محمـد العبّـار «مـدمـن» نجــاح

05.04.2017
محمد العبار يتسلّم جائزة التكريم خلال منتدى الاقتصاد العربي 2006 من رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة، ويبدو من اليمين: حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ورؤوف أبو زكي
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ومعه محمد العبار
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email
رشيد حسن

بعد عشرين عاماً على إطلاقه لما سيصبح أكبر شركة تطوير عقاري في العالم، قرّر رئيس شركة «إعمار» محمد العبّار إطلاق أكبر موقع للتجارة الإلكترونية في منطقة الخليج والعالم العربي ومهّد لذلك بقيادة عمليات تملّك لحصص في شركات توصيل سريع (أرامكس) وشركات لتجارة الألبسة عبر الإنترنت. وبدأ عبر تلك العمليات بناء محفظة استثمارات خاصة به تظهره للمرّة الأولى ليس فقط كمستثمر لحسابه الخاص، بل كمرجع لعدد كبير من المستثمرين الذين يعتمدون على سجل أدائه اللامع في «إعمار» وفي شركاتها ومشاريعها، لإعطائه دوراً قيادياً في استكشاف فرص استثمار جديدة غير تقليدية والإشراف بعد ذلك على تطويرها وإدارتها.

 

 يعتبر هذا التحول في توجهات العبّار الذي يتحمل مسؤوليات كبيرة كرئيس تنفيذي لشركة «إعمار» ظاهرة غير مسبوقة لأنه كرئيس تنفيذي متفرغ لـ «إعمار» يتحمل مسؤوليات كبيرة ومتعددة في توجيه شركاتها التابعة الكثيرة والتي تمثل كل منها في حدّ ذاتها شركة ضخمة يتبع لها مشاريع وأصول في قطاعات السكن والتسوق والترفيه والمنتجعات السياحية والفنادق والتمويل السكني وغير ذلك. في المقابل، فإن انخراط العبّار في تطوير وإطلاق مشاريع عملاقة مثل موقع «نون» للتجارة الإلكترونية فضلاً عن بنائه لمحفظة استثماراته الخاصة في العقار والتجارة الإلكترونية أو تجارة التجزئة وغيرها يحتاج إلى كثير من العمل والتركيز. 

توزيع المسؤوليات

وهذا الواقع جعل بعض الأوساط المالية يتساءل إذا كان رئيس «إعمار» قادراً فعلاً على الجمع بين قيادته اليومية للشركة وبين دوره المتنامي كمستثمر لحسابه الخاص بل كشخصية استثمارية تعمل لحساب مستثمرين في المنطقة  فضلاً عن دوره كمطور رئيسي في مشاريع جديدة كبيرة.

محمد العبّار الذي ووجه بهذه الأسئلة طمأن مساهمين كباراً في «إعمار» بأن أدواره الجديدة لا تؤثر على فعالية قيادته للشركة العملاقة، وذلك بالنظر الى عمله الدؤوب منذ سنوات على تعزيز الإدارات التنفيذية في الشركة واختيار كفاءات قيادية باتت قادرة على إدارة مختلف أوجه نشاط «إعمار» من دون الحاجة الى التوجيه اليومي من قبل رئيس الشركة، ويؤكد أن المهام القيادية اليومية التي كان يتولاها كرئيس تنفيذي إنتقل قسم كبير منها إلى المستويات التالية من الإدارات التنفيذية وإن كان دور القيادة الاستراتيجية ورسم التوجهات والخيارات الكبرى لا يزالان بالتأكيد في يده.

ويعتبر العبّار إحدى ألمع الشخصيات التي عرفها عالم العقار في العالم العربي في العقدين الأخيرين، ومثل كل الروّاد الذين يتركون بصماتهم على مراحل معيّنة فإن العبّار طبع بطابعه الخاص (عبر شركة «إعمار» تحديداً) سوق العقار في دبي بأفكار تنتمي إلى المستقبل أكثر من مسايرتها للحاضر، وهي لذلك أفكار ساهمت في نقل دبي من عصر إلى عصر ومن مستوى وأسلوب في العيش والمدنية إلى المستوى التالي.

رؤية الشيخ محمد 

بالطبع لا بدّ من التأكيد، ومحمد العبّار أول من يسارع إلى ذلك، على أن رؤية رئيس «إعمار» لم تولد في فراغ، بل هي مستمدة من الرؤية الأوسع والأشمل لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والدعم غير المحدود الذي يوفّره  لـ «فريق دبي» الذي انتقى أفراده بنفسه وشجع كلاً منهم على المبادرة والعمل الخلّاق جاعلاً منهم «فرقة النخبة» في بناء دبي الحديثة، ومن يقرأ كتاب الشيخ محمد الذي أصدره قبل سنوات تحت عنوان «رؤيتي» يدرك على الفور أن نجاح العبّار متوافق مع رؤية الشيخ محمد بن راشد وما يتوقعه من القيادات التي يقربها إليه.

لكن الدور الأساسي للشيخ محمد بن راشد في جميع ما تشهده دبي من نهضة عمرانية واقتصادية فريدة، لا يتعارض مع الإقرار بفضل محمد العبّار نفسه الذي لولا ألمعيته وطاقاته الهائلة على العمل المبدع والإدارة الكفوءة لما كانت «إعمار» حققت ما لم يحققه غيرها ولتصبح أكبر شركة للتطوير العقاري في العالم (خارج الصين)، ولما كان الشيخ محمد بن راشد، وهو الرجل المتطلِّب الذي يتوقع الكثير من مساعديه، أوكل إلى العبّار المهمة الصعبة للمساهمة في ترجمة رؤيته الطموحة لبناء دبي الحديثة. ويتمتع العبّار بسجل أداء متواصل قلّ نظيره في الخليج، وهو تميّز مثلاً أثناء أزمة 2008 وما بعدها بإدارة ماهرة لشركة «إعمار»، جعلت منها الاستثناء الأبرز في مرحلة الأزمة ومكّنتها من احتواء خسائرها المحدودة ثم متابعة تحقيق الأرباح، بل ومواصلة الاستثمار في مشاريع طموحة في قطاعات الفنادق ومراكز التسوق، وهي مشاريع تمثل اليوم أهم مصادر تدفقات الدخل والسيولة للشركة. 

إعمار: نمو متواصل

بينما يشكو قطاع العقار في دبي وفي الخليج من آثار الركود النفطي والتباطؤ الاقتصادي في البلدان التي تمثل مصدر الطلب السياحي على دبي، أعلنت «إعمار» عن تحقيق دخل إجمالي بقيمة 4.2 مليارات دولار في العام 2016 بزيادة نسبتها 14 في المئة عن العام السابق، ومبيعات بقيمة 3.9 مليارات دولار بزيادة 41 في المئة. وتشير بيانات الشركة إلى أنها مستمرة في تنفيذ عدد من المشاريع العقارية العملاقة في أكثر من منطقة في دبي مستفيدة من سيولتها الجيّدة وقدرتها التسويقية الكبيرة ومن تصنيفها الاقتراضي الممتاز baaa3- إيجابي حسب تصنيف «موديز» الذي صدر أواخر العام الماضي. 

وتقوم فلسفة «إعمار» على تطوير بيئة عيش جذابة متكاملة تربط تجربة العقار بتجربة الترفيه والمرافق والمنتزهات والمعالم الشهيرة. ووفق هذا النهج استخدم برج خليفة بمهارة ليكون محور عملية التطوير الناجحة لوسط دبي التجاري، كما أطلق مشروع «البرج» The tower الذي يزيد ارتفاعه قليلاً عن برج خليفة، ليشكل معلماً فريداً يعزز جاذبية مشروع تطوير منطقة خور دبي (والمشروع الجديد «إعمار جنوب»)  وجرى للغرض نفسه إطلاق معالم فريدة عدة مثل «أوبرا دبي» كمعلم مركزي في مشروع تطوير «منطقة الأوبرا» الثقافية وتساهم هذه المعالم بقوة في تزيين اختبار العيش في المناطق المطورة من قبل «إعمار» وتحفيز الطلب عليها من المشترين، وهذه المهارة في توليف العرض السكني مع مجموعة العوامل الترفيهية الأخرى باتت العلامة المميزة التي عززت شعبية المشاريع التي تنفذها الشركة في دبي وفي أمكنة كثيرة حول العالم، وجعلت العديد من الحكومات تتجه إليها لتنفيذ مشاريع عقارية ضخمة تلائم طبيعة خبرات الشركة في حقل تطوير المدن وإنشاء المعالم العمرانية والمجمعات المتعددة الاستخدام في العالم، كما إن تجربة «إعمار» سلطت الضوء على شخصية محمد العبّار لتضعه بين مشاهير قادة الأعمال في العالم.

«نون» بين الحلم والإنجاز

ورغم أن محمد العبّار يتّكئ  على سجل إنجازات مبهر ويتبوأ موقعاً يحسده عليه الكثيرون ويجب بالتالي أن يكون في غاية الرضا عن مسيرته المهنية، فإنه كما يبدو تتملكه، كما معظم المشاهير الناجحين، الرغبة الدائمة في المزيد من النجاح، و محمد العبّار الذي أنجز ما أنجز في فترة من الزمن قصيرة نسبياً هو «مدمن نجاح» بالتأكيد، فلا يكاد ينتهي من إنجاز حتى يكون قد أوجد لنفسه تحدياً جديداً، لكن جديده هذه المرة هو بناء مجموعة أعماله الخاصّة مع التوجه في الوقت نفسه لاقتحام سوق التجارة عبر الإنترنت، والتي تقدر قيمة تعاملاتها السنوية حالياً بنحو 500 مليار دولار.

وفي سبيل ذلك أطلق العبّار العام الماضي موقع «نون» للتجارة الإلكترونية برأس مال مليار دولار بالشراكة مع عدد من المستثمرين ومع صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يمتلك حصّة 50 في المئة من المشروع.

من منظور العبّار ربما تشبه تجربة «نون» في الكثير من جوانبها تجربة «إعمار» وعلى الأقل في جانب أساسي وهو أنها مشروع جديد ينشأ من الصفر مثل «إعمار» وهو يحتوي كما احتوت «إعمار» في انطلاقتها على الكثير من التحديات، كما إنه مشروع ضخم أيضاً يترك لـ العبّار مساحة كبيرة للعمل والإبداع والقيام بما يهواه وهو ترك بصماته على أشياء كثيرة، أشياء تبقى وتكبر وتزدهر فتصبح بالتالي، ومهما اكتسبت من هوية ومن تاريخ خاص، جزءاً من هوية رجل جسور وفصلاً من فصول تاريخه الشخصي الحافل بالإنجاز.

العبّار بنى محفظة إستثمارات ناجحة تعزّز دوره كمرجع للمستثمرين

الوقت وطاقة الاحتمال

وقد تكون مسألة الخبرة بالاقتصاد الرقمي أو بناه التقنية والمعرفية المتزايدة تعقيداً مشكلة تواجه طموح العبّار الجديد، لكن على الأرجح لن تمثل عقبة لأنه لا يعتبر امتلاك المعارف التقنية الخاصة بأي مشروع شرطاً للنجاح، بل يعطي الأولوية للقدرة على لمح الفرص وتجميع العناصر المادية والقيادية لتحويلها إلى إنجاز، والمهم اليوم أصبح، السيولة المالية للشركات وتوافر الموارد التي يمكن تسخيرها في اقتحام الآفاق الجديدة التي يفتحها التقدم العلمي.

بذلك نجد أكثر قادة المؤسسات الناجحة مثل «فيسبوك» و«أمازون» و«غوغل» و«أبل» و«تسلا» يتحولون وبسبب فوائضهم النقدية الكبيرة إلى استكشاف مجالات جديدة بعيدة عن مجالهم الأصلي بهدف تعظيم العائد على أموال شركاتهم واقتناص الفرص المتاحة لتحقيق المزيد من النمو والقوة الاقتصادية والمعرفية. 

محمد العبّار إختار أن يجمع إلى مسؤولياته المتزاحمة أحلاماً وتحدّيات جديدة، وهو يعلم أنه سيمتحن في كل ذلك وأن رأس ماله الأهم لإحتواء تلك التحديات لم يعد المال ولا الشهرة والخبرة بل بكل بساطة عامل وحيد لا يمكن شراؤه بالمال: الوقت وطاقة الاحتمال.