جولة واحدة على "الدكاكين" ومحلات السمانة في القرى وأحياء المدن، للتعرف على ضحية جديدة لحالة الاهتراء السياسي والاقتصادي والمالي في لبنان، فهذا القطاع الذي تعتاش منه الآف العائلات، مهدد بالانهيار . فبين الرفوف الخالية ولافتات التصفية والأبواب المغلقة تضيع أحلام العائلات بالعيش الكريم ، بعد ان باتت المشاكل والمعوقات أكبر من قدرتها على الصمود.
تذبذب الأسعار
"اليوم منبيع علبة لبنة بـ 5000 بكرا منشتريا بـ8000، وكيف بدنا نعبي محلاتنا ونحنا مصرياتنا على الشاشات ما فينا نعمل فين شي ولا تاجر بيقبلن وبطل إلن قيمة". هذه الجملة تختصر معاناة أصحاب محلات السمانة الصغيرة والمتوسطة الذين كانوا يبيعون السلع بأرباح تقدر بحوالي 10 في المئة. لكن هذه الأرباح لم تعد تغطي سعر الصرف وتقلباته اليومية الحادة إذ أصبح أصحاب المحلات رهائن سوق الصيرفة السوداء. ونظراً لعدم القدرة على تأمين سيولة يومية بالليرة اللبنانية لشراء الدولار في بعض الأيام التي ينخفض فيها سعر الصرف لجأ أصحاب المحلات لرفع أسعارهم بنسب معينة لتغطية فروقات سعر الصرف.
هذا الارتفاع في الأسعار جعل من تنافسية الدكاكين مع المحلات والعلامات التجارية الكبيرة معدومة ما دفع سكان القرى والأحياء إلى التوجه نحو المحلات الكبيرة للتبضع أو الذهاب نحو مستودعات البيع بالجملة والتوجه نحو "الدكاكين" اقتصر على بعض السلع كالخبز أو الغاز أو المياه والتي تعتبر أرباحها قليلة جداً.
وينتقد أصحاب المحلات الذين التقيناهم خطة وزارة الاقتصاد حول السلة الغذائية المدعومة على سعر 3200 ليرة للدولار والتي لم يستفد منها سوى التجار الكبار إذ لا زالوا يشترونها حسب سعر الصرف اليومي في السوق السوداء.
معضلة الإيجارات
وليست هذه المشكلة الوحيدة التي يمر بها أصحاب المحلات إذ لم تعد قضية الإيجارات أزمة عابرة يمكن تخطيها بل تحولت قضية حياة أو موت بالنسبة لهم. كافة عقود الإيجار الموقعة للمحلات والمستودعات هي بالدولار الأميركي لكن حتى شهر فبراير كانوا يسددونها بالسعر الرسمي ومع ارتفاع سعر السوق السوداء بشكل كبير اضظر المالكون والمستأجرون إلى الوصول لتسويات معينة لدفع بدلات الإيجار وفقاً لـ3000 و 4000 ليرة للدولار وهو ما زاد أعباء أصحاب المحلات بشكل كبير. كذلك برزت مشكلة أخرى هي رواتب الموظفين في المحلات المتوسطة الحجم ومعظمهم من الجنسية السورية.
الكهرباء وانقطاع المازوت
وما زاد الطين بلة فاتورة مولدات اشتراك الكهرباء المرتفعة في ظل انقطاع الكهرباء في بعض الأيام أكثر من 20 ساعة وفي ظل انقطاع المازوت من المحطات. ومن المعروف أن هذه المحلات تحتاج لكهرباء 24 ساعة كونها تحتوي الكثير من البرادات ما دفع أصحاب المحلات للاتفاق مع أصحاب المولدات لتزويدهم بالكهرباء حتى لو كانت الفاتورة مرتفعة كون المولدات لا تلتزم بتسعيرة وزارة الطاقة والتي أصبح من المستحيل الالتزام بها في ظل ارتفاع سعر تنكة المازوت في السوق السوداء لأكثر من 21 ألف ليرة.
الديون المتراكمة
هذه المشكلات المستجدة لتضاف إلى المشاكل القديمة التي تعاني منها هذه المحلات وهي مستحقاتها مع الزبائن وديونها للموردين. في الشق الأول بات اليوم من الصعب تحصيل الديون القديمة كافة من الزبائن كون معظمهم تركوا أعمالهم أو تم تخفيض رواتبهم أو لم يقبضوا رواتبهم في الأشهر الماضية. وفي الشق الثاني لا يقبل الموردون اليوم بأي شكل من الأشكال بيع المحلات أي سلع قبل تسديد الديون القديمة والدفع النقدي لأي سلع جديدة يتم شراؤها وهو ما لم يكن يجري في السابق إذ كان الموردون يمدون أصحاب المحلات بالسلع على أن يتم الدفع أسبوعياً أو شهرياً.
دفعت هذه الأزمات المتراكمة بالتزامن مع تراجع القدرة الشرائية لللبنانيين وغياب الدولة الكلي عن ضبط أسعار السلع ببعض أصحاب "الدكاكين" إلى إقفال أبوابهم والبعض الآخر لتصفية البضائع على الأسعار القديمة حيث قال لنا بحسرة رجل ثمانيني صاحب محل سمانة "خلي العالم تتذكرنا بشي حلو وما تشتمنا". أما بعض المحلات التي لم تقرر الاقفال بعد فتقوم بفتح أبوابها فقط لساعة أو ساعتين في اليوم للحفاظ على مستودعاتها الممتلئة ولانتظار ما قد تؤول إليه الأوضاع في الأيام المقبلة .