تعيش تونس أوضاعاً صعبة على المستويين الاقتصادي والسياسي. كل المؤشرات الاقتصادية حمراء من التضخم الى وضعية الميزان التجاري. وما يزيد من تعقيد المشكلة الاقتصادية غياب التوافق السياسي على نموذج جديد بل أقل ما يقال إن التناقضات السياسية هي سيدة الموقف في هذه المرحلة. ويخشى المتبعون للشأن السياسي في تونس انهياراً شاملاً للإقتصاد التونسي في الأفق المنظور بالنظر الى الإنسداد السياسي الحالي.
التضخم في تونس من المنتظر أن يقارب 13 في المئة خلال السنة الجارية وهذا المستوى المرتفع يضرب القدرة الشرائية لفئات اجتماعية عديدة في العمق وهي الفئات التي باتت عاجزة عن توفير الحاجيات الضرورية لها. خاصة أن الازمة الاقتصادية الحالية مست قطاع المواد الغذائية التي تعرف ندرة حادة بالإضافة الى ارتفاع كبير للبطالة في صفوف الفئات العمرية الشابة.
المشكلة الاقتصادية في تونس بالأساس نتيجة عجز عن ابتكار نموذج اقتصادي جديد مكان النموذج الاقتصادي الاجتماعي السائد قبل ثورة كانون الثاني / 2011.
وهو النموذج الذي قام على ثنائية المناولة والسياحة. وكانت هذه الثنائية الاقتصادية الأساس الذي مكن الاقتصاد التونسي من الوصول الى معدلات نمو مقبولة اجتماعيا خاصة من جانب الطبقات المتوسطة والطبقات العليا والتي تمكنت في تلك الفترة من التطور وبلوغ مستويات من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لم تصل اليه نفس الفئات الاجتماعية في الجزائر الغربية لتونس.
الثنائية الاقتصادية التونسية القائمة على المناولة والسياحة انهارت تماما في العشر سنوات الأخيرة بفعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية. على المستوى الداخلي فإن النخب في تونس عجزت عن تجاوز تناقضاتها السياسية لإيجاد صيغة توافقية تقوم على احترام مصالح كافة الأطراف.
على المستوى الخارجي فإن التحولات العميقة التي مست قطاع المناولة على المستوى التكنولوجي مع ظهور العملاق الصيني ولم تعد المناولة التونسية في مجالات النسيج ومناولة السيارات قادرة على الصعيد التكنولوجي والبشري على مواجهة تدفق السلع الصينية بالدرجة الأولى والتركية بدرجة اقل نحو الأسواق الاروربية التي كانت حكرا فيما سبق على المؤسسات الاقتصادية التونسية الصغيرة منها والمتوسطة علماً أن قطاع المنولة خاصة في مجال النسيج والسيارات يساهم بصورة أساسية في صادرات تونس نحو الخارج خاصة الاتحاد الاوروبي.
مع الإشارة الى أن قطاع المناولة في تونس كان المستقطب الأساسي للاستثمارات الأجنبية التي كانت تتدفق على تونس بالإضافة الى ان قطاع المناولة يعد من أهم القطاعات التي توفر مناصب الشغل في تونس.
فيما يتعلق بالسياحة فإن هذا القطاع قد عرف تراجعاً حاداً في السنوات الأخيرة بفعل تظافر العديد من العوامل أهمها على الاطلاق الازمة الصحية المرتبطة بتداعيات فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على اعتبار أن الروس و الاوكرانيين كانوا من اهم الجنسيات التي تتدفق على تونس للسياحة و الاستفادة من الخدمات التي توفرها الهياكل السياحية التونسية وهنا لا يجب اغفال دور الازمة السياسية و غياب التوافق في انهيار قطاع السياحة التونسية و هو القطاع الذي ساهم ب 14 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي التونسي بالإضافة الي أنه يوفر 400 الف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة و هو رقم ضخم في بلد يعاني بطالة هيكلية على غرار العديد من الدول العربية.
أمام هذه الوضعية الاقتصادية المعقدة فأن انظار تونس موجهة أساسا نحو صندوق النقد الدولي من خلال الحصول على قرض في حدود مليار و900 ألف دولار غير أن الشروط المرتبطة بمنح هذا القرض صعبة وتفترض بالأساس القيام بإصلاحات هيكلية مكلفة اجتماعيا.
أي أن تونس أمام مشكلة من نوع الحلقة المفرغة على اعتبار أن الخروج من الأزمة يمر بقرض من الخارج وهذا لا يمكن أن يتم دون توافق سياسي داخلي يجيب على سؤال أساسي: أي نموذج اقتصادي واجتماعي لتونس في أفق 2025/2030 وحتى الآن فإن النخب في تونس مازالت لم تحسم أمرها ولم تفصح عن رؤيتها لتونس المستقبل.
المشكلة في تونس تداعياتها اقتصادية واجتماعية وجوهرها سياسي والحل يمر بتوافق سياسي من اجل نموذج تنموي يتجاوز ثنائية المناولة والسياحة والتي لم تعد ممكنة بصيغها السابقة.
فارس مارسيلي