حسم الترسيم ...
وأمل اللبنانيين بانتعاش اقتصادي

13.10.2022
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بعد طول انتظار وترقب وشد أعصاب وتهديدات متبادلة كادت تجر المنطقة الى حرب طاحنة، تمكن أخيرا الوسيط الأميركي بين لبنان وإسرائيل اموس هوكشتاين من التوصل الى مسودة اتفاق نهائية في شأن ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين. ولاقت هذه المسودة – الاتفاق ترحيبا في كل من بيروت وتل ابيب وواشنطن وباريس، واعتبرها كل من الطرفين إنجازا تاريخيا "يفي بكل متطلباته الأمنية والاقتصادية والجغرافية"، فيما يتطلع اللبنانيون ان تكون النتيجة فرصة للخروج من النفق السياسي والاقتصادي المظلم التي يعشيه العباد والبلاد الى افاق جديدة تبعث بالامل بانتعاش بعد طول معاناة.   

على الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية السابقة على الملاحظات اللبنانية، وعلى الرغم من الضغوط الكبرى التي تعرضت لها الحكومة الإسرائيلية من قبل المعارضة، عادت واشنطن ونجحت في فرض رؤيتها. وجاءت المسودة التي ستترجم اتفاقا على طاولة الناقورة في 20 تشرين من الجاري أي قبل عشرة أيام من مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته الدستورية، بعدما اوجد المبعوث الأميركي مخارج لنقاط الخلاف ولاسيما في شأن خط الطفافات الإسرائيلية الموجود شمال الخط 23 ، بتحويل هذا الخط الى منطقة متحفظ عليها تلبية لمطالب بيروت. كذلك التزمت شركة "توتال" الفرنسية بدفع "التسوية التعويض " لإسرائيل بعد استكشاف مخزون حقل قانا "اللبناني" على ان يبقى لبنان مالكا لكل الحقل المحتمل بجانبيه شمال الخط 23 وجنوبه. كما اكدت انها ستبدأ العمل في "قانا" فور توقيع الاتفاق. وبالفعل حضر رئيس الشركة لوران فيفيه الى بيروت لبدء الإجراءات العملانية.

كبير المفاوضين اللبنانيين، نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب وصف المسودة بانها "تفي بجميع متطلبات لبنان، ويمكن أن تؤدي قريباً إلى (اتفاق تاريخي)". وشدد على ان "العرض الاميركي ليس اتفاقا أو معاهدة مع إسرائيل، فنحن لا نعترف بإسرائيل".

ومن جانبه أكد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا أنّ "إسرائيل راضية عن المسودة النهائية للاتفاق. وقال: "جميع مطالبنا تمت تلبيتها، والتغييرات التي طلبناها تم تعديلها، وقد حافظنا على مصالح إسرائيل الأمنية ونحن في طريقنا إلى (اتفاق تاريخي)".

وتلقى الجانبان تهنئة من الرئيس الأميركي جو بايدن على هذا الإنجاز.

وفي أي حال فان اللبنانيين يعلقون آمالاً كبيرة على ان يكون الاتفاق مقدمة لاستقرار سياسي واقتصادي وأمني ويعيد بث الاوكسجين في شرايين الحياة الاقتصادية المنكوبة بإدارة بالية ومنظومة سياسية حاكمة أنهكت البلد واوصلته الى مصاف الدولة الفاشلة، وجعلت الخارج قادراً على الاستثمار في ارتكاباتها.

وفي الواقع فان التدقيق في النتيجة النهائية، يرى انها حصيلة لتوازن القوى، ويمكن اعتباره افضل الممكن في ظل الوضع اللبانني البائس حالياً، من هنا سيكون بحاجة إلى قراءات ومتابعات مكثفة لاكتشاف تداعياته وانعكاساتها. لا سيما أنه يشير إلى تحول في مسار وانتقال إلى آخر. ومن بين الأسئلة الكثيرة التي تبحث عن أجوبة شافية: ماذا سيفعل لبنان عند وصوله إلى لحظة الاستخراج؟ وكيف سيعمل على تصدير نفطه؟ هل سيلتحق بتحالف دول شرق المتوسط ؟ هل ذلك ممكن في ظل ممانعة التطبيع التي تفرض على لبنان رفض التشبيك مع الأنبوب الإسرائيلي عبر مصر؟.

 وجانب آخر يحول دون ذلك هو عدم الثقة بان إنجاز ملف ترسيم الحدود يمكن ان يشكل خشبة خلاص للبنان وانهاض اقتصاده ليس لان احتمالات اكتشاف كميات كبيرة من الغاز وتحول لبنان " دولة نفطية " مبالغ فيه قبل رصد حقيقة ما تتضمنه الحقول البحرية فحسب، بل لان دولة عاجزة عن ادارة الحد الادنى من مقومات البلد ومؤسساته لا يمكن ان تدير ثروة نفطية اذا وجدت ، لمصلحة البلد وليس لمصالح اطرافها السياسية واحزابها المؤثرة. ومن هنا فان الأهم لبنانيًا، كما قال زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ان تشكل الشركة الوطنية للحفاظ على الثروة الوطنية بعيدًا عن اي وصاية محلية وشركات النفط الوهمية التي شُكلت من قبل السماسرة. و"إلا افضل على هذه الثروة ان تبقى حيث هي".

كما ثمة ضرورة لمعرفة التفاصيل وما حققه للبنان او ما حققته اسرائيل.  ذلك انه وفقاً للقانون الدولي، ووفقاً للدراسة التقنية والقانونية التي أعدها الجيش اللبناني والمبنية على القانون الدولي وتقنيات الترسيم المعتمدة عالمياً، فأن الحد الذي كان يجب أن تبدأ به المفاوضات مع اسرائيل هو الخط ٢٩. فاين صار هذا الخط الذي بموجبه يصبح حقل قانا كاملا للبنان وحقل كاريش متنازع عليه؟  بينما النص الحالي الأميركي الذي جرى التوافق عليه، اعطى كامل حقل كاريش إلى اسرائيل، وأبقى جزءاً من حقل قانا تحت سيادتها على أن يكون استثمار النفط والغاز من حق لبنان في هذا الحقل. وسيرى البعض أن لهذا الاتفاق تداعيات سياسية وعسكرية، وبطريقة ما ثمة اعتراف بإسرائيل كجارة جنوبية، لا يمكن اعتبار أن الترسيم يحصل مع إسرائيل نيابة عن فلسطين المحتلة، ولو كان كذلك، فهذا يحول اسرائيل إلى دولة انتداب لا احتلال.

ولكن الموضوعية تقضي بالاقرار بعدم وجوب التقليل مبدئياً من الايجابية الكبيرة التي يشكلها هذا التطور وتداعياته البعيدة المدى وليس فقط بالنظر الى الاهداف المعلنة من جانب لبنان كما من جانب اسرائيل علما ان لدى السلطة في كل منهما مصلحة في تسويق انتصارات ومكاسب يصعب التأكد منها قبل معرفة التفاصيل والبنود لهذا الاتفاق وهل من ملحقات له .