ميناء تيانجين الذكي في الصين
أيقونة رقمية في عالم النقل البحري

14.02.2023
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بات ميناء تيانجين الصيني أول ميناء في العالم يطوّر خط نقل ذكي متكامل خال من الانبعاثات الكربونية ويمضي بمشروع جديد لتطوير "توأم رقمي لمحطة الميناء". وتنطوي قصة النجاح هذه على سلسلة من قصص النجاح، نظرا للدور التكنولوجي الذي لعبته شركة هواوي لتحقيق أهداف هذا المشروع الكبير. إذ لم يكتف الطرفان بتطوير خط النقل الذكي، بل أعلنا أيضا عن تعزيز الشراكة بينهما للمضي قُدما في عمليات التطوير ضمن ثلاثة مراحل تشمل بناء محطات ذكية مؤتمتة جديدة وتحديث المحطات التقليدية وإجراء عملية تحوّل رقمي شاملة للميناء. ولهذا يمكن القول إن المشروع لم يقتصر على تسخير التكنولوجيا لتقديم ما أسماه الطرفان "توأم رقمي" للميناء وتحسين العمليات التشغيلية والنقل فحسب، بل أيضا توفير محطة كاملة في الميناء صديقة للبيئة تضم آليات ومركبات ذاتية القيادة. ويشكل هذا الانجاز نموذجا عالميا في التحوّل الرقمي والذكي الكامل للموانئ، وهو ما يمكن أن يصبح أيضا نموذجا يُحتذى به في موانئ الشرق الأوسط عموما وموانئ بلدان الخليج خصوصا، نظرا لعمليات التطوير التكنولوجية المستمرة التي تتلقاها باستمرار.  

تبدأ رحلة الحاويات في المحطة C بميناء تيانجين الواقع شرق الصين، بعمليات الرفع من سفن الشحن باستخدام رافعات الرصيف التي يتحكم بها مُشغلون عن بعد، ومن ثم تنزيلها لتقوم روبوتات ذكية بنقلها بتوجيه مدعوم من نظام "بيدو" BeiDou للملاحة بالأقمار الاصطناعية إلى محطات القفل أو الفتح الآلي لتحميلها أو تفريغها. وتسير العملية برمتها بدقة فائقة حيث يوجّه المشغلون مركبات النقل قبل أن تتدخل الروبوتات لنقل الحاويات إلى ساحة التخزين عبر مسارات مُحكمة ومحسوبة زمنيا بالثواني. ويضم ميناء تيانجين محطات تبلغ حمولتها 300 ألف طن وقنوات بعمق يصل إلى 22 متراً، وله 213 مرسى من أنواع مختلفة. وفي العام 2022، تجاوز عدد الحاويات التي تعامل معها الميناء أكثر من 21 مليون حاوية نمطية، ليُصنّف ضمن قائمة أفضل عشرة موانئ في العالم.

نموذج لموانئ الشرق الأوسط

لكن قصة تطوير الميناء لا تنتهي هنا، بل تشكل عمليا بداية فصول الانجاز، لأن التقنيات المُستخدمة لإنجاز وتطوير هذا المشروع الفريد من نوعه، تشمل تكنولوجيا الاتصالات النقالة من الجيل الخامس، والقيادة الذاتية للمركبات والآليات من "المستوى الرابع" L4 الذي يُعدّ مستوىً عالمياً متقدماً بجميع المقاييس، إضافة إلى الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وغيرها من الحلول الرقمية ذات الصلة.

وهنا بالتحديد يمكننا مقارنة ميزات هذا المشروع بالتطورات الكبيرة التي تشهدها موانئ المنطقة، إذ وعلى حد تعبير نائب رئيس هواوي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى شونلي وانغ، تطمح الموانئ في منطقة الشرق الأوسط للتحوّل إلى العمليات الرقمية الذكية الخالية من الانبعاثات الكربونية، ويمكنها الاستفادة من دمج قدرات شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والسحابة وغيرها من التقنيات الرقمية المتقدمة ذات الصلة. ويضيف: "نتطلع لتوفير دعمنا وخبراتنا على ضوء نجاح النموذج العالمي الجديد لميناء تيانجين. للمساهمة بالانتقال بموانئ المنطقة التي تلعب دوراً محورياً في أعمال الشحن العالمي، نحو عصر جديد من الذكاء والكفاءة والاستدامة".

أيقونة عالمية

حكاية النجاح في هذا الميناء، تستحق التوقف عندها مليا وخصوصا عند تفاصيلها، وما حققته في جوهر أعمال الموانئ المتعلق بما يسمّى "حلول النقل الأفقية"، أو إدارة النقل التي تعتمدها الموانئ في عمليات المناولة التي تشمل تفريغ واستقبال وتسليم الحمولات. وتشمل العمليات التقليدية في الموانئ وصول السفن ومغادرتها والعمليات على الشاطئ و"النقل الأفقي" والعمليات في ساحة الميناء والنقل اليدوي ونقل المقطورات والعمليات المتعلقة بالبوابة. ويعتبر التشغيل الآلي للنقل الأفقي الذي يتعامل مع حركة البضائع داخل الميناء من المقومات الأساسية لتحقيق التحول الرقمي في الموانئ، حيث يواجه النقل الأفقي التقليدي ثلاثة تحديات رئيسية تتمثل ببيئات العمل الصعبة ومخاطر السلامة الناتجة عن إجهاد السائقين والتوجيه اليدوي الذي لا يتمتع بالكفاءة.

ويقول نائب رئيس مجموعة ميناء تيانجين يانغ جيمن، أن الحل الجديد الذي يجمع بين تقنيات الجيل الخامس والقيادة الذاتية من المستوى الرابع تم تفعيله لأول مرة بشكل جزئي ضمن الاستخدام التجاري العام في محطة القسم C، ليشكّل نموذجاً عالمياً جديداً لتطوير محطات الحاويات التقليدية وتحويلها. وأضاف: "الابتكارات المستخدمة في ميناء تيانجين سيكون لها تأثير كبير على تطوّر أعمال قطاع الموانئ على مستوى العالم، حيث ستعزّز أداء الموانئ من خلال رفع كفاءتها التشغيلية وخفض انبعاثاتها الكربونية".

كيف يحصل كل ذلك؟

لكن لماذا كل هذا التركيز من جانب إدارة ميناء تيانجين وهواوي على أهمية النجاح في مجال "النقل الأفقي"؟ ببساطة لأن نجاح هذا القسم من المشروع يدلّ على المستوى التكنولوجي الفريد من نوعه في عالم الموانئ. إذ يتمتع نظام النقل الأفقي الذكي من هواوي بخمسة مزايا رئيسية أولها دقة تصميم المسار وفق حركة السيارات أو الآليات والمركبات لضمان التزامها بخطوط محددة بعيداً عن أية مشاكل اختلاط في المسارات. كما يتيح النظام للسيارات الذكية الموجهة الانعطاف بسلاسة سواء كانت تسير في اتجاه واحد أو في كلا الاتجاهين، مما يسهم في تعزيز كفاءة التعاون بين السيارات ويختزل وقت حركتها. كما يوفر الحل تصميم مسار قصير ديناميكي من خلال منصة سحابية، ويلبي متطلبات العمليات، ويتيح تعديل المهام بشكل آني خصوصا وأن المشروع يعتمد الجيل الخامس من شبكات الاتصالات النقالة التي تتميّز بالسرعة و"زمن الاستجابة" Latency شبه الفوري.

الميزة الثانية هي تحديد الموقع بدقة فائقة حيث تعتمد هواوي على خرائط "بيدو" والجيل الخامس وتقنية الـ HD ونظام الاستشعار على الطريق لضمان تحديد المواقع بدقة فائقة على المسار. ونتيجة لذلك، تم وضع 90 في المئة من رافعات الرصيف في مكانها من المحاولة الأولى مما ساهم في تحسين الكفاءة التشغيلية بشكل كبير. ثالثاً، طورت هواوي منصة بإسم MDC للقيادة الذكية، وتوفر هذه المنصة المحدّثة للسيارات قدرات الحوسبة السحابية المتكاملة وعمر الخدمة الطويل بالإضافة إلى تنفيذ عمليات التشغيل والصيانة بسلاسة من خلال توفير أنظمة موحّدة.

الميزة الرابعة تتمثّل بتكامل النظام الأساسي، حيث يمكن لنظام النقل الأفقي الذكي من هواوي الاتصال بأنظمة الخدمة الطرفية في وقت قصير بالإضافة إلى أنظمة الخدمة الأساسية مثل "شروط الخدمة" TOS. وبفضل نظام التوجيه والشحن الذكي من هواوي، يمكن شحن السيارات الذكية الموجهة في وقت قصير ما يمنع انقطاع خدمات الأسطول. ومن خلال "نظام التوجيه المتقاطع الذكي" من هواوي، يمكن للمنافذ تحديد سياسات حركة المرور على التقاطعات بشكل مسبق لضمان وصول المقطورات اليدوية والشاحنات ذاتية القيادة بشكل ملائم.

الميزة الخامسة: رأس جيل الجليد

وتعتبر عملية فصل السيارات التي تعتمد على المنصة السحابية الميزة الحيوية الخامسة وهي تشكل ما يشبه رأس جبل الجليد في هذا المشروع، حيث تتيح هواوي فصل المنصة السحابية عن السيارات من خلال ما تسميه "النظام الإيكولوجي المفتوح". ولذلك، يدعم الحل العديد من نماذج السيارات ذاتية القيادة ما يسهم في تعزيز كفاءته من حيث التكلفة ونشره بسهولة. وتعتمد السيارات الذكية الموجهة على شبكات الجيل الخامس، حيث توفر هواوي تصميم المسار القصير الديناميكي لمنع تقاطع مسارات السيارات مع بعضها البعض، ما يحد من حوادث التصادم حتى عندما يتم قطع الاتصال بالشبكة بشكل مفاجئ. وفي حالة حدوث عطل في السيارة الذكية الموجّهة، يمكن للمشغل التحكم بالعمليات عن بُعد.

وتتراوح نسبة التحكم بتوفير الخدمة في حال حدوث خطأ وفق حل القيادة الذاتية الأساسي بين 5 و6 في المئة، فيما تصل النسبة في حل هواوي إلى أقل من 0.1 في المئة ما يسهم في تعزيز سلامة العمليات وزمن توفير الخدمة وكفاءتها. وعمليا يجب أن يلبي النقل الأفقي الذكي ثلاثة متطلبات أساسية وتشمل إمكانية تشغيله على خمسة خطوط في وقت واحد لدعم السفن الكبيرة. كما يجب أن يساعد على إدارة الأساطيل الكبيرة وتمكين التوجيه في سيناريوهات الموانئ الصعبة. وتعتبر المحطة الطرفية في القسم C من منطقة بايجيانغ بميناء تيانجين أول محطة طرفية ذكية تعتمد على نظام النقل الذكي الذي ينفّذ العمليات الأساسية على نطاق واسع.

ولعل أهم ما في هذا الإنجاز هو ما ذكره الرئيس التنفيذي لشؤون التكنولوجيا في وحدة أعمال الطرق والممرات المائية والموانئ الذكية في هواوي يو كون، الذي قال تعليقا على عمليات التطوير إن الموانئ عقدة حيوية في سلسلة الإمداد العالمية تربط بين الأسواق والموردين في مختلف مناطق العالم، وأصبح تطوير محطات الموانئ الذكية الأكفأ، مطلباً ملحاً متزايداً لتحسن تشغيل سلسلة الإمداد العالمية. وأضاف إن محطة القسم C في ميناء تيانجين تعمل باستقرار منذ أكثر من عام، ما يبرهن على نجاح منقطع النظير لتبنّي تقنية القيادة الذاتية من المستوى الرابع وشبكات الجيل الخامس للارتقاء بقيمة الأعمال تجارية التي ترتبط بحياتنا الاجتماعية. ويرى يو كون أن التقدم في هذا المجال المتمثل بنجاح هذا النموذج العالمي الجديد سيكون مفيداً لمستقبل أعمال مختلف  القطاعات الصناعية، وأن اجتماع ميزات استخدام التقنيات الرقمية المتقدمة كالجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والسحابة الالكترونية سيسهم في حل المشكلات التي تواجه الصناعات المختلفة، ليتسارع تحوّلها الرقمي وتولّد فوائد كبرى على مستوى الأعمال وفي حياتنا الاجتماعية.