سوليكا علاء الدين
على وقع استمرار الحرب الاسرائيلية على غزة، تواصل جماعة الحوثيين هجماتها على السفن التجارية في البحر الأحمر، مما أدى إلى تصاعد حدة التوترات في المنطقة. فبعد مرور أكثر من شهر على عملية "طوفان الأقصى" وتحديداً في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدأ الحوثيون باستهداف أكثر من سفينة اسرائيلية أو لها علاقة مع إسرائيل، وذلك في محاولة للضغط عليها لوقف الحرب على غزة والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى أهالي القطاع.
أثارت الهجمات المتكررة، وقيام الولايات المتحدة وحلفائها بشنّ عمليات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، موجة من القلق من امكانية تعطيل حركة الشحن في البحر الأحمر وقناة السويس، وعودة الاضطرابات إلى سلاسل التوريد العالمية. وعلى إثر هذه الهجمات، أعلنت شركات الشحن الكبرى عن تغيير مسار سفنها لتجنّب المرور في المنطقة، مما ساهم في ارتفاع تكلفة النقل والتأمين على البضائع والسفن، وزعزعة أسعار النفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تأخير الشحنات وزيادة أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات والوقود، في ظل التخوف من حدوث صدمة تضخمية جديدة بالأسواق العالمية.
عرقلة الشحن والتجارة
يُعد البحر الأحمر أحد أهم الشرايين الحيوية في نظام الشحن العالمي، فهو يربط ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا، ويتدفّق عبره ثلث حركة تجارة الحاويات العالمية. ومن شأن أي خلل مزمن في التجارة أن يؤدي إلى تأثير تصاعدي لارتفاع التكاليف في جميع أنحاء اقتصادات العالم. ومع زيادة وتيرة الهجمات الحوثية، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات تحت اسم "حارس الازدهار" من أجل إجبار الحوثيين على وقف هجماتهم وحماية الملاحة التجارية في البحر الذي يمر عبره نحو 400 سفينة يوميًا.
وقد أظهرت بيانات مؤشر "كييل" التجاري لشهر ديسمبر /كانون الأول 2023 أن هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر أدّت إلى انخفاض حجم الحاويات المنقولة بنسبة 70 في المئة تقريباً، وهو ما يمثل أكثر من نصف الحجم المعتاد. كما تسببت في انخفاض التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المئة في الفترة الممتدة من نوفمبر/ تشرين الثاني إلى ديسمبر/كانون الأول 2023.
و أثار الهجوم الذي وقع على سفينة "ميرسك جبل طارق" وقرار الشركة بإيقاف رحلاتها في البحر الأحمر موجة من القلق في صناعة الشحن، بحيث أعلنت نحو 18 شركة شحن عن تعليق رحلاتها في البحر الأحمر بما فيها “Hapag-Lloyd” و”MSC” و”CMA-CGM” ، بالإضافة إلى عدد من شركات النفط مثل "بريتيش بتروليوم" و"شل"، إما عن تعليق الشحنات مؤقتًا عبر البحر الأحمر أو إعادة توجيه السفن لأسباب تتعلق بالسلامة إلى طريق أطول عبر الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا وهو ما ساهم في اضطراب أسواق الشحن العالمية وزاد من تكاليف الوقود بنحو مليون دولار لكل سفينة. كما ضاعف مدة الرحلة من 7 أيام إلى 20 يوماً ورفع أسعار الشحن إلى أكثر من 4 آلاف دولار للحاوية الواحدة طول 40 قدماً بين الصين وشمال أوروبا حالياً ، مقارنة بنحو 1500 دولار قبل بدء الهجمات.
وجراء ذلك، ارتفعت تكاليف الشحن ومدّة النقل في حركة البضائع بين شرق آسيا وأوروبا بنسبة وصلت إلى 50 في المئة. وأظهرت البيانات استمرار الاتجاه السلبي الطفيف في التجارة العالمية والتبادل التجاري بين الاقتصادات الكبرى. إذ تباطأت التجارة العالمية في ديسمبر/كانون الأول 2023، حيث انخفضت الصادرات الأوروبية بنسبة 2.0 في المئة، والواردات بنسبة 3.1 في المئة. وفي الولايات المتحدة الأميركية، انخفضت الصادرات بنسبة 1.5 في المئة، والواردات بنسبة 1 في المئة، بالرغم من أن الطريق البحرية عبر البحر الأحمر وقناة السويس تلعب دوراً أقل مما هو عليه في أوروبا.
في المقابل، ارتفعت صادرات الصين بنسبة 1.3 في المئة، والواردات بنسبة 3.1 في المئة، وهو ما يخالف الاتجاه العالمي العام حيث قد تُعزى أجزاء من هذه الزيادة إلى الذروة السنوية قبل العام الصيني الجديد. وكانت شركة الشحن الصينية العملاقة المملوكة للدولة "كوسكو" قد أعلنت عن تعليقها عمليات الشحن إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، مع استمرار تصاعد التوترات في الممر الشحن الاستراتيجي.
وشهدت حركة الشحن في البحر الأحمر انخفاضاً دراماتيكياً في ديسمبر/كانون الأول، حيث انخفض متوسط عدد الحاويات المشحونة يومياً بنسبة 66 في المئة، من 500 ألف حاوية في نوفمبر إلى 200 ألف حاوية فقط. ويُعد هذا الانخفاض غير مسبوق في السنوات الأخيرة، حيث يمثل أدنى مستوى للحركة منذ عام 2016.
خطر التضخم
تواجه الشركات العالمية تزايدًا في اختناقات الإمدادات بسبب الهجمات المستمرة التي عطلت تدفق الشحنات عبر الطريق التجاري الرئيسي لقناة السويس. وأظهرت بيانات وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال"، أن طريق قناة السويس يمثل 14.8 في المئة من إجمالي واردات أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا لأكثر من 300 فئة صناعية وأكثر من 6 آلاف منتج. كما أظهر تحليلها أن السلع الاستهلاكية والملابس والمواد الكيميائية كانت من بين القطاعات الأكثر عرضة للخطر.
وأدت الاضطرابات أيضاً إلى زيادة المخاوف من نقص السلع الأساسية، مما قد يتسبّب في ارتفاع الأسعار بشكل كبير وتفاقم التضخم العالمي. وأبدى بنك الاستثمار الأميركي "جي بي مورغان" قلقه الكبير من أن تؤدي الهجمات الحوثية إلى صعود للأسعار وحدوث موجة تضخمية جديدة. وقال البنك إن الزيادات المتجددة في تكاليف الشحن العالمية، الناجمة عن تلك الهجمات، قد تزيد من تضخم أسعار المستهلك خلال الأشهر القليلة المقبلة بشكل واضح. مُضيفاً أن هذا سيقف عائقاً أمام جهود خفض التضخم الأساسي العالمي هذا العام.
من جهته، أفاد موقع "أكسيوس" الأمريكي، في يناير الماضي، أن الاضطرابات المتصاعدة في البحر الأحمر تنطوي على العديد من المخاطر الاقتصادية. إذ من المتوقع أن تأخذ منعطفاً نحو الأسوأ، من شأنها أن تؤدي إلى اختناقات جديدة في سلسلة التوريد العالمية المتوترة بالفعل. وبحسب التقرير، فقد أصبح الوضع بمثابة بطاقة غير قابلة للحل بالنسبة للاقتصاد العالمي الذي يعاني بشكل متزايد من عدم الاستقرار. إذ تثير أزمة البحر الأحمر مخاوف من نقص السلع، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم التضخم وارتفاع الأسعار على مستوى العالم.
وتبعاً للبيانات الصادرة عن "إس آند بي غلوبال كوموديتيز آت سي"، أدّت الهجمات الحوثية إلى رفع أسعار شحن الحاويات المتجهة إلى أوروبا إلى أعلى مستوى لها في 15 شهراً ، حيث بلغ سعر العقود الفورية 6 آلاف دولار للحاوية 40 قدماً، بزيادة يومية نسبتها 20 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ 22 سبتمبر/أيلول 2022. كما زاد عدد الرحلات المتجهة غرباً من آسيا إلى شمال أوروبا بنسبة 30 في المئة، في إشارة إلى إلى تعطل حركة الشحن عبر المضيق. هذا ومن المتوقع أن تستمر شركات الشحن في رفع الأسعار في المستقبل القريب، في ظل استمرار تأثير الصراع في الشرق الأوسط على سوق الحاويات.
كما من المرجّح أن يؤدي تعطيل الشحن عبر البحر الأحمر لفترة طويلة إلى ارتفاع الأسعار والضغط على النمو الاقتصادي في دول العالم، خاصة تلك التي تعاني من ارتفاع التضخم والانكماش الاقتصادي. ففي تقرير نصف سنوي، حذر البنك الدولي من أن تعطيل طرق الشحن الرئيسية من شأنه أن يؤدي إلى تآكل الركود في شبكات الإمداد، مع زيادة احتمالات حدوث اختناقات تضخمية. وذكر البنك في تقريره أنه في ظل الصراعات المتصاعدة، قد تتعرض إمدادات الطاقة إلى اضطرابات كبيرة، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة، الأمر الذي سيؤدي إلى آثار غير مباشرة كبيرة على أسعار السلع الأساسية الأخرى.
أما شركة "كابيتال إيكونوميكس"، فأشارت إلى أن الخطر الأكبر الذي يواجه الاقتصاد العالمي هو ارتفاع أسعار الطاقة. وتوقعت أن يستمر التضخم في التراجع، لكنها لا تزال ترى خطرًا تصاعديًا على الأسعار، إذا ظلت تكاليف نقل الحاويات حول مستوياتها الحالية، أي ما يقرب من ضعف مستوى أوائل ديسمبر/كانون الأول. إذ سيعزز ذلك وحده التضخم العالمي بنحو 0.6 في المئة.
اشتعال أسعار الوقود والتأمين
وفي موازاة ذلك، تسبّبت الهجمات على مضيق باب المندب إلى اضطرابات كبيرة في صناعة التأمين البحري. وأشارت تقديرات بنك "يو بي إس" الاستثماري السويسري إلى أن توجيه السفن حول أفريقيا بسبب الاضطرابات في البحر الأحمر تسبّب في زيادة مدة رحلات الشحن بنحو أسبوعين ونصف، ورفع من الطاقة الاستيعابية الفعلية للرحلة بين آسيا وأوروبا بمقدار نحو 25 في المئة. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الشحن بشكل كبير، فضلاً عن ارتفاع تكلفة التأمين. إذ ارتفعت أسعار شحن البضائع من آسيا إلى شمال أوروبا بنسبة 173 في المئة، مقارنة بما كانت عليه قبل بدء إعادة توجيه السفن في المنطقة، بحسب بيانات شركة "Freightos Terminal".
ونتيجة لذلك، أدرجت سوق التأمين في لندن جنوب البحر الأحمر ضمن المناطق عالية المخاطر، من 15 درجة شمالاً إلى 18 درجة شمالاً. وعليه، يتعين على السفن التي تبحر عبر هذه المناطق إخطار شركات التأمين الخاصة بها مسبقًا، ودفع أقساط إضافية عادةً لمدة تغطية مدتها سبعة أيام. وتسبب ذلك في زيادة تكلفة التأمين التي تدفعها شركات الشحن من 0.5 في المئة إلى 0.7 في المئة وعليه، فمن المتوقع أن تؤدي هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار السلع التي تحملها تلك السفن، وذلك لتغطية تكاليف زيادة بوليصة المخاطر.
من جهة أخرى، أدّى تحول سفن الحاويات وناقلات النفط إلى مسار أطول حول ساحل أفريقيا إلى ازدحام كبير في موانئ تزويد الوقود في جميع أنحاء القارة، وشكّل ضغطاً كبيراً على البنية التحتية للموانئ. وقفز الطلب على وقود السفن في الموانئ الأفريقية، بما في ذلك بورت "لويس" في موريشيوس وجبل طارق والموانئ في جزر الكناري وجنوب أفريقيا. وسجلت المبيعات في كيب تاون ودوربان زيادة كبيرة. كما أدّى إلى تحويل الطلب على الوقود إلى موانئ غرب البحر الأبيض المتوسط على حساب شرق البحر الأبيض المتوسط.
ووفقًا لبيانات شركة "إنتغر 8 فيولز" الموردة للوقود، ارتفعت أسعار وقود السفن منخفض الكبريت الذي تم تسليمه في كيب تاون بنسبة 15 في المئة منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) عندما بدأت الهجمات الحوثية على ناقلات النفط في البحر الأحمر. وبلغ سعر الطن المتري من الوقود 800 دولار تقريبًا.
قناة السويس تنزف
تُعد قناة السويس ممراً هاماً لحركة للتجارة العالمية، فهي أسرع طريق بحري لشحن الوقود والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والمنتجات المصنعة من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا. ويمر عبرها نحو 12 في المئة من التجارة العالمية و30 في المئة من حركة الحاويات العالمية. هذا ويعبر القناة يوميًا ما متوسطه 50 سفينة تحمل بضائع بقيمة تتراوح بين 3 و 9 مليارات دولار أمريكي. كما أنّ مكانتها الاستراتيجية جعلها مركزًا إقليميًا رئيسًا لشحن النفط والمواد الهيدروكربونية الأخرى، حيث تنقل ما يقدر بنحو 10 في المئة من النفط العالمي و8 في المئة من الغاز الطبيعي المسال. وتمثل هذه الكميات شحنات حيوية للاقتصاد العالمي.
وفقًا لشركة تحليلات الشحن “Vortexa”، شهد البحر الأحمر مرور ما يصل إلى 802 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات النفطية يوميًا، خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وخلال عام 2023، تدفق إجمالي 16.2 مليون طن متري، أو 51 في المئة من تجارة الغاز الطبيعي المسال، من حوض الأطلسي شرقًا عبر قناة السويس، بينما مر 15.7 مليون طن متري عبر القناة من حوض المحيط الهادئ غربًا. كما تم شحن ما يقارب 15 في المئة من البضائع المستوردة من آسيا والخليج عن طريق البحر إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك 21.5 في المئة من النفط المكرر وأكثر من 13 في المئة من النفط الخام، حسب بيانات شركة “S&P Global Market Intelligence”.
وحققت قناة السويس في العام المالي 2022-2023 عائدات مالية قياسية بلغت 9.4 مليار دولار، بزيادة قدرها 35 في المئة عن العام السابق، حسب ما أعلنته رئاسة هيئة قناة السويس في يونيو/حزيران الماضي. حيث أظهرت هذه الأرقام أنها شريان حياة للاقتصاد المصري، الذي يواجه مأزقاً اقتصادياً. وتعكس هذه الأرقام أهمية قناة السويس للاقتصاد المصري، الذي يواجه تحديات اقتصادية كبيرة. هذا ويخشى المراقبون أن يؤدي استمرار الصراع البحري إلى انخفاض كبير في إيرادات قناة السويس، مما سيزيد من الضغط الاقتصادي، وقد يؤدي إلى تخلف مصر عن سداد ديونها الخارجية البالغة نحو 165 مليار دولار.
وفي عام 2021، تسبب جنوح سفينة حاويات في القناة إلى تعطيل حركة الملاحة لمدة ستة أيام. وأشارت التقديرات إلى أن هذا التعطيل أدى إلى خسائر بلغت حوالي 10 مليارات دولار يوميًا نتيجة إغلاق الممر المائي. اليوم ومع لجوء شركات الشحن إلى تغيير مسار البحر الأحمر، أشار صندوق النقد الدولي إلى انخفاض حركة نقل البضائع عبر قناة السويس بنسبة 35 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ورصد الصندوق خلال الفترة عينها زيادة في نقل البضائع عبر طريق رأس الرجاء الصالح في أفريقيا بنسبة 67.5 في المئة.
وفي موازاة ذلك، كشفت رئاسة هيئة القناة عن تراجع عائدات القناة بالدولار بنسبة 40 في المئة منذ بداية العام مقارنة بعام 2023، بسبب إعادة توجيه السفن. كما تراجعت حركة عبور السفن بنسبة 30 في المئة في الفترة من 1 إلى 11 يناير/كانون الثاني من العام الجاري، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وأوضحت أن عدد السفن العابرة لقناة السويس انخفض إلى 544 سفينة حتى منتصف يناير هذا العام، مقابل 777 سفينة في الفترة نفسها من العام 2023.
استقرار في مهب الحرب
تُشكل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، أحد أهم طرق نقل النفط الخام والغاز الطبيعي، مصدر قلق كبير لأمن الطاقة العالمي وتجارة البضائع الجافة، لا سيما في أوروبا، التي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة من الشرق الأوسط. وقد أدت الضربات التي شنتها الولايات المتحدة ردا على هجمات الحوثيين إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة 4 في المئة، متجاوزة 80 دولاراً للبرميل ، قبل أن تتراجع المكاسب إلى حوالي 1 في المئة بحلول نهاية اليوم ذاته.
وعلى الرغم من تحويل الإمدادات من قناة السويس، لم تؤثر التوترات في البحر الأحمر بشكل كبير على أسعار الطاقة، التي ظلت مستقرة إلى حد ما. وكشف تحليل أجرته "رويترز" لبيانات تتبّع السفن استقرار حركة ناقلات النفط والوقود في البحر الأحمر في ديسمبر/كانون الأول 2023، على الرغم من تغيير مسارات العديد من سفن الحاويات. وأدت الهجمات الحوثية إلى ارتفاع كبير في تكاليف الشحن وأقساط التأمين، لكنها لم تؤثر بشكل كبير على تدفقات النفط، حيث تتركز الهجمات على سفن البضائع غير النفطية، مما قلل من التأثير على إمدادات الطاقة العالمية.
كما أظهرت بيانات من خدمة "ماري تريس" لتتبع السفن أن متوسط حركة ناقلات النفط والوقود في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن بلغ في ديسمبر/كانون الأول 76 سفينة يوميًا. ويعد هذا المعدل مشابهًا لمتوسط حركة السفن في الشهر السابق، حيث بلغ 78 سفينة يوميًا، كما أنه يقل بمقدار ثلاث سفن فقط عن المتوسط خلال أول 11 شهرًا من عام 2023، والذي بلغ 79 سفينة يوميًا. من جهتها، أشارت خدمة "كبلر" لتتبع السفن إلى أن حركة ناقلات النفط والوقود في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن بأكملها شهدت زيادة طفيفة في ديسمبر/كانون الأول، حيث بلغ متوسط عدد السفن التي عبرت المنطقة يوميًا 236 سفينة، وهو ما يزيد قليلاً عن المتوسط اليومي البالغ 230 سفينة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وتبعاً لأرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فقد ارتفعت عمليات نقل النفط الخام المتجهة شمالًا عبر قناة السويس وخط أنابيب سوميد في مصر بنسبة 60 في المئة في النصف الأول من عام 2023 مقارنةً بعام 2020. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها تعافي الطلب في أوروبا والولايات المتحدة بعد جائحة "كوفيد-19". كما شهدت الشحنات المتجهة جنوبًا عبر قناة السويس ارتفاعًا كبيرًا بين عامي 2021 و2023، حيث استحوذت صادرات النفط الروسي على 74 في المئة من حركة النفط المتجهة جنوبًا في النصف الأول من عام 2023، مقارنة بـ30 في المئة في عام 2021.
وذكرت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس البحثية" أن التوترات في الشرق الأوسط لم تتسبب حتى الآن في ارتفاع أسعار النفط، حيث لم يتأثر إنتاج الخام بشكل كبير. ويرجع ذلك أيضًا إلى ضعف الطلب العالمي و عدم تعطل إمدادات النفط في المنطقة، التي تبلغ حصتها 36 في المئة من الإمدادات العالمية ونمو الإنتاج من مصادر أخرى.
وأشارت إلى أن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الصراع في الشرق الأوسط لن يتطور إلى صراع إقليمي أوسع، مما يقلل من احتمال حدوث اضطراب كبير في إنتاج النفط العالمي. و وتوقعت المؤسسة أن يبدأ تحالف "أوبك + " في زيادة إنتاجه في أبريل المقبل، مما يحافظ على توازن السوق ويدعم سعر مزيج برنت عند حوالي 75 دولارًا للبرميل بنهاية العام.
ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف من إمكانية اندلاع حرب إقليمية ودخول إيران فيها، وانتقال التصعيد خاصة إلى مضيق هرمز يُنذر بارتفاع أسعار النفط. إذ يمر عبر المضيق ، الذي يربط الخليج العربي بخليج عمان، حوالي 17 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، أي ما يقرب من سدس الإمدادات العالمية. وفي حال انخراط إيران، التي تعد مصدرًا رئيسيًا للنفط، في الصراع، فقد تهدد بإغلاق المضيق الحيوي، مما يؤدي إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية.
ووفقاً لما ذكره محللون من "غولدمان ساكس" فإن علاوة المخاطر الجيوسياسية المسعرة في أسعار النفط تبدو الآن متواضعة، وذلك لأن الصراع في الشرق الأوسط لا يؤثر حاليًا على إنتاج النفط. وتوقعوا أن ترتفع أسعار النفط بنسبة 20 في المئة في الشهر الأول من توقف الملاحة في مضيق هرمز، وهو سيناريو غير مرجح. أما في حالة تمديد التوقف، فقد تتضاعف أسعار النفط مؤقتًا، وهو احتمال أقل.
تواجه الاقتصادات العالمية تحديات متزايدة، وفي حال استمرار الحرب على غزة، من المتوقع أن تتفاقم الأزمة وأن تستمر هجمات البحر الأحمر في التأثير على الاقتصاد العالمي نظراً إلى الدور الفعال الذي يلعبه في عملية الشحن ، إذ يبقى البحر الأحمر هو الممر الأكثر فعالية وحيوية وتبقى التجارة الدولية تحت رحمة أمنه واستقراره وحتماً الحرب الدائرة.