كتب ياسر هلال
الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، ظلمته السياسة، وظلمته رؤيته للتنمية ولدور الكويت ومستقبلها. فالسياسة كانت بالنسبة له تكليفاً بالإنجاز والتنمية ومحاربة الفساد، وليس تشريفاً بالمناصب، ولذلك لم يسع يوماً إلى منصب ولم يتمسك بموقع إلا بقدر ما يخدم ذلك رؤيته للتنمية وتطوير الحكم. وعندما كانت تصطدم الرؤية بالسياسة، كان يؤثر الابتعاد عن السياسة ليجد في ميدان الثقافة والفكر ودار الآثار الإسلامية ملاذاً دافئاً يستكين إليه، وهذه الدار أمانة تحملها باقتدار رفيقة دربه الشيخة حصة صباح السالم الصباح. أما حلمه المتمثل بمشروع مدينة الحرير وجزر الشمال وتحويل الكويت إلى مركز إقليمي ـ دولي للتجارة والمال والخدمات، فيبقى أمانة في أعناق أبناء الجيل الثاني من أسرة الصباح وقيادات الكويت السياسية والاقتصادية.
وبهذا المعنى، فإن الحديث عن الشيخ ناصر، ليس ذكر محاسن ورثاء يستحقه دائماً، بل تأكيداً على أن مشروع مدينة الحرير وجزر الشمال، يشكل رؤية لمستقبل الكويت وخريطة طريق لمسيرة تطورها وازدهارها، ويستند هذا الحكم إلى حقائق عدة نختصرها في ثلاث وهي:
الكويت وطريق الحرير
- يحقق المشروع هدفاً استراتيجياً يقوم على ربط أمن الكويت واستقرارها السياسي بالاقتصاد العالمي والمصالح الإقليمية والدولية، ويحوّل جزر الشمال من منطقة تضارب مطامع خاصة بين إيران والعراق إلى منطقة تقاطع مصالح وخلق منافع لكافة الأطراف.
- يكرّس مكانة الكويت ليس كدولة مصدرة للنفط، بل كنقطة التقاء مصالح الدول الكبرى وتحديداً الصين وأميركا، وكان الإنجاز المقدر الذي تمّ في هذا المجال هو توقيع مذكرات تفاهم مع الصين بحضور أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح والرئيس الصيني شي جين بينغ في يوليو 2018، والتي تكرّس شراكة استراتيجية بين البلدين، مع اعتبار مشروع «مدينة الحرير والجزر الكويتية» محوراً رئيسياً في تلك الشراكة. وقد أعلنت الصين لاحقاً التزامها من حيث المبدأ باستثمار نحو 100 مليار دولار في المشروع.
- يقوم المشروع على فكرة متقدمة لناحية التنفيذ والإدارة، تعتمد على تشبيك المصالح الإقليمية والدولية حوله وتجاوز معوقات السياسة والبيروقراطية والعادات والتقاليد، وتتمثل في اعتماد قانون خاص للمشروع يشمل هياكل إدارية وتنظيمية تلائم طبيعة الأعمال والخدمات في منطقة عالمية، وصولاً إلى إخضاع منطقة المشروع لإدارة مجلس أمناء يتكون من شخصيات دولية مرموقة، وهي فكرة مشابهة لما تمّ اعتماده لاحقاً في مشروع «نيوم» في السعودية.
مواجهة الفساد
ملف آخر ظلمته السياسة فيه، هو محاربة الفساد وهدر المال العام، وإذا كانت المواجهة التي خاضها ضد الفساد في وزارة الدفاع التي تولى حقيبتها في 2016، هي الأكثر شهرة بسبب الزلزال السياسي الذي تسببت به وأدى إلى ابتعاده عن الحكم مجدداً، فإن المواجهة الأكثر أهمية تمثلت في إصدار وثيقة أبناء الأسرة في 13 يوليو 1992، والتي أعتبرت في حينه منعطفاً في مسيرة التطور السياسي في الكويت.ومن أبرز بنودها: «الحفاظ على المال العام واعتباره حفاظاً على الحكم نفسه»، و«توسعة المشاركة الشعبية في الحكم وإبعاده عن النزاعات السياسية والعائلية والطائفية والقبلية». وكانت صدمته رحمه الله كبيرة في إهمال تلك الوثيقة حتى من قبل الموقعين عليها. فآثر الابتعاد حتى العام 1999 عندما عاد للعمل في الشأن العام من خلال إعادة إصدار مجلة الزمن أسبوعياً، التي تعتبر من أرقى التجارب الإعلامية العربية، والتي ساهمت في التعريف برؤيته للتنمية والحكم.
وكان، رحمه الله، يردد دائماً أن الصين لم تتطور بفضل سورها العظيم بل بفضل انفتاحها على العالم من خلال طريق الحرير، وكذلك الكويت لا يمكن أن تنعم بالاستقرار والازدهار ببناء أسوار الانغلاق السياسي والاقتصادي والديني والثقافي، بل بالانفتاح وإقامة علاقات التعاون الإقليمي والدولي، وترجم تلك الرؤية بحلم كبير هو تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري عالمي، وهو التعبير الأقرب إلى لسانه والأحب إلى عقله.
رغم أهوال السياسة، فقد نجح الشيخ ناصر الصباح بوضع مشروع تنمية الجزر الشمالية على سكة التنفيذ، على أمل ان يتواصل العمل لتحقيق الحلم...