منير بركات
إن الارهاصات التي أسست للدولة الصهيونية منذ العشرينات من القرن الماضي والتي تكثفت في الثلاثينات تماهياً مع وعد بلفور، الحوار الذي حصل بين العرب والأنتداب البريطاني بالإضافة لليهود في مرحلة لاحقة، حول أستقلال البلدان العربية لم تلحظ أستقلال فلسطين التي كان قد وعد بها (بلفور) اليهود. كما حصلت أنقسامات حول قيام الدولة الصهيونية بين اليهود أنفسهم ما بين وطن قومي يهودي على كل فلسطين وما بين دولة يهودية صغيرة على ارض فلسطين تتعايش مع العرب .
أفتتح في زوريخ في 3 آب 1937 المؤتمر الصهيوني العشرون، وتبعه المؤتمر الخامس للوكالة اليهودية في 18 آب، فظهرت نزعتان في المؤتمر الصهيوني ، إحداهما ميالة للقبول بالتقسيم ، والثانية تدعو لرفضه ومحاربته، ويدافع عن النزعة الأولى الصهيونيون المعتدلون الذين يرون أن إنشاء دولة يهودية صغيرة في فلسطين يسهل هجرة مائة الف يهودي في السنة على مدة عشرين سنة. ويظهرون الفرق بين هذه الهجرة الكبيرة التي ستحدث في حال تنفيذ التقسيم، والهجرة الضئيلة في حال عدم تنفيذه، وهي لا تزيد عن أثني عشرة الفا يهودي في العام. ورأى "المعتدلون" أيضاً أن التقسيم حل حاسم يقطع دابر الخلافات والأصطدامات بين العرب واليهود، فيصبح كل من هذين الشعبين سيد أمره في بلاده. أما خصوم المشروع، فمنهم الأشتراكيون المؤمنون بنظرية النضال الطبقي، وهم يرون أن المشكلة الفلسطينية هي في جوهرها نزاع بين العمال والرأسماليين اليهود الذين يستثمرونهم ، وأن المشكلة لا تحل بوسيلة سياسية محضة كالتقسيم لا بثورة سياسية أقتصادية أجتماعية بالرغم من تأييد الأتحاد السوڤياتي للتقسيم . ومنهم الصهيونيون "الأصلاحيون الأرثوذكس" ، الذين يعتبرون فلسطين بكاملها وشرقي الأردن وقسماً كبيراً من البلدان المجاورة ملكاً لليهود لا ينقسم ولا يتجدد، فيرفضون كل مشروع يرمي إلى تجزئته. مستنجدة بالأميركي بعد تراجع نسبي من البريطاني.
وقد حاول المؤتمر أن يوفق بين هاتين النزعتين المتضاربتين فأتخذ مقررات غامضة. فهي ترفض مشروع التقسيم، ثم تقبل بالمفاوضة مع السلطات البريطانية على أساس التقسيم، وترجئ النظر في مشروع التقسيم النهائي إلى ما بعد أنتهاء المفاوضات :
1-إن المؤتمر الصهيوني العشرين يؤكد مرة أخرى صلة الشعب اليهودي بفلسطين وحقه الذي لا يتزعزع بموطنه.
2-لقد أخذ المؤتمر علماً بالنقاط الأساسية الآتية، وهي أولاً: إن الغاية الرئيسية من الأنتداب، هي ترويج إنشاء الوطن القومي اليهودي .
ثانياً: إنه كان مفهوماً لدى إصدار تصريح بلفور أن الميدان الذي سينشأ فيه الوطن القومي هو فلسطين التاريخية بكاملها، بما في ذلك شرق الأردن.
ثالثاً: إن تصريح بلفور ينطوي على إمكان تحويل فلسطين إلى دولة يهودية.
رابعاً: إستيطان اليهود في فلسطين قد أغدق منافع عظيمة على السكان العرب وعاد على العرب بمجموعهم بمنفعة أقتصادية.
3- إن المؤتمر يرفض تأكيد اللجنة الملكية لفلسطين بأن الأنتداب قد ظهر بأنه غير قابل التطبيق. وهو يطلب تنفيذ ذلك الأنتداب، ويوعز إلى اللجنة التنفيذية بأن تقاوم أي هضم لحقوق الشعب اليهودي المضمونة بوعد بلفور والأنتداب ضمانا دوليا.
"إن المؤتمر يرفض الأستنتاج الذي توصلت إليه اللجنة الملكية من حيث عدم إمكان التوفيق بين الأماني الوطنية للشعب اليهودي والأماني الوطنية لعرب فلسطين. فلقد كانت العقبة الرئيسية التي حالت دون تعاون الشعبين والتفاهم المتبادل بينهما حالة الأرتياب العامة في المقاصد النهائية التي ترمي إليها حكومة الأنتداب، كما جاء في تقرير اللجنة الملكية، وموقف التردد التي ترمي إليها حكومة الأنتداب، كما جاء في تقرير اللجنة الملكية، وموقف التردد الذي وقفته حكومة فلسطين.
فإن هذين الأمرين أديا إلى ضياع الثقة في حزم الحكومة ومقدرتها على تنفيذ الأنتداب. والمؤتمر يعود فيثبت، في هذه المناسبة، تصريحات المؤتمرات السابقة التي تظهر أستعداد الشعب اليهودي للوصول إلى تسوية سلمية مع عرب فلسطين تبنى على نمو كل من الشعبين وتطوره بحرية وعلى أعتراف كل منهما بحقوق الآخر .
4-إن المؤتمر يشجب اقتراحات اللجنة الملكية، كتخفيض الهجرة بدلاً من السير على مبدأ قوة الأستيعاب الأقتصادية، وآغلاق بعض الأقسام المعينة من البلاد بوجه الأستيطان اليهودي، ووضع القيود على أمتلاك الأراضي الخ..
5-يعتبر المؤتمر الصهيوني بأن هذه المقترحات ستقضي على مستقبل العالم العربي.
6- يصرح المؤتمر أن مشروع التقسيم التي تقدمت به اللجنة الملكية غير مقبول .
7-يخول المؤتمر اللجنة التنفيذية صلاحية الدخول في المفاوضات للتحقق من الشروط التي تعرضها الحكومة لإنشاء الدولة اليهودية المقترحة .
8 -ليس للجنة التنفيذية صفة القرار أثناء قيامها بهذه المفاوضات في حال بروز مشروع لإنشاء دولة يهودية، وجب الى مؤتمر ينتخب من جديد لإتخاذ قرار بشأنه.
أما مؤتمر الوكالة اليهودية، فهاجم فيه اليهود الأميركيون، مشروع إنشاء دولة يهودية مستقلة، وابدوا مخاوفهم من الأضرار التي يمكن أن يحدثها في أحوال ملايين اليهود القاطنين خارج فلسطين، فقد يتهمون بالأنتماء لدولة يهودية اجنبية بهويتها الخاصة، وقد يشك بولائهم للدولة التي يعيشون فيها. فقد تم الأتفاق على أن الوكالة بجعل فلسطين ملجأ لليهود المضطهدين، وأن يتخذ هذا الملحأ شكل "وطن قومي "لا شكل دولة يهودية .
بعد طوفان الأقصى وتتويج العداء والحروب بشلالات من الدماء وتضحيات الشعب الفلسطيني . ما هو مواقف أطراف الصراع الدولية والأقليمية والفلسطينية اليوم من حل الدولتين التي اصبحت مطلباً لحل القضية الفلسطينية وضمان حق الشعب الفلسطيني بدولته المستقلة ؟