التعاون يفتح أبواب العصر الرقمي

26.01.2024
عمار طبا
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم عمار طبا - نائب رئيس هواوي للعلاقات العامة والإعلام في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى

تتسارع خطى التحول الرقمي لتزيح الستار عن فصول جديدة أصبح فيها الذكاء الاصطناعي سمة أساسية، فنحن اليوم على أعتاب عالم جديد ذكي يبشّر بفرص كبيرة، لكنه ينذر في الوقت ذاته بتحديات جمّة. وقد قطعت الرقمنة في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات بالتحديد شوطاً طويلاً أصبحت فيه ذراع دعم كبير لتحقيق أهداف التنمية والتطوير ضمن مختلف القطاعات والصناعات الأخرى التي تتمثّل في تحسين جودة المنتجات والخدمات وكفاءة العمليات من خلال تطبيق التقنيات المتطورة.

تختلف متطلبات التحول الرقمي من شركة إلى أخرى، ومن غير الواقعي أن يكون بمقدور موفّر واحد لمنتجات وخدمات التحول الرقمي التعامل مع القائمة الواسعة للمتطلبات والتحديات الخاصة بالطيف الكامل للأعمال بمختلف التخصّصات. ومن المنطقي أن تعتمد تطورات التحول الرقمي في دول المنطقة على التعاون المنهجي بين شركات التكنولوجيا وشركائهم لاستكشاف آفاق التعاون في مجال استغلال الفرص الاستراتيجية الجديدة التي تتيحّنها التقنيات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي والسحابة والطاقة الخضراء، مدعومة جميعها بإمكانيات متطورة للأمن السيبراني. وكل ذلك يعني إعطاء أولوية لبناء النظام الإيكولوجي لتقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة.

يتمحور بناء نظام إيكولوجي مناسب حول الشراكة والتعاون الفاعل بين مختلف الشركاء من الموردين والحكومات وشركات القطاعين العام والخاص والأوساط الأكاديمية ومعاهد البحوث وحتى المستخدمين النهائيين. ومن أهم أهدافه تعزيز الابتكار المشترك للوفاء باحتياجات القطاعات المختلفة ومواجهة التحديات المتوقع بروزها في المستقبل. ولا شك أن تطوير نظام إيكولوجي يدعم التنمية المُستدامة ويدفع عجلة بناء الاقتصاد الرقمي.

البنية التحتية القوية لتقنية المعلومات والاتصالات ولاعبها الأول شركات الاتصالات تنطوي على فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة. وكلما استفادت شركات الاتصالات من تقنيات الاتصالات المتطورة كالجيل الخامس، ارتفع سقف الناتج على مستوى الشركات والأفراد. ووفقاً لبحث أجراه القسم المتخصص في الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول "جي إس إم إيه إنتيليجنس"، سيكون هناك 9.8 مليار اتصال عبر الهاتف المحمول بحلول عام 2030، ومنها 5.3 مليار اتصال عبر شبكات الجيل الخامس 5G. كما تشير الدراسة إلى أن حصول زيادة بنسبة 10% في اعتماد الهاتف المحمول ستؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1%.

دور كبير للـ 5G

اليوم، بات من الواضح أثر تقنية الجيل الخامس (5G) في دفع عملية التحول الرقمي ضمن مختلف القطاعات. وتم تصنيفها كجزء حاسم من التحول الاقتصادي الجديد، حيث يسهم تطبيقها في إحداث ثورة رقمية ضخمة وتعزيز الاقتصاد العالمي. وخلافاً لأجيالها السابقة، يشهد مسار تطوير تقنية الجيل الخامس العالمية مستوى غير مسبوق من السرعة، وتوفر ميزات جديدة للأفراد والمؤسسات على حد سواء. ويُعد بناء نظامها الإيكولوجي ركيزةً أساسية للاقتصاد الرقمي في المنطقة التي باتت بعض دولها على قائمة رواد التطبيق الناجح لتقنية الجيل الخامس عالمياً. ويشكل العمل الوثيق بين الشركاء في مجال التركيز على التطبيقات المبتكرة وحالات الاستخدام الداعمة لتطوير مختلف القطاعات والصناعات المسار الأمثل لتعزيز أطر بناء النظام الإيكولوجي لهذه التقنية وتسريع نجاحها على المستوى التجاري، وبالتالي تسريع نجاح وناتج الاقتصاد الرقمي في للمنطقة.

تعتبر شبكات الجيل الخامس المتقدمة (5G-A) التي بدأت ثمارها تظهر للعيان، الموجة الثانية من تقنية الجيل الخامس. وينبغي خلال المرحلة الحالية تعزيز تضافر جهود الشركاء لتحفيز تطوير مزيد من أوجه بناء نظامها الإيكولوجي على مستوى الأجهزة والتطبيقات. ومن أبرز مزايا شبكات الجيل الخامس المتقدمة القدرة على ترقية قدرات الشبكة بواقع 10 مرات، ودعم تجارب الاتصال بسرعة 10 جيجابت في الثانية، وتمكين إجراء 100 مليار اتصال، وزيادة قدرات الذكاء للعديد من الخدمات. ويستفيد مفهوم هواوي لـ "مجتمع الجيغابت" من هذه التكنولوجيا عبر مجالات عدة لتمكين عصر الاتصال المدعوم بقدرات الذكاء الاصطناعي الذي يفتح المجال واسعاً أمام فرص جديدة للنمو والابتكار عبر مختلف القطاعات.

السحابة تدعم التحول

تقنيات السحابة أحد أسس الاقتصاد الرقمي الهامة. ويجب على مزودي الخدمات السحابية التركيز على تطوير نظام إيكولوجي يجمع بين تطبيقات العديد من الصناعات، ويشمل منصة تزود الشركاء والمطورين بالابتكارات والحلول الجديدة. وفي هذا السياق، ضمت "هواوي كلاود" خلال عام 2023 أكثر من 80 شركة جديدة من أسواق المنطقة لبرامج الشراكة لديها، ليصل عدد شركاء النظام الإيكولوجي السحابي في المنطقة إلى 288 شريكاً. وفي إطار الحرص على تقديم حلول سحابية تناسب احتياجات مختلف القطاعات والصناعات، وتراعي ثقافة وطبيعة المجتمعات والأعمال في المنطقة، طرحت "هواوي كلاود" نموذج "بانجو" Pangu لإعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي للقطاعات. وكشفت عن أول نموذج عربي تجاري من نوعه تم تدريبه بمئات المليارات من المؤشرات، متفوقاً على النماذج المماثلة في القدرة على الفهم وتوليد الاستجابات.

الرقمنة وصداقة البيئة ممثلة في عالم التكنولجيا بخفض الانبعاثات الكربونية مساران متلازمان يمهدان الطريق للمستقبل المُستدام الذي تنشده دول المنطقة. وتماشياً مع نهج الاستدامة، يستفيد فرع أعمال الطاقة الرقمية "ديجيتال باور" Digital Power الذي أطلقته هواوي في أسواق المنطقة من بيانات الطاقة الذكية للمساعدة في تحقيق الحياد الكربوني. وتُعد "مقرات العمل صفرية الانبعاثات" Net Zero Campus   ومنتجات ونماذج أعمال تقنية المعلومات والاتصالات منخفضة الانبعاثات التي تم تطبيقها في العديد من أسواق المنطقة أدوات دعم عملية لتحقيق التزامات الدول بحيادية الكربون بما يتماشى مع أهدافها واستراتيجياتها الوطنية للاستدامة، وكذلك أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وضمن هذا الإطار، تنفذ هواوي "ديجيتال باور" استراتيجية طموحة لبناء النظام الإيكولوجي في المنطقة بهدف تعزيز نهج التعاون في مجال إنتاج واستهلاك الطاقة الخضراء.

معايير ومقاييس عالمية

كذلك يتضمن نهج العمل على بناء النظام الإيكولوجي لتقنية المعلومات والاتصالات التعاون مع المؤسسات المعنية بإرساء المعايير والتحالفات الخاصة بكل قطاع، والعمل مع الشركاء على تعزيز الابتكارات وتسهيل وضع وتنفيذ المعايير والمواصفات ذات الصلة. وهواوي اليوم عضو نشط في أكثر من 800 منظمة دولية معنية بوضع المعايير والتحالفات القطاعية والمجتمعات مفتوحة المصدر والجمعيات والأكاديميات. وعملنا على إنشاء منصات للتعاون القطاعي مع منظمات متخصصة ومراكز بحثية وأكاديميات ومؤسسات من جميع أنحاء العالم، نتعاون من خلالها مع شركائنا على إيجاد حلول كفيلة بمواجهة تحديات قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات. وفي المنطقة، كانت هواوي أول شركة تقنية متعددة الجنسيات تنضم إلى عضوية فريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في منظمة التعاون الإسلامي (OIC-CERT) عام 2021، وهواوي تعمل معهم عن قرب لدعم شركائنا في مجال تعزيز معايير أمان الجيل الخامس بالتوافق من أفضل المعايير والممارسات الدولية.

توفير الأمن الرقمي

تطرح التطورات الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي والأعمال القائمة على البرمجيات تحديات غير مسبوقة في مجال الأمن السيبراني للبنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات. ويدرك شركاء تقنية المعلومات والاتصالات بأن مسؤولية حماية الأمن السيبراني لا يمكن أن تقع على عاتق جهة واحدة، بل هي مسؤولية جماعية تشمل كافة الجهات المعنية بالقطاع وحتى أفراد المجتمع.

ويدرك الجميع بأن الطريق الصحيح للأمن السيبراني يمرّ بالالتزام بالمعايير الدولية الموحدة والعمل المشترك على إنشاء منظومة للأمن السيبراني تضمن مصلحة مختلف الأطراف. ويتعين على الجهات التنظيمية وخبراء القطاع والحكومات استغلال وجود معايير المنظمات المتخصصة المتفق عليها والمثبت جدواها كالاتحاد الدولي للاتصالات، والجمعية الدولية للهاتف المحمول، فبدونها ستكون الابتكارات القطاعية مقيدة ولا ترتقي لمستويات الأمان المطلوب، ولربما كان من الصعب تحديد المخاطر فيها بوقت مبكر.

وعلى رأس قائمة متطلبات بناء النظام الإيكولوجي الرقمي المطلوب، تبقى المواهب التقنية الرقمية العامل الأهم لنجاح بناء النظام الإيكولوجي ودفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في دول المنطقة. ويجب إعطاء أولوية قصوى لتقليص الفجوة بين العرض والطلب على المواهب بما يتوافق مع واقع ومستجدات التقنيات الحديثة التي دخلت السوق، ولربما لم يتم مجاراة مستجداتها من قبل معظم الجامعات والأكاديميات على الوجه الأمثل في مناهجهم التدريسية. وفي هذا الإطار، تعتبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال تدريب الشباب وصقل مهاراتهم وإعداد قادة المستقبل التقنيين من أهم مجالات خطط العمل على بناء النظام الإيكولوجي لتقنية المعلومات والاتصالات.

وفي الختام، تبقى عناصر الانفتاح والشفافية مفاتيح رئيسية لنجاح نهج الشراكة والتعاون لبناء النظام الإيكولوجي الرقمي لتقنية المعلومات والاتصالات وتعزيز قيمته بالنسبة للقطاعات الأخرى. ومن خلال التعاون المنفتح على الآخر، يتم تعزيز ثقافة الابتكار ودفع عجلة تطبيقاته ضمن مختلف المجالات لإثراء حياة الشعوب بميزات التكنولوجيا.