رؤية صندوق النقد العربي:
"الطريق إلى كوب 2023"

09.10.2023
د. عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

شهدت المنطقة العربية كوارث طبيعية عديدة من زلازل وفياضانات مدمّرة أعادت التذكير بأهمية وضرورة تصدّي السياسات العامة ذات الموثوقية والمصممة بشكل جيّد للمخاطر الناجمة عن تغيرات المناخ، على أن تقوم السياسات المُتّخذة بتحقيق نتائج فعالة ومتوازنة في كافة جوانب "مثلث الطاقة" المُتمثلة في: القدرة على تحمّل التكاليف، أمن الطاقة، والاستدامة البيئية.  هذا فضلاً عن دورها في توفير فرص العمل اللائقة والأجور العادلة ودعم سبل عيش المجتمعات المحلية.

إذاً، تُمثل السياسات العامة لمواجهة تحديات ومخاطر تغيرات المناخ عنصراً حاسماً في مواجهة هذه التحديات والمخاطر. وفي حين تُعتبر المنطقة العربیة من بین أكثر المناطق تأثّراً بتغيرات المناخ، إلاّ أنّ مساھمتھا في انبعاثات الكربون تبقى محدودة. وفيما يلي نستعرض أبرز النقاط التي خلصت إليها الورقة المُقدّمة من الأمانة الفنية لمجلس وزراء المالية العرب ومجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية حول رؤى وموقف الصندوق من أبرز قضایا المناخ والتي حملت عنوان:  "رؤیة حول الموقف تجاه تغیرات المناخ وخیارات السیاسات الطریق إلى " كوب 28" وإلى الاجتماعات السنویة لصندوق النقد والبنك الدوليين (دبي ومراكش، 2023)":

   دعم اتفاق باريس

تدعم الدول العربیة تنفیذ اتفاق باريس ومستهدف صافي الانبعاثات الصفري وتلتزم تحقيق أھداف التنمیة الاقتصادیة المستدامة ومواجهة تغيرات المناخ للموازنة بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة. كما يتزايد تبنّي هذه الدول لمصادر الطاقة المُتجدّدة وتحرص على توسيع دورها في اتخاذ التدابير التعويضية للتخفیف من تغیرات المناخ وللإستفادة من الفرص الاقتصادية مثل خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الابتكار في قطاع الطاقة المتجددة. وتُدرك هذه الدول أهميّة التعاون والشراكة الدولية لمواجهة تحديات المناخ حيث تشارك المنطقة العربیة بفعالیة في مفاوضات ومبادرات التغیرات المناخیة العالمیة، عبر استضافة جمھوریة مصر العربیة كوب 27 العام الماضي، ودولة الإمارات العربیة المتحدة كوب 28 ھذا العام من أجل التعبير عن وجهة نظرها وإيجاد الحلول العادلة لتحديات تغيرات المناخ.

تجنب المساومة

يتمثل التحدي الرئیس في تصمیم السیاسات العامة لسوق الطاقة، في كیفیة تحسین وتعزيز كل جانب من جوانب مثلث الطاقة دون المساس بأحدها. ويمكن تحقیق عدم المساومة على تحقیق الأھداف من خلال العمل على ثلاث ركائز أساسیة في وقت واحد: دعم الابتكار، استھداف الانبعاثات ولیس مصادر الطاقة، والاعتراف بالفروق بین الدول المختلفة في مدى القدرة على التعامل مع تغیرات المناخ. هذا ولا يُخفى على أحد بأنّ الدول تختلف في قدراتھا على التكيف والانتقال إلى انبعاثات منخفضة حيث عادة ما تكون الدول ذات الحیز المالي المحدود والدول الضعیفة، مسؤولة بدرجة أقل عن تغیرات المناخ، إلا أنھا تتأثر بدرجة أكبر بھذه التغیرات. لذلك، يُشدّد الصندوق على دعم تحول الطاقة العادل الذي یوفر فرص عمل لائقة ووظائف ذات جودة، وأجوراً عادلة، ویدعم سبل العیش الكریم للمجتمعات المحلیة. 

المناخ والاستقرار المالي

تلعب الأنظمة المالية دوراً حاسماً في تمویل الانتقال إلى اقتصاد مستدام، وتوزیع المخاطر المتعلقة بتغيرات المناخ وتخفيفها والتكيف معها. فالتغيرات المناخية من شأنها تهديد الاستقرار المالي وزيادة المخاطر على النشاط الاقتصادي وبالتالي زيادة حدّة المخاطر المالية، الأمر الذي يتطلّب توسیع وتعزیز البحث والتحلیل لدمج ھذه المخاطر دمجاً كاملا ًضمن عملیة متابعة تطورات الاستقرار المالي. هذا ويدعم الصندوق مبادئ لجنة بازل للإدارة والرقابة الفعالة على المخاطر  المتعلقة بمخاطر تغيرات المناخ مع الإشارة إلى أهمية تبنيها من قبل السلطات الرقابية التي يجب أن تبقى منتبھة إلى مخاطر الاستقرار المالي وكذلك الإنتباه إلى الإنعكاس غیر المباشر على الاستقرار المالي من السیاسات المناخیة التي قد ترفع كلف الطاقة بصورة ملموسة أو تقلّل أمن الطاقة بما یؤثر على ربحیة قطاع الأعمال واستقرار التدفقات النقدیة. 

دور البنوك المركزية

يرى صندوق النقد العربي أنّ توسیع صلاحیات البنوك المركزیة لتشمل تعبئة الموارد اللازمة لتمویل الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، قد یفتقر إلى الأساس القانوني ویھدد تحقیق أھدافھا الأساسیة في استقرار الأسعار والاستقرار المالي. فالبنوك المركزية تلعب دوراً  أساسياً في مواجهة تغيرات المناخ حیث یمكن أن تساعد ضمن إطار عملھا الحالي، المتمثل في تحقیق استقرار الأسعار والاستقرار المالي، في توفیر الشروط اللازمة للأسواق المالیة لتوزیع المخاطر المتعلقة بتغیرات المناخ وتسعیرھا. وبالتالي، يجب عدم النظر إلى أدوات وسیاسات البنوك المركزیة على أنّها بدیل عن الإجراءات والسیاسات التي ینبغي على الحكومات اتخاذھا، لا بل إن تحقیق البنوك المركزیة لأھدافها الرئيسية هو استكمال للسياسات المناخية وليس بديلاً عنها. 

الهيدروجين

يستطيع الھیدروجین أن يلعب دوراً بارزاً في مساعدة دول العالم على تحقيق هدف الحياد الكربوني وتقلیل انبعاثات الكربون من خلال استخدامه وقوداُ في قطاعي النقل والصناعة. يتطلب هذا القطاع دعماً حكومياً وسياسات تدعم توسیع نطاق تطبیقه وتعزز نشره، لذلك يشجع الصندوق على تطویر برامج لتقدیم شھادة الھیدروجین منخفض الكربون، نظراً إلى مساهمة ذلك في بناء سوق موثوقة وتجارة دولیة لھذه الأداة القیّمة لخفض وإزالة الانبعاثات الكربونیة. 

احتجاز الكربون

تُقدر الانبعاثات المباشرة من الصناعات الثقیلة التي تستھلك الكثیر من الطاقة بين خمس  وربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. ويؤدي احتجاز الكربون واستخدامه وتخزیننه ((CCUS في ظل الاقتصاد الدائري للكربون دوراً مھماً في تخفيض انبعاثات الكربون من الصناعات وتمكین إنتاج بعض أنواع الوقود ذات الانبعاثات المنخفضة والطاقة المتاحة عند الطلب. كما یمكن أن یدعم إزالة ثاني أكسید الكربون على نطاق واسع عالمیاً عبر تخزین الكربون المحتجز مباشرة من الھواء بشكل دائم. في ھذا السیاق، يدعم الصندوق السیاسات العامة التي توفر نماذج تجاریة مستقرة وقابلة للتنفیذ في كل جزء من سلسلة قیمة احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه ((CCUS . يالإضافة إلى تطویر إطار تنظیمي قوي لتنمیة صناعة احتجاز الكربون نمواً آمناً ومسؤولاً. 

التمويل المناخي

يُعتبر تمويل المناخ من القضايا الرئيسية لمواجهة تغيرات المناخ بشكل فعال. وتحتاج الدول، ولا سیما تلك التي تعاني ضعفاً  اقتصاديًا أو لديها حیز مالي محدود، إلى دعم مالي للانتقال إلى الطاقة النظیفة وتنفیذ مبادرات التخفیف من مخاطر  تغيرات المناخ والتكيف معها. في ھذا الإطار، يقوم الصندوق بدعم زیادة  التمويل المناخي المنخفض التكلفة من الدول المتقدمة لدعم تنفیذ الدول النامیة والفقیرة لاتفاقیة باریس لمواجھة تغیرات المناخ وتحقیق أھداف التنمیة المستدامة.

وفي الختام، تمّ التأكيد على ضرورة أن تكون السیاسات العامة المتعلقة بتغیرات المناخ ذات موثوقیة ومصممة بعنایة لكي تكون فعالة، أي أن يعتبرها أصحاب المصلحة مستدامة ولا تخضع لاحتمال كبیر لعكس إتجاه السیاسة وأن تكون قادرة على تحقیق انتقال سریع ومنتظم، وتُراعي اعتبارات القدرة على تحمل تكالیف الطاقة وأمن إمداداتھا. بشكل يضمن توفیر دعم دولي كبیر ومستدام للدول التي تحتاجه وتسمح بتوفير فرص لائقة ووظائف ذات جودة وأجوراً عادلة، وتدعم سبل عیش المجتمعات المحلیة.