سوليكا علاء الدين
انتهت في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي ، أعمال الحفر والتنقيب في البلوك رقم "9 " دون التوصل إلى وجود أي مكمن للغاز بكميات تجارية كافية. وقد أثار هذا الواقع خيبة أمل كبيرة لدى اللبنانيين الذين كانوا يأملون في الاستفادة من ثرواتهم النفطية المتوقعة. واليوم، مع بداية عام 2024، تُطرح تساؤلات عدة حول مستقبل استكشاف النفط والغاز في لبنان، خاصةً في ظل الأوضاع المتوترة التي تمر بها المنطقة، نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة وما يرافقها من توترات أمنية وجيوسياسية في لبنان. وتتضمّن هذه التساؤلات مصير جولة التراخيص الجديدة التي تم طرحها من قبل مجلس الوزراء وقرار تلزيم البلوكين "8" و "10"، بالإضافة إلى مدى قدرة الحكومة على إدارة هذه العمليات في ظل الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي وتفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة.
وعلى وقع تصاعد أحداث المنطقة، يتخوّف بعض اللبنانيين من أن يؤدي استمرار الحرب إلى عرقلة عمليات الاستكشاف والتنقيب في المياه اللبنانية، نظرًا لقربها من المنطقة المستهدفة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية. كما يخشى آخرون من أن تساهم التجاذبات السياسية في تأخير أو حتى تعطيل المسار البترولي في لبنان. وفي هذا السياق، أشارت مصادر مطلعة لـ"الاقتصاد والأعمال" إلى أن مجلس الوزراء اللبناني أطلق دورة التراخيص الثالثة في المياه البحرية اللبنانية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2023، وتمتد حتى 2 يوليو/تموز 2024. وتشمل الدورة الرقع البحرية التي لا تتضمن حقوقًا بترولية، أي كل من البلوكات 6،5،3،2،1 و7 بالإضافة إلى بلوك رقم "4" الذي أعاد الكونسورتيوم (توتال الفرنسية – إيني الإيطالية – قطر للطاقة) حقوقه إلى الدولة في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفيما يتعلق بالبلوكين "8" و "10"، فقد اتخذ مجلس الوزراء اللبناني قراره بتلزيم الرقعتين بعد أن قدمت هيئة إدارة القطاع توصية تبنّاها وزير الطاقة. ولذلك فلن يتم طرح هذين البلوكين في دورة التراخيص الثالثة إلّا في حال عدم توقيع الكونسورتيوم بقيادة "توتال" على التوصية خلال شهر من صدور القرار، وهو بالأمر المُستبعد وفقاً للمصادر ذاتها. يُذكر أن الكونسورتيوم تقدّم في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعرض مزايدة إلى الدولة اللبنانية للتنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين "8 "و "10 " بالمياه اللبنانية.
أما بلوك رقم "9"، فلا يزال مع الكونسورتيوم الذي يتمتع بحق الاحتفاظ به حتى مايو/أيار 2025، تاريخ انتهاء فترة الاستكشاف الأولى. وعن التقرير التقني المفصل المنتظر تقديمه من المشغل شركة "توتال إنرجيز" حول البلوك "9"، أكدت المصادر عدم وجود أي عقبات تعترض إعداده، إذ من المتوقع أن يبصر النور في شهر مارس/آذار 2024. ومن المقرر أن يتضمن التقرير النهائي للحفر شرحًا مفصلًا عن نتائج الحفر التي تم التوصل إليها، وذلك بعد الانتهاء من جمع البيانات والعينات الناجمة عن أنشطة الحفر خلال فترة الاستكشاف.
هذا وسيتم وضع التقرير في متناول يد الهيئة التي تضغط للإسراع في إصداره، حيث من المتوقع أن تؤثر نتائجه على قرار الكونسورتيوم بشأن البلوك رقم "9"، وتحديداً ما إذا سيتم القيام بحفر بئر ثانية أم لا، وكذلك مصير البلوكين رقم "8" و"10" والبلوكات الأخرى المحيطة. كما أنه سيُوفّر فهمًا جيولوجيًا أفضل للمنطقة، مما يمكن أن يساعد التحالف في اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية وواقعية بشأن مستقبل عمليات الاستكشاف والإنتاج.
وفي شأن تقرير هيئة إدارة البترول الذي عرضته وزارة الطاقة في جلسة مجلس الوزراء، أشارت المصادر إلى أنّ التقرير تضمّن عملية تقييم شاملة في الشقين التقني والتجاري. من الناحية التقنية، اقترحت الهيئة تخفيض مهلة الاستكشاف في البلوكين "8" و"10" ، وتقليص المدة الزمنية وذلك بغية تسريع الأنشطة الاستكشافية. أما على الصعيد التجاري، فقد أكدت الهيئة في تقريرها على ضرورة تحسين الشروط التجارية، ووضعت شرطًا أساسيًا يسمح للدولة اللبنانية بإعادة التفاوض في حال وجود اكتشافات تجارية جديدة ومختلفة عن التقديرات السابقة للتحالف. وذلك من أجل الحفاظ على حقوق الدولة وضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الثروات الطبيعية اللبنانية.
قرار تلزيم البلوكين "8" و"10" وإطلاق دورة التراخيص الثالثة، أعاد إحياء آمال لبنان في الثروات النفطية والغازية، وأنعش فرص الاستثمار في القطاع إلى الواجهة. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه هذه الفرص ، منها استمرار الحرب في المنطقة و تصاعد المخاوف الأمنية وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى النتائج السابقة غير المشجعة؛ إلّا أنّ مشروع التنقيب عن الغاز في بحر لبنان يسير قدمًا، مما يوفر فرصة للبنان لتعزيز اقتصاده وتحسين مستوى معيشة شعبه.
صدمة نتائج البلوك رقم "9" لم تثنِ اللبنانيين عن الأمل في مستقبل أكثر إشراقًا، فما تزال الفرص قائمة في أن تكون الاكتشافات القادمة أكثر إيجابية، وأن تساهم في تحويل الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد منتج قادر على انتشال لبنان من أزماته المتراكمة وتحقيق أحلام شعبه في مستقبل. لكن النجاح في تحقيق هذه الأهداف يتطلب إرساء بيئة آمنة ومستقرة، وتنفيذ الإصلاحات السياسية والقانونية اللازمة واعتماد مبدأ الشفافية والنزاهة. فبدون هذه الشروط، لن يتمكن لبنان من جذب ثقة الشركات العالمية الكبرى، وبالتالي استثمار ثرواته النفطية؛ دون إغفال أن مصير الغاز والبلوكات النفطية الأخرى في لبنان مرهون أيضًا بنتائج التقرير الذي تعده شركة "توتال إنرجيز". فهل سيحمل عام 2024 أي بشائر نفطية للبنان؟