يرى نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني أن لبنان قادر على تخطّي أزمته المالية والاقتصادية، من خلال خطة اصلاحية اقتصادية يتقدمها إطلاق "مؤسسة سيادية" تقوم بتملك وإدارة مجموعة من أصول الدولة كشركات الاتصالات والمطار والمرافئ وشركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان وغيرها. ويتوقع أن تصل قيمة هذه الأصول إلى نحو 20 مليار دولار. وتكون هذه "المؤسسة" معبرا نحو هدفين، الأول هو تحسين الخدمات والحد من الفساد وزيادة الإيرادات. والثاني فتح المجال أمام البحث الجدي في "تمليك" حصص في هذه الأصول للمواطنين أو لمستثمرين استراتيجيين او طرح مشاريع مشاركة بين القطاعين العام والخاص. وهو يرى أن ذلك يشكل خطوة مهمة على طريق الإصلاحات المطلوبة لإقناع الدول والمؤسسات المعنية بتقديم المساعدات للبنان للخروج من أزمته.
في هذا اللقاء مع الاقتصاد والأعمال، يركز حاصباني على ثلاثة محاور للإجابة على الأسئلة التالية: من هي الأطراف التي ستدفع ثمن الخروج من الأزمة؟ وما هي تفاصيل اقتراحه المتمثّل بالمؤسسة السيادية؟ وكيف يمكن أن تكون معبرا نحو الحل؟
من بدّد ودائع الناس؟
يستهل حاصباني اللقاء بالتأكيد على أن لدى لبنان الكثير من الأصدقاء، وقد أعربت دول عدة عن رغبتها بمساعدته من خلال تحويل ودائع بمليارات الدولارات إلى مصرف لبنان، في ما لو تمّ وضع خريطة طريق اصلاحية. لكن أي طرف لا يتمكن من دفع ديونه عادة يقوم بتقديم شيء في المقابل ويقوم بإصلاحات ليقنع المراقبين أنه بدأ بحل مشكلته قبل طلب المساعدة". ويضيف: "ومن البديهي القول إن على المُسبّب الرئيسي دفع ثمن الأزمة". وبرأيه، المُسبّب الأول للانهيار هو سوء الإدارة في القطاع العام، ويقول: "بغض النظر عن كيفية محاسبة المسؤولين، وما هي طريقة استرجاع الاموال الضائعة، ثمة أمر أكيد وهو أن الدولة اللبنانية تسبّبت بعدم قدرتها على الإيفاء بديونها للدائنين".
يمكن أن تصل قيمة أصول المؤسسة السيادية إلى 20 مليار دولار
أما المسبّب الثاني، بحسب حاصباني، فهو القطاع المصرفي الذي وفّر ديوناً للدولة من ودائع الناس بلا قيد أو شرط أو ضوابط، لذا على المصارف أن تتحمّل جزءاً من الخسارة نتيجة قبولها بتبديد أموال المودعين في سندات عالية المخاطر، ويضيف أنه عليها أيضاً أن تدفع ثمن الهندسات المالية التي قام بها مصرف لبنان، وأن ترفع رساميلها. أما الطرف الثالث فهو الناس التي يجب أن تدفع ثمناً بسيطاً يتمثّل بجزء من الفوائد المرتفعة التي حققتها واتخذت من أجلها المخاطر عينها التي اتخذتها المصارف، وهنا يمكن أن نطلب من المودعين التخلّي عن الفوائد المحققة لفترة من الزمن، ولكن سيكون أمراً ظالماً الاقتطاع من أصل الودائع، خصوصاً لأصحاب الدخل المتوسط والمنخفض والطبقة الوسطى اللبنانية، التي تعتبر العمود الفقري لأي اقتصاد، من دون تنفيذ خطة إصلاحية شاملة.
المؤسسة السيادية بداية الحلّ
وحول قدرة الدولة على تحمّل مسؤوليتها تجاه الأزمة وتسديد حصتها من الحلّ، يقول حاصباني إنه لدى الدولة أصولاً متنوّعة وذات قيمة، لكنها غير قادرة لا على إدارتها كما يجب وفي بعض الأحيان لا تستطيع الاستفادة منها نهائياً، وإنه من الممكن وضع عدد من أصول الدولة في مؤسسة سيادية، أي القيام بـ "تشركة" بعض الأصول الخدماتية والبنى التحتية مثل شبكات الاتصالات وإدارة المرافئ والمطار وكازينو لبنان، إضافة إلى بعض المصالح العامة مثل مصالح المياه وغيرها، ويضيف إنه في الإمكان أيضاً إضافة بعض الملكيات العقارية التابعة للدولة إلى أصول هذه المؤسسة، مثل أراضي مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك التي تبلغ مساحتها نحو 6.5 كيلومترات مربع، فهذه الأراضي لم يتم استخدامها أو استثمارها منذ 30 عاماً، وتسيطر عليها قوى محليّة في كل منطقة، وإذا جمعنا كل هذه الأصول وأضفنا إليها طيران الشرق الأوسط يمكن أن تصل قيمتها إلى نحو 20 مليار دولار. ويسأل حاصباني: "لماذا يُشرف مصرف لبنان على طيران الشرق الأوسط، ولماذا أصلاً يقوم المصرف بالإشراف على شركات ويستثمر في أخرى وهو جهة تنظيمية وليست استثمارية؟"، ويتابع أنه باستطاعة المؤسسة السيادية إدارة الأصول والبنية التحتية بشكل أفضل من السلطة السياسية التي تتحكم بالأصول الوطنية وتعاني ما تعانيه من فساد وسوء إدارة.
لدى الدولة أصولاً متنوّعة وذات قيمة، لكنها غير قادرة لا على إدارتها كما يجب
ويشرح أن المؤسسة السيادية التي تمتلك أصولاً بهذه القيمة العالية تستطيع منح أسهم للأطراف التي ستدفع ثمن الانهيار المالي، وبهذه الحالة يتم تقديم الأسهم بدل الاقتطاعات التي قد تُجرى على أصل الودائع، وبهذه الطريقة أيضاً نكون قد أعطينا جزءاً من المواطنين ملكية مباشرة في أصول دولتهم، بدلاً من وضعها في عُهدة السلطة السياسية لإدارتها.
إدارة ثم خصخصة
وعن برنامج عمل هذه المؤسسة، يقول حاصباني إنها تبدأ بإدارة كل الأصول، وتقوم بإشراك القطاع الخاص جزئياً أو كلياً في كل قطاع على حدة وبحسب الحاجة، من خلال تشغيل واستثمار الأصول المختلفة، وستتم دراسة كل نوع من الأصول على حدة. قطاع الاتصالات مثلاً، تتم خصخصته من خلال جذب شركات اتصالات عالمية لإدارته وتشغيله، كذلك يتم خصخصة النقل المشترك بالتعاون مع القطاع الخاص، الأمر عينه ينطبق على إدارة وتشغيل المرافئ والمطار. ويشرح أنه ليس بالضرورة أن تكون الخصخصة شاملة في قطاع ما، ربما تكون جزئية وتأخذ في الاعتبار القوانين والتشريعات الموجودة، لكن بوجود هيئات ناظمة لكل قطاع، وإنه بهذه الطريقة تصبح الدولة مشرفة على حُسن أداء الخدمات والنوعية والأسعار عبر الهيئات الناظمة، وفي الوقت ذاته نكون قد أشركنا الناس في ملكية الأصول الوطنية.
تقوم المؤسسة السيادية بإشراك القطاع الخاص جزئياً أو كلياً في كل قطاع على حدة وبحسب الحاجة
جذب الاستثمارات الأجنبية
وعن الفوائد المُحقّقة نتيجة هذا السيناريو، يوضح حاصباني أنه عندما نُشرك القطاع الخاص، نجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وننشّط العجلة الاقتصادية ونرفع من معدلات التوظيف، وهذا الأمر يساهم بشكل أو بآخر في تخفيف حدة الأزمة المالية الناتجة عن تعثّر الدولة في تسديد ديونها، فضلاً عن ذلك، نحافظ على سمعة القطاع المصرفي وسمعة لبنان الدولية، وأن خطوات إصلاحية بهذا الحجم وهذه التأثيرات الإيجابية، تُعيد اكتساب ثقة الناس والمستثمرين والمجتمع الدولي الممثل بهيئات اقتصادية ومالية ودولية، وهذا الأمر يساعدنا في الحصول على استثمارات أجنبية وتمويل دولي، وقد يُغنينا عن اتخاذ خطوات غير شعبية تشمل ضرائب عالية.
أما عن فرص إنجاح هذا السيناريو من دون إصلاحات، يقول حاصباني إنه لا يمكن العبور إلى برّ الأمان المالي والاقتصادي وتحقيق الاستقرار الاجتماعي في لبنان من دون قيام الدولة بسلسلة من الإصلاحات الجوهرية في القطاع العام، وإنه ليس هناك من حلّ مالي يغنينا عن الاصلاحات البنيوية والجذرية. أمامنا تحديات تتمثّل في تعزيز التحصيل الجمركي وضبط المعابر ومكافحة التهرّب الضريبي وإعادة هيكلة الإدارة العامة وإلغاء الصناديق والمؤسسات غير المجدية، مشدداً على أهمية تركيز الدولة على تقديم الخدمات وشبكة أمان اجتماعية تشمل التغطية الصحية الشاملة وضمان الشيخوخة وإعادة النظر في نظام التقاعد، وفي حال استعان لبنان باستشارات صندوق النقد الدولي، يمكنه عندها تقديم خطته الاصلاحية كبرهان على نيّته على التغيير للتمكن من الحصول على تمويل استثنائي.
الإشراك يبني الثقة
وعن سُبل اكتساب ثقة المواطنين والمصارف والمجتمع الدولي بهذه المؤسسة السيادية في ظل الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، يقول حاصباني إن إشراك المودعين في ملكية أسهم المؤسسة السيادية يساعد على اكتساب ثقتهم، ويمكن أن يتم توظيف إدارتها العليا من خلال عملية توظيف دولية لجذب لبنانيين يمتلكون الخبرات العالمية في إدارة هذا النوع من المؤسسات السيادية، ويمكن أيضاً إشراك مؤسسات دولية تحظى بالسمعة الجيدة والمصداقية في عملية التوظيف والاستعانة بمؤسسات توظيف دولية تختارها الحكومة اللبنانية بمشاركة جهات دولية محترمة. ويشدّد هنا على أن هذا الاقتراح هو عينه الذي تمنّينا اعتماده في قطاع النفط من ناحية تشكيل هيئته الإدارية. ويختم قائلاً إن المتضررين من هذه المؤسسة قد يعارضون إنشاءها، لكن عليهم أن يختاروا بينها وبين الانهيار، ومن يرفض التدخل الأجنبي في القرارات السيادية، قد يجد في المؤسسة السيادية حلاً يتناسب وتوجّهاته.