منير بركات
لم تنحاز الصهيونية في الحرب العالمية الاولى قبل 1917 إلى أيا من الفريقين المتحاربين .وكان ممثلوها يفاوضون الأتراك والألمان كما الإنكليز والأميركيين، وكانj كل من الدول الكبرى تتسابق إلى كسب ودهم. فالصهيونية تجر وراءها قوى اليهودية العالمية المادية والأدبية .وبفضل الضغط الألماني النمساوي على الأتراك، ظفر الصهيونيون بوعد من السلطان العثماني بان تنشأ بعد الحرب شركة ذات امتيازات واسعة تتولى تسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين. ولكن قبل ان يصادق نهائياً على هذا الوعد في الآستانة، كانت جيوش الجنرال اللنبي قد احتلت فلسطين ولم يعد الاتفاق مع تركيا اية قيمة في نظر اليهود، فأهملوه وأهملوها.
وكانت الاتصالات بين زعماء الصهيونية والحكومة البريطانية قد بدأت في اوائل الحرب، وأدت إلى وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني 1917أرسل وزير الخارجية البريطانية إلى اللورد روتشلد أحد النافذين اليهود الكبار الكتاب الآتي:
"يسرني جداً ان أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك بأن حكومة جلالته تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدها لتحقيق هذه الغاية مع البيان الجلي بان لا يفعل شيئاً يضيرالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين الآن، ولا الحقوق والمركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى ".
هذا التصريح هو "ميثاق الصهيونية "كما حلم به زعيم الحركة الصهيونية هرتزل وطالب به المؤتمر الصهيوني الاول المنعقد في "بال" عام 1897 قال هرتزل :"نأبى ان نتسلل خفية كالمهربين.نريد ان نشعر بأننا سائرون إلى وطننا ومقيمون في ارضنا ومنازلنا".وطالب المؤتمر الصهيوني "بضمانة دولية" تؤمن لليهود حق الهجرة والإقامة في فلسطين.
فوعد بلفور بتقديمه هذه الضمانة، وحقق آمال الصهيونية وفتح صفحة جديدة في تاريخ الشرق بل في التاريخ العالمي وتغييراً في خريطة العالم ستكون له نتائج ليس بمستطاع احد معرفة مداها كما توقع كبار المعلقين على هذا الحدث الكبير .
ونحن اليوم نعيش نتائج تأسيس هذه الدولة العنصرية لا سيما برفضها جزءاً بسيطا من "وعد بلفور" السيئ الذكر القائم على احترام الطوائف غير اليهودية وبسعيها الدائم لتحقيق اطماعها التوسعية من خلال الحروب لإستيعاب وتشجيع الهجرة لجميع يهود العالم .
لكن الحرب الأخيرة في غزة شكلت صدمة وكابحاً كبيراً للمشروع الصهيوني وأدى إلى هجرة عكسية ، وأزمة ثقة في امكانية أستمرار الكيان بسياسته وتركيبه البنيوي الحالي وبسبب رفضه الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وتنامي مقاومته التي تصيب مقتلاً وجودياً في الكيان الصهيوني.