنمية خطيرة، مُشيراً إلى تحذيرات تقرير الأمم المتحدة السنوي الشامل عن تمويل أهداف التنمية المستدامة، حيث لفت إلى أن 50 في المئة من أهداف التنمية المستدامة بعيدة عن المسار الصحيح لتحقيقها بحلول عام 2030، بينما 35 في المئة منها أسوأ مما كانت عليه عند بدء العمل بها قبل 7 سنوات. ولا تُظهر مؤشرات النمو الاقتصادي أن العالم سيعوض في النصف المتبقي من الطريق ما أضاعه في النصف الأول منه.

وقال  محيي الدين  إن الجهود الراهنة في مسارات التمويل والاستثمار والتجارة متهافتة تعوقها الحروب والصراعات الدولية وتربكها الإجراءات الحمائية المسيّسة التي تضر بشركاء التجارة ولا تحقق نفعاً اقتصادياً يذكر للمبادرين بها. وأضاف أنّ استقرار معدل النمو الاقتصادي عند رقم 3.2 في المئة في العام الماضي وتوقع استمراره عند هذا الحد المتدني في العامين الحالي والمقبل ، يُعتبر من النذر السيئة لمستقبل التنمية المستدامة التي تحتاج لمستويات أعلى كمّاً ونوعاً، مُشيراً إلى أنّ البلدان النامية يتطلب تقدمها ما لا يقل عن ضعف هذا الرقم لكي تضيق الفجوة بينها وبين البلدان المتقدمة ذات الدخل الأعلى.

وتطرّق محي الدين إلى التقرير الصادر عن لجنة النمو، برئاسةِ الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل "مايك سبنس"، الذي أكّد على ضرورة تحقيقِ البلدان النامية لمتوسط  نمو لا يقل عن 7 في المئة لمدة 25 عامًا متواصلةً، لكي تحقق التقدّم والتقارب مع البلدان المتقدمة. إذ من المؤسف أن بلداناً نامية، بما في ذلك أغلب البلدان العربية والأفريقية، يقل فيها النمو الاقتصادي السنوي عن المتوسط العالمي، مع تفاوت قطاعي وإقليمي ونوعي، ممّا يُعيقُ تحقيقَها للتنميةِ المستدامة. كما أن هذا النمو يفتقد لأبعاد التطور الجديدة للتنافسية؛ فهو ضعيف الإنتاجية مفتقر لإسهام الاقتصاد الأخضر والتحول الرقمي وممكنات تحقيق وثبات من خلال الذكاء الاصطناعي.

وأضاف أنّ تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب معدل نمو اقتصادي مرتفع، ما يتطلب بدوره استثمارات ضخمة في رأس المال البشري وفي البنية الأساسية وفي تمتين الاقتصاد والمجتمع وتعزيز قدراتهم على التوقي من الصدمات واحتوائها. وتستلزم هذه الاستثمارات تدفقات مالية مستمرة، قدّرتها دراسة كلفت بها رئاستي قمة المناخ لشرم الشيخ ودبي بنحو 5.4 تريليون دولار سنوياً للبلدان النامية والأسواق الناشئة، باستثناء الصين. و يتضمن هذا الرقم 2.4 تريليون مطلوب تأمينها من مصادر محلية وخارجية لتمويل تخفيف آثار الانبعاثات الضارة والتحول للطاقة الجديدة والمتجددة والتكيف مع تغيرات المناخ.

هذا وتُقدّر فجوة التمويل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بين 5.4 و 4 تريليون دولار سنويًا. ويُعزى هذا التفاوت إلى اختلاف منهجيات التقدير وشمولها حيث لا تتوفر تقديرات دقيقة عن التمويل على مستوى كل دولة، ممّا يُعيق تحديد الفجوة العالمية بشكل دقيق.

وأكد محي الدين على وفرة أرصدة المدخرات والأصول المالية على مستوى العالم، مُؤكّداً أنّها تفوق بكثير احتياجات التمويل المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. واستشهد بتقريرٍ صادرٍ عن مؤسسة "برايس ووتر هاوس" تحت عنوان "إدارة الأصول والثروات"، والذي يُظهر ارتفاع الأصول المالية تحت إدارة مديري المحافظ من 85 تريليون دولار في عام 2016 إلى 111 تريليون دولار في عامِ 2020، على الرغم من جائحة كورونا، ومن المُتوقّع أن تصل إلى 145 تريليون دولار بحلول عام 2025.

وتابع قائلاً أنّه  وبخلاف ما كان مأمولاً في بداية تطبيق برامج التنمية المستدامة بعبارة "من المليارات إلى التريليونات" التي صدرت بعنوان طموح في تقرير لبنوك التنمية الدولية، يشير "لاري سمرز" وزير الخزانة الأميركي السابق والبروفسور سينغ في مقال أخير لهما، إلى أن الواقع يشير إلى "مليارات تخرج وملايين تدخل"، في إشارة منهما إلى تراجع صافي التدفقات المالية إلى البلدان النامية. إذ تحصلت منها المؤسسات الخاصة على 68 مليار دولار في شكل سداد لأقساط الديون وفوائدها، بينما سحبت منها المؤسسات المالية الدولية 40 مليار دولار أخرى.

وفي الختام، أثار محي الدين تساؤلاتٍ جوهرية تسلّط الضوء على التحديات الكبيرة التي تُواجه التنمية المستدامة على الصعيد العالمي، قائلاً: "أفنعجب مرة أخرى من سوء أحوال التنمية المستدامة عالمياً؟ فمن أين تأتي التنمية بلا محركات للنمو؟ وكيف تعمل محركات النمو من دون استثمارات؟ وكيف للاستثمارات أن تنشط من دون تدفقات مالية ملائمة وسريعة ومستمرة توجه حيث أولويات التنمية وعوائدها على الاقتصادات والمجتمعات؟ إن لم يتغير هذا النهج المستمر البائس ذو الآثار التعسة الراهنة، فمن التضليل أن يروج البعض لمعجزات ومفاجآت قد تتحقق على المستوى العالمي".