ترافق وصول خمس ناقلات إيرانية محملة بالمحروقات إلى فنزويلا بحملة "علاقات عامة سياسية" تحمل المسألة أكثر مما تحتمل مثل ضرب الحصار المفروض على صادرات النفط الإيرانية، خرق للحصار الأميركي على فنزويلا. وفي واقع الأمر هناك بعض الحقائق القانونية والسياسية والاقتصادية البديهية التي كادت تضيع وسط هذا الضجيح أهمها:
* ليس هناك أي حظر دولي على صادرات النفط الإيرانية، وحتى أميركا لا يمكنها فرض الحظر بشكل آحادي على هذه الصادرات. وبالتالي فليس هناك ما يمنع من إرسال ناقلة نفط أو 100 ناقلة من إيران إلى فنزويلا أو أي دولة في أميركا الجنوبية والعالم.
* أميركا تفرض عقوبات مالية على أي جهة تشتري النفط ومشتقاته من إيران، ولذلك فإن مشكلة إيران هي إيجاد المشترين وليس شحن او إيصال النفط أو خرق حصار غير موجود. ويمكن لإيران تقديم هذه المشتقات على سبيل الهدية والدعم او تقاضي ثمنها ذهباً أو بضائع (مقايضة)، ولكن المهم أن لا يتم الدفع بالدولار او تسوية المعاملات من خلال النظام المالي الدولي. وقضية ناقلة النفط الإيرانية "أدريان داريا" في أغسطس الماضي خير دليل، فقد احتجزتها بريطانيا في جبل طارق بطلب من أميركا، وأضطرت إلى رفع الحجز لعدم وجود سند قانوني، ولكن الناقلة ظلت تائهة في مياه البحر المتوسط دون ان تجد من يشتري حمولتها خوفاً من العقوبات الأميركية، إلى أن تم تفريغها في ميناء طرطوس السوري.
* ليس هناك حصار بحري على فنزويلا، ولا تملك أميركا الحق من الناحية القانونية والسياسية بفرض مثل هذا الحصار. وبالتالي لا يستقيم الحديث عن خرق الحصار، بدليل إن البحرية الأميركية لم تحرك ساكناً ولم تحاول اعتراض الناقلات الإيرانية، رغم صدور بعض الأصوات المعروفة "بعدائها لكل العالم باستثناء إسرائيل"، مثل جون بولتون الذي طالب بأعتراض الناقلات صوناً لهيبة أميركا.
* العراضات الإعلامية والسياسية وصولاً إلى العسكرية كمواكبة الطائرات والسفن الحربية الفنزويلية للناقلات الإيرانية، هي أقرب إلى "التهريج" السياسي والمعارك "الدونكيشوتية"، ربما بهدف المزيد من "تبنيج" الشعوب وصرف أهتماماتها عن مآسي الفقر والإذلال التي ترزح تحتها. وكذلك الهروب من الإجابة على سؤال كبير، وهو كيف تحولت فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطيات النفط في العالم، وعدة مصاف للتكرير بقدرة 1.3 مليون برميل يومياً، وكانت تصدر البنزين إلى الولايات المتحدة، إلى دولة عاجزة عن انتاج النفط وعن تشغيل المصافي بسبب الفساد المستشري وإهمال الصيانة، وليبقى الشعب الفنزويلي منتظراً وصول الناقلات الإيرانية محملة بنحو 1.5 مليون برميل من الوقود، اي ما يعادل انتاج يوم واحد تقريباً من القدرة الانتاجية لمصافي البلاد.
وسط هذا الضجيج الذي يخفي الحقائق، هناك إنجاز حقيقي يسجل لإيران وقد أضاعه المطبلون للانتصارات الوهمية، وهو نجاحها في غضون بضع سنوات في التحول من دولة مستوردة للبنزين وبوضع مشابه لوضع فنزويلا حالياً إلى دولة مصدرة، حيث قامت بتشجيع تحول السيارات إلى استخدام الغاز الموجود بوفرة، وأرفقت ذلك ببناء العديد من المصافي الصغيرة ذات التنقنيات البسيطة التي تعتمد النفط الخفيف وبقدرة تكرير تبلغ 1.8 مليون برميل يومياً. ويبدو ان إيران ستقوم بمساعدة فنزويلا على إعادة تأهيل مصافيها، كما ستقوم بمواصلة تزويدها بالمشتقات، طالما لا تزال تمتلك ما يكفي من الذهب لتسديد الثمن.