7 أكتوبر الفلسطيني
يستحضر 20 اوت الجزائري

26.10.2023
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

ظاهرياً الكل يقول نعم على اعتبار أن الصورة واضحة... هجوم لحركة "حماس" في قلب إسرائيل قتل فيه المئات وجرح الآلاف من الجنود والمستوطنين، في المقابل رد فعل من الحكومة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية كان أقرب الى منطق الثأر والجنون من السياسة الحكيمة المبنية على الحساب العقلاني وهذا الجنون ينجم عنه مآسي في غزة التي يدمر فيها الحجر والبشر وأغلب الضحايا من المدنيين العزل ولاسيما الأطفال.

في إسرائيل يتحدثون عن منطق الصدمة. العديد من المحللين يشبهون ما حدث بصدمة حرب أكتوبر في العاشر من رمضان عام 1973. نعم هي صدمة غير مسبوقة، ولكنها لا تشبه حرب أكتوبر. في تلك الحرب قبل خمسين سنة كانت بين جيوش حيث المناورة بالدبابات، والطائرات، والمشاة، والصواريخ.

  7 تشرين الأول/ أكتوبر في غزة وغلافها يشبه في طبيعته والظروف المرتبطة به حدثاً عربياً كان هو الاخر صدمة فارقة. حدث لا يعرف عنه المواطن العربي الكثير رغم أهميته التاريخية والمفصلية. المقصود هنا تحديداً أحد اهم الاحداث في تاريخ الثورة الجزائرية في خمسينيات القرن الماضي.

يحتفل الشعب الجزائري سنوياً بيوم 20 اب /أغسطس (اوت) 1955، هذا اليوم يجمع كل المؤرخون على أنها لحظة فارقة بالنسبة للشعب الجزائري وصدمة بالنسبة للاستعمار الفرنسي وللمعمرين (المستوطنين) على وجه التحديد. 

20 آب/ أغسطس في تداعياته وديناميته يحاكي ما جرى في فلسطين يوم 7 أكتوبر كصدمة /قطيعة بالنسبة لكل الأطراف. الحدث الذي يعرف بهجمات الشمال القسنطيني (نسبة الى قسنطينة الجزائرية) جاء بعد أقل من سنة من بداية ثورة التحرير في اول تشرين الثاني/نوفمبر 1954 وقد كان الوضع بالنسبة لثوار الجزائر صعباً معقداً من جوانب عدة سياسية وعسكرية واجتماعية. على المستوى التنظيمي كانت جبهة التحرير الوطني والتي تولت عملية إطلاق الثورة تعاني من العزلة بعدما فقد الثوار الاتصال بينهم وبين مختلف المناطق ومع القيادات الموجودة في القاهرة.

وما زاد من تعقيد الأمور هو استشهاد قائد منطقة الشمال القسنطيني وأحد مفجري الثورة، المناضل ديدوش مراد، وهو اسم الآن لأحد أرقي شوارع العاصمة. إزاء هذه الوضعية السياسية والتنظيمية الحرجة والتي كان أحد اهم سماتها اعتقاد فرنسا أن ما حدث في غرة تشرين الثاني/ نوفمبر مجرد سحابة وأن الجزائر هادئة.

ألم ينسى العالم قبل 7 أكتوبر او يتناسى كلمة اسمها فلسطين.  ولتجاوز هذا الجمود السياسي كان لابد من احداث زلزال سياسي ضخم يعيد الثورة الى الساحة ويفهم المستعمر/ المستوطن أن تحت الرماد بركان متفجر وأن الجزائر تريد الاستقلال.

20 آب/ اغسطس 1955 بركان سياسي عسكري اجتماعي هندس له المناضل الشهيد زيغود يوسف وثلة من قادة منطقة الشمال القسنطيني في شكل فعل عسكري ثوري  يتجاوز المنطق على اعتبار أن المستعمر لم يكن يعتقد أن الثوار وقلة امكاناتهم اللوجستية والتنظيمية لهم القدرة على الخروج من معاقلهم المحاصرة في الجبال بالجنود المدججين بالسلاح، ومهاجمة المدن المحصنة للمعمرين/المستوطنين واحداث صدمة قاتلة تعيد الجزائر وثورتها الى اذهان فرنسا وجيشها العضو في الحلف الاطلسي والى المعمرين الذين استولوا على الأرض قبل أكثر من قرن من ذلك التاريخ.

أليست هذه صدمة السابع من اكتوبر2023؟

في 20 آب/اغسطس غادر الثوار بأسلحتهم البسيطة وهي البنادق القديمة وسكاكين المطبخ وهاجموا مدن المعمرين في جرأة نادرة غير مسبوقة.

سكيكدة والقل وقالمة قسنطينة وكل ما جاورها كانت تحت نيران ثوار جبهة التحرير الوطني. كل رموز الاستيطان من ثكن ومراكز شرطة ونقاط الاستيطان كانت هدفاً للهجوم والسيطرة لساعات طويلة من طرف رفاق زيغود يوسف.

أليست الجرأة نفسها التي شهدها العالم عندما خرج رجال حماس يوم 7 اكتوبر من سجنهم المفتوح/ المغلق في غزة وسيطروا لساعات على كل مدن غلاف غزة وخاصة نقاط الاستيطان.

القتلى من الأوروبيين وهو الاسم الذي كان يطلق على المعمرين/ المستوطنين وصلوا الى 171 وعدد كبير من الجرحى. الرقم مهول بقياس ذلك الوقت وبقياس نظرة المستعمر الى الجزائري وهي نظرة اقل ما يميزها الاحتقار والشك في القدرة على الفعل والتخطيط المسبق له.

ألم يكن هذا حال إسرائيل عقب ما جرى في 7 أكتوبر؟

في الأيام التي تلت 20 اب /أغسطس 1955 كانت الصدمة مهولة. الذهول يخيم على متخذي القرار من الساسة والعسكريين ولسان كل واحد: كيف؟ من اين قدموا؟ من البحر من البر أم من السماء؟  ألم نقتلهم؟ ألم نذلهم؟

من ساعدهم؟

المؤكد أن يدا خارجية وراء الحدث؟

أسئلة وأسئلة وكأننا نسمع صدى لها في أيام أكتوبر هذه التي نحيا.

ولان صدمة 20 اب/ اغسطس 1955 كانت مدوية اقوى من الزلزال والبركان فإن رد فعل المستعمر كان اقرب الى الجنون منه الى السياسة الحكيمة. كان منطق العقاب الجماعي هو السيد وكل من لم يكن من بشرة أوروبية شقراء كان الموت هو قدره وهكذا بقدر ما تكون الصدمة كبيرة بقدر ما يكون الجنون مجنونا.... في الأيام التي تلت أطلق الجيش الفرنسي ومعه المعمرين يدهم على كل ما يمت بصلة للجزائري العربي المسلم.. القتل على الهوية كان سيد الموقف... العدد لا يحصى يقدره البعض بأكثر من عشرة آلاف جزائري... ومن لم يقتل كان مصيره البقاء في معسكرات الاعتقال حيث إن ملعب كرة القدم في سكيكدة تحول الى معسكر للتعذيب والتنكيل والموت.

إننا نروي حدث يعود الى أكثر من 60 سنة، ولكن الاخبار الآتية من غزة تقول إننا تعيش الواقعة من جديد بكل تفاصلها المأسوية التي قد تكون دقيقة حتى في التفاصيل.

يُجمع العديد من المؤرخين إن 20 آب /اغسطس 1955 كان لحظةً فارقة مفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية على اعتبار أن وهج الثورة قد ازداد توهجاً والعلاقات بين الجزائريين والاستعمار الفرنسي ازدادت قطيعة ولن يتمكن أحد من إعادة اللحمة اليها.

أنها القطيعة، حيث إن الصدمة لحظة فارقة تولد القطيعة وميلاد زمن جديد... والكل يقول إن شرق أوسط ما بعد 7 أكتوبر 2023 يختلف عن شرق أوسط ما قبله.

قبل نهاية العام السابع بعد 20 أب/ اغسطس 1955 وفي 5 حزيران/ يوليو (جوييه)  1962 استقلت الجزائر وأصبحت دولة ذات سيادة كاملة وفي آب/ اغسطس من العام ذاته ُرفع علم الجزائر في جامعة الدول العربية.

الاقتصاد والاعمال