شكلت حرب إسرائيل على غزة ضربة كبيرة وموجعة لقطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، لكن شركات تكنولوجيا أميركية تدخلت بسرعة لدعم القطاع وبعض المؤسسات الحكومية إضافة إلى الجيش الإسرائيلي لمساعدته في الحرب. لكن كيف تطورت هذه الأزمة؟ وكيف بادرت الشركات الأميركية إلى تقديم المساعدة، وما هي أشكال الدعم الذي تلقته الأجهزة الأمنية والعسكرية من شركات التكنولوجيا الأميركية؟
بدأت الأزمة في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي عندما بادر الجيش الإسرائيلي إلى استدعاء الاحتياط. وتشير تقديرات إلى أن 10 في المئة من موظّفي قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي تم تجنيدهم للحرب، فيما تذهب تقديرات أخرى أبعد من ذلك لتؤكد إن 30 في المئة من الموظفين في قطاع التكنولوجيا أصبحوا بتصرف الجيش للحرب على غزة. وبغض النظر عن النسب المئوية، أدت الحرب إلى تعطيل جزء هام من مجموع القوى العاملة الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا. هذه الأزمة شكلت ضغطا كبيرا على الشركات التكنولوجية التي تعاني أصلا من مشاكل متلاحقة، أبرزها الانخفاض المتواصل للاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع التكنولوجيا.
تداعيات الحرب
تقول الصحافية الإسرائيلية المتخصصة في شؤون التكنولوجيا صوفي شولمان: "لقد نزل قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي كله إلى الملجأ"، وتضيف في مقال نشرته في مجلة Ctech الإسرائيلية إن القطاع يواجه حالياً "أسئلة وجودية". تداعيات الحرب بالنسبة إليها جاءت لتُضاف إلى مصادر قلق سابقة سادت القطاع منذ فترة. ويشير تقرير نشره موقع الجزيرة إلى أن الاستثمارات الرأسمالية في قطاع التكنولوجيا الاسرائيلي انخفضت بنسبة كبيرة، قدّرها البعض بنحو 70 في المئة خلال الفترة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وتصف بعض المصادر الإسرائيلية هذا الانخفاض بأنه الأكبر من نوعه، ويشكل أزمة مُقلقة بالنسبة لإسرائيل خصوصا وأنه ناتج جزئيا عن الأزمة القضائية التي تسبب بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف. وتضيف أن تداعيات الحرب ستكون كبيرة جدا لا على القطاع التكنولوجي فحسب بل على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام.
ولم تتوقف التداعيات عند هذا الحد، إذ يشير الرئيس التنفيذي لهيئة الابتكار الإسرائيلية درور بن، إلى أن قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، بدأ بمواجهة المصاعب منذ عامين خصوصاً على مستوى التمويل، إلا أن الكارثة الكُبرى حلّت على القطاع مباشرة بعد عملية طوفان الأقصى. ويرى خبراء أن الاضطرابات التي ضربت القطاع ستترك تأثيرات كبيرة على مجمل الاقتصاد، ولن يظهر حجم الكارثة، قبل الربع الأول من العام المقبل. لا بل يذهب بعض المراقبين الإسرائيليين أبعد ليؤكدوا أن الأزمة القضائية التي تسبب بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرّفة، زادت من الانعكاسات وعرّضت الاقتصاد الإسرائيلي برمّته للخطر. ولهذا يمكن القول إن معركة طوفان الأقصى شكلت "الضربة" التي قصمت ظهر القطاع.
الجدير بالذكر أن 30 في المئة من الضرائب التي تحصلّها الحكومة مصدرها قطاع التكنولوجيا، فيما تناهز صادرات القطاع نحو نصف صادرات البلاد، والقطاع هو مصدر نحو 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي.
الشركات الأميركية تتدخل
المخاطر التي تعرّض لها القطاع بعد الحرب على غزة، دفعت بشركات التكنولوجيا الأميركية إلى التدخل، خصوصا وأنها تملك نحو 2500 شركة في إسرائيل وعشرات مراكز الأبحاث والتطوير. بداية المساعدات كانت على شكل رواتب إضافية ومساعدات عينية لدعم مستوطني غلاف غزة والجيش الإسرائيلي، لكن المساعدات سرعان ما تحوّلت إلى دعم تكنولوجي كبير من خلال مجموعة من المشاريع التي بدأ تنفيذها أصلا منذ فترة. أحد هذه المشاريع تقوم بتنفيذه كل من غوغل وأمازون وتبلغ قيمته 1.2 مليار دولار، وهو يهدف إلى مساعدة المؤسسات الحكومية الإسرائيلية على خوض رحلة التحوّل الرقمي، ويتضمن مركز بيانات وخدمات الحوسبة السحابية. ويعدُّ الجيش الإسرائيلي من بين المستفيدين من هذا المشروع، خصوصا على مستوى الذكاء الاصطناعي. وتعتبر منظمات حقوقية في الولايات المتحدة أن استفادة الجيش الإسرائيلي من هذا المشروع تعني حكما استخدام أدوات ذكاء اصطناعي لصالح وحدات الجيش ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
هذه المشاريع المشتركة والدعم الذي تلقته الحكومة والجيش الإسرائيلي من الشركات الأميركية، لم يمرّ في الولايات المتحدة من دون ردة فعل، إذ بدأت حركة المقاطعة الأميركية التي تحمل إسم "لا تكنولوجيا لنظام الفصل العنصري" بنشر معلومات حول دعم غوغل وأمازون للجيش الإسرائيلي في حربه على غزة. ونشر موقع حركة المقاطعة معلومات تفصيلية مؤخرا حول هذا الدعم وطريقة استخدام الجيش الإسرائيلي للتكنولوجيات والشركات الأميركية التي تدعم إسرائيل في حربها على غزة. ويرجّح خبراء أن يكون الذكاء الاصطناعي من بين أبرز الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي حاليا في عدوانه.
لائحة شركات التكنولوجيا الأميركية التي اندفعت لمساعد إسرائيل طويلة، لكن بعضها متورط بعقود تستفيد منها الأجهزة العسكرية مباشرة. ومن بين هذه الشركات "أوراكل إسرائيل"، التي أعلنت في بداية الحرب أنها ستوفر كل الدعم اللازم لحكومة إسرائيل ومؤسساتها العسكرية. وهو ما دفع رئيس شركة أوراكل في إسرائيل عيران فايجنباوم لاحقا للقول: "ليس هناك أي شركة عالمية تقدم دعما لإسرائيل أكثر مما تقدمه شركة أوراكل".
لا شك إن هذه الحرب طرحت العديد من الأسئلة الكبيرة في الولايات المتحدة، لكن بالنسبة للمنطقة طرحت الحرب تحديا أخلاقياً بالغ الأهمية، يتمثّل في مشروعية الاعتماد على خدمات وحلول شركات منخرطة في حرب وصفتها كل المؤسسات الحقوقية والأممية بأنها تنتهك حقوق الانسان وتشكل جريمة موصوفة. ومن المعروف أن ثمة عدد كبير من الشركات التي تقدم هذا النوع من التكنولوجيات والخدمات حول العالم غير منخرطة في الحروب، ولديها سجل أخلاقي معروف في أوساط القطاع التكنولوجي العالمي، وربما بات من الضروري النظر في استبدال الشركات التي تنتهك حقوق الانسان.