نجيب طنوس إبن عكار مـن رحلـة العـذاب والمخاطــر إلى صاحب مؤسسات كبيرة

15.02.2018
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
رمزة عسّاف

بتأشيرة دخول إلى أفريقيا اشتراها في عزّ الحرب اللبنانية سافر ابن عكار نجيب طنوس في العام 1987 هرباً من نيران المعارك ولفتح الطريق أمام أشقائه للحاق به. صحيح كانت التأشيرة إلى ليبيريا لكن المقصد كان أوروبا ، إلا أن الظروف جاءت معاكسة وجرت الرياح بما لا تشتهي سفن الشاب اللبناني الذي وجد نفسه ممنوعاً من البقاء في سويسرا التي وصلها عبر مطار دمشق، ومنذ ذلك التاريخ بدأ مشوار العذاب الذي سبق حكاية النجاح.

يروي طنوس: "كانت الإجراءات إزاء اللبنانيين مشدّدة يومها في المطار على أثر خطف مواطن سويسري في بيروت، فانتظر عناصر من الأجهزة الأمنية السويسرية اللبنانيين عند باب الطائرة لمنعهم من القيام بلجوء سياسي، وعمدوا إلى تسفيرهم إلى البلدان بحسب التأشيرات التي يحملونها" وعليه، سافرت شخصياً إلى ليبيريا التي لم أكن أعرف فيها أحداً ولا أعرف لغتها ولا عاداتها ولا تقاليدها.

من حرب إلى حروب

في المطار بات نجيب طنوس ليالي عدة قبل أن يخرج إلى العاصمة الذي راح يلف في شوارعها  متنقلاً من مكان إلى آخر بحثاً عن عمل. ويقول: "صحيح إنني كنت أنهيت دراستي الجامعية في لبنان متخصصاً في العلوم السياسية والإجتماعية، لكنني في الغربة  بدأت بأعمال التنظيفات ثم في السوبرماركت والمطاعم لنحو 4 سنوات كان كل همنا خلالها أن نؤمن المأكل والمشرب"، لكن طنوس الذي هرب من الحرب في لبنان لم يكن يعلم أن حرباً مماثلة كانت بإنتظاره في ليبيريا، ويشير إلى أن السوبرماركت التي كان يعمل فيها كانت تابعة لشركة ألمانية، وعندما نشبت الحرب سحبت ألمانيا جميع رعاياها وبقي هو كونه ليس ألمانياً. وهنا يتذكّر قائلاً: "لا أنسى ذلك اليوم عندما دخل الثوار إلى المدينة واعتقلوني معتقدين انني مسؤول عن الشركة، بقيت لدى قائد الثوار لنحو أسبوع بلا أكل ولا شرب تقريباً وكانوا يصوّبون علينا النار لإخافتنا، وبعد ذلك تحررت لكنني صرت بلا مال وخسرت المحل التجاري الصغير الذي كنت أسسته مع شريك لي، ودخلنا دوامة جديدة من القهر والعذاب والتشرّد، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا مستشفيات كافية". 

تحدي الصمود

لا يمكن أن ينسى طنوس أيضاً تلك الأيام الصعبة والطويلة التي كانوا يذهبون خلالها برّاَ إلى بلدان أفريقية اخرى لشراء بعض البضائع ثم العودة لبيعها في ليبيريا، ويتذكّر أنهم كانوا يضطرون لأكل لحوم الحيوانات التي كانوا يرونها للمرة الأولى، ولكن لماذا لم يفكر نجيب طنوس بالعودة إلى لبنان والخروج من ليبيريا التي عاشت حرباً أهلية دامت سنوات؟، يجيب: "أولاً لم يكن لبنان أكثر استقراراً، وثانياً لم نكن نريد الإستسلام وكان صعباً علينا أن نترك كل شيء ونرحل، كنا بإستمرار نشعر بتحدي الحفاظ على تواجدنا هناك وكان إصرارنا على النجاح والصمود أكبر" ويوضح "إن اللبنانيين الذين كانوا يعيشون في غرب أفريقيا تعرّضوا بين ليبيريا وسيراليون وغينيا وساحل العاج للكثير من الحروب والعذاب، لكنهم قرروا البقاء والصمود وكانوا في كل مرة ومع انتهاء المعارك ينفضون عنهم اليأس وينطلقون من جديد مع أشغال جديدة لأنهم كانوا يخسرون كل شيء بعد كل حرب، لقد اعتادوا على هذه المخاطر، وكانوا مقتنعين أنه من الأسهل عليهم إكمال مسيرتهم في البلد الذي باتوا يعرفونه جيداً وصار لهم فيه إسم، عوض أن يعودوا إلى لبنان والبدء من الصفر ونحو مستقبل مجهول". 

من تحت الصفر إلى ..

لم يتنفس اللبنانيون في ليبيريا الصعداء إلا مع العام 2006 عندما انتهت الثورة، ونجيب طنوس الذي كان حلمه يكبر مع طموحه يقول إنه بدأ من تحت الصفر وبات اليوم من أصحاب الإستثمارات الكبرى الموزّعة بين ليبيريا وأميركا وأيضاً لبنان. 

ففي ليبيريا يملك 3 سوبرماركت (Harbel Supermarket)، شركة لتجارة العقارات، شركة استيراد مواد غذائية – تجارة بالجملة تحت إسم Swatt Company، وهم وكلاء لشركات GSM في ليبيريا ( Harbel GSM). 

أما في أميركا فيملك طنوس شركة تجارية في أوهايو (GMI (General Marchandise International، حيث تتم عمليات شراء البضاعة من أميركا لتصديرها إلى أفريقيا ولبنان وغيرهما. وفي لبنان فتح مقهى في مدينة الحمرا. 

ما هو المشروع الذي يحلم أن يحققه اليوم طنوس؟ يؤكد أن ما يحلم به هو أن تتحول شركته من شركة يملكها شخص إلى مؤسسة بكل معنى الكلمة، ويعتبر أن هذا الأمر يتطلّب اهتماماً لتدريب العنصر البشري والإستعانة بأصحاب الخبرة للوصول إلى إدارة قادرة وكفوءة، وهذا هو التحدي اليوم أمامنا، يقول.

أما طنوس الذي يعيش أولاده في لبنان، فيعترف أن الإستثمار في هذا البلد الصغير ليس سهلاً كون حجم الإستثمار صغيراً والمنافسة كبيرة وليست هناك حماية أو ضمانة من الدولة، وهو في هذا المجال يشدّد على "أن لبنان في النهاية لا يعيش إلا بجناحيه المقيم والمغترب، وعلينا أن نحمي الجانب الإغترابي الذي أنقذ بلدنا في زمن المحن ولا يزال.