قطاع الاتصالات اللبناني
بمواجهة سيناريو "أبوكاليبس"؟

23.03.2023
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بيروت – الاقتصاد والأعمال

سيناريو الإنهيار الكلّي لقطاع الاتصالات في لبنان والتوقف الكامل لخدمة المكالمات الهاتفية والانترنت، لم يعد مجرد توقعات، لبنان اليوم ربما في أقرب نقطة من "أبوكاليبس الاتصالات" الذي لن يوفر شيئاً من الشبكات، ومعه قد تتعرض كل القطاعات الاقتصادية والمرافق الحيوية المستفيدة من قطاع الاتصالات إلى مشاكل لا يمكن تخيّل تداعياتها ونتائجها، وهي التي قد تُعيد لبنان وأهله إلى عصر "الحمام الزاجل" وربما "العصر الحجري". وهذه ليست مبالغة للتعبير عن الواقع، بل أمر واقع. لقد توجّهنا بفرضية حصول انهيار واسع لشبكات الاتصالات الخلوية إلى خبراء في القطاع، وقالوا إنهم يقدرون تكلفة الإنهيار بنحو 15 إلى 20 مليون دولار يومياً، أي ما قد يصل إلى 0.6 مليار دولار شهرياً. والخسائر ستنتج عن توقف التعاملات بشكل مفاجئ لدى معظم شركات القطاع الخاص، ومعها قطاع الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من القطاعات الرئيسية. ومع أن القطاع المصرفي أصلاً شبه متوقف عن العمل، إلا أن انهيار شبكات الاتصالات لن يمكنه حتى من تسيير مدفوعات القطاعين العام والخاص لشراء مواد أولية كالقمح والأدوية ومستلزمات الحياة الأساسية. هذا بالنسبة للخسائر المالية والاقتصادية، أما على الصعيد الانساني والاجتماعي سنكون أمام كارثة صحية وغذائية قد يذهب ضحيتها عدد من المواطنين.   

من "الترقيع" إلى الخردة

وعلى خلاف ما يعتقد بعض المراقبين، تلفت مصادر مطلعة على وضع "أوجيرو" وشبكتي "ألفا" و"تاتش" إلى أن القشة التي قد تقسم ظهر القطاع ليست إضراب الموظفين والرواتب أو توفير وقود لتشغيل السنترالات فحسب، بل القضية باتت اليوم أن معظم مكوّنات الشبكات أو ما يمكن وصفه بـ "عقل" الشبكات بدأ يتحوّل إلى معدات قديمة "خارج الخدمة" لا يمكن الاعتماد عليها خصوصاً إذا قارناها بمعدات شبكات الاتصالات الحديثة.

وهذا يعني بحسب تعبير المصادر ذاتها، إن سياسة "الترقيع" لن تحول دون وصول معدات شبكات الاتصالات الخلوية وشبكة الثابت الموجودة إلى مستوى "الخردة التكنولوجية" غير القابلة للترقية على مستويين، الأول يتعلق بالبرمجيات أو نظام التشغيل الرقمي الذي يجعلها تعمل بشكل فعّال، والثاني هو تقادم التجهيزات إلى درجة بحيث لم يعد ممكناً ترقيتها أصلاً. والأخطر هو أن نسبة كبيرة جداً من هذه المعدات والتجهيزات لم تعد مشمولة بعقود صيانة لأنها وصلت إلى ما يصفه الخبراء بـ "مرحلة نهاية صلاحية عقود الخدمة" End of Service (EOS).

هذه التطورات المتسارعة على المستوى التقني إضافة إلى رواتب الموظفين التي لم يعد لها معنى مع تخطّي سعر صرف الدولار 130 ألف ليرة، دفعت إدارات "أوجيرو" و"ألفا" و"تاتش" إلى رفع الصوت، لأن المسألة لم تعد تحتمل التسويف، بإنتظار حلٍ سياسي ما لكامل الانهيار اللبناني. وبحسب المصادر ذاتها، كل هذه الإنهيارات دفعت بمدير عام أوجيرو عماد كريدية إلى التهديد بالاستقالة إذا لم يتم التعامل بشكل جديّ مع مسألة ترقية الشبكات وحقوق الموظفين. وهذا التوجّه، يعبّر عملياً عن الوصول إلى مرحلة حاسمة قبل الانهيار الكامل للقطاع، خصوصاً بسبب انتهاء صلاحية عقود الخدمة لجزء رئيسي من التجهيزات. لكن ماذا نعني بـ "نهاية عقود الخدمة"؟

ماذ يعني انتهاء عقود الخدمات؟

نظراً للانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان تم تجميد النفقات الرأسمالية والتشغيلية الخاصة بالشبكات ولو بشكل متفاوت منذ العام 2019، وربما قبل ذلك التاريخ. ومع أن النفقات التشغيلية كانت محظوظة أكثر وتلقت بعض الإهتمام خلال السنوات الماضية، إلا أن التوقف عن ضخّ النفقات الاستثمارية في شبكات الاتصالات على مدى 3 سنوات أدى في جملة ما أدى إليه، إلى عدم تجديد عقود الصيانة والخدمات لمعدات والبرامج.

لكن عقود الصيانة والخدمات لم تتوقف دفعة واحدة، لأنها تتمتع بتواريخ إنتهاء عقود مختلفة. أولى هذه العقود انتهت مدتها منذ عامين، قبل أن تلحقها عقود أخرى العام الماضي، والنسبة القليلة المتبقية تنتهي مدتها قريباً. ولهذا تواجه البنية التحتية للاتصالات مخاطر كبيرة مع انتهاء نوعين من هذه العقود. النوع الأول يتعلق بانتهاء عقود أنظمة التشغيل والبرامج، وهي التي تكون مدتها عادة حوالي ثلاث سنوات ونصف. أما الأجهزة والمعدات التي لم يتم تحديث جزء كبير منها منذ أكثر من 10 سنوات وربما أكثر، فمدة عقود صيانتها تكون عادة على مدى يتراوح بين 8 و10 سنوات، ونحن اليوم تخطينا العمر الإفتراضي للنسبة الكُبرى منها.

وليس من المفاجئ القول هنا، أنه إذا دخلت الشبكات في مرحلة نهاية مدة الخدمات والصيانة، فلن يتمكن اي مشغل من المشغلين الثلاثة من الحصول على الدعم المتعلق بضمان المُنتج من الشركات المصنّعة للمعدات الأصلية نظراً لأن كل عمليات الخدمة والصيانة لم تعد مُتاحة.

ثانياً، لن يكون بإمكان المورّدين التعامل مع المشاكل التقنية التي تحدث عادة على مستوى البرامج المتعلقة بالمعدات والتجهيزات، نظراً لتقادم المعدات. ومن المعروف أن الصانعين يوفّرون الدعم التقني لمدة مُتفق عليها للمعدات القديمة، وعندما تنتهي هذه المعدة يتوقف الصانع من ابتكار أو تقديم حلول للمشاكل التقنية المتعلقة بالمعدات القديمة، ويبدأ بتوفير حلول للمعدات الجديدة فقط. وعندما تظهر المشاكل التقنية، تبدأ الشبكة بتسجيل معدل فشل متزايد والخروج من الخدمة كما حصل عدة مرات خلال العامين الماضيين. وإذا لم يعمد المشغل إلى ترقية المعدات والبرامج، وهو ما حصل فعلاً، نكون أمام مرحلة إنهيارات أوسع للشبكة. وبحسب خبراء اتصالات، بدأت المشاكل التقنية بالتسبب في انهيارات لأجزاء من الشبكة منذ فترة، وتم حلّ بعض هذه المشاكل داخليا وبـ "المونة".    

استنزاف الطاقة

بسبب غياب التغذية الكهربائية المستقرة لشبكات الاتصالات، وعدم فعّالية رفع أسعار الاتصالات الذي حصل منذ أشهر خصوصاً بعد أن وصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى أكثر من 130 الف ليرة، باتت تكلفة تشغيل مولدات الطاقة المخصّصة لمحطات الخلوي أعلى بكثير من قدرة تحمّل "أوجيرو" و"ألفا" و"تاتش". من جهة أخرى 50 في المئة من مكوّنات شبكات الاتصالات في لبنان تم تركيبها قبل أكثر من 13 عاماً، وهي تستهلك طاقة أكثر من الشبكات الحديثة بنحو 30 في المئة. ومن دون رصد نفقات رأسمالية مناسبة، ستستمر الشبكات القديمة بالتسبب في ارتفاع النفقات التشغيلية نظراً لاستهلاكها طاقة إضافية، وبالتالي وقود إضافي، يضع المزيد من الضغوط على ميزانيات الشركات المُنهكة ومالياتها المتعثرة. 

هذه المعطيات الخطيرة، تزيد بشكل هائل من مخاطر انهيار الشبكة، أو إنهيار أجزاء منها بشكل مستمر، وهذه مرحلة أخطر بكثير من مرحلة عدم قدرة الوزارة على تأمين الوقود لتشغيل الشبكات لأن تقادم الشبكة وعدم وجود فرصة لضخ نفقات رأسمالية لترقية التجهيزات والبرامج تضعنا أمام سيناريو ربما يقود اللبنانيين قريباً إلى استخدام الحمام الزاجل لتبادل الرسائل.