علي الشدي
صعوبة التقاضي مشكلة تعانيها معظم دول العالم، ومنها دول توصف بأنها متقدمة مثل فرنسا وبريطانيا، حيث يستغرق نظر القضايا في المحاكم شهورا وربما أعواما، وتغيب في هذه الحالة مبادئ العدالة والشفافية، وترتفع الشكوى من الدوائر العدلية التي يفترض أن تكون أول من يطبق تلك المبادئ.. وفي بلادنا كانت هناك معوقات عامة من هذا النوع لم تكن من غياب العدالة إنما من بطء الإجراءات في نظر القضايا وتنفيذ القرارات، وكان مجرد الحصول على موعد في المحاكم يتطلب انتظارا قد يصل إلى عدة شهور، وإضافة إلى أثر ذلك في المواطن العادي كان هناك أثر سلبي في إقبال المستثمر الأجنبي على دخول السوق السعودية، ويعد السؤال عن سهولة التقاضي من الأسئلة المهمة قبل دخوله في أي بلد من بلدان العالم.
ومع انفتاح السوق السعودية عالميا بدأت قبل نحو ثمانية أعوام وبمتابعة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عملية تطوير شاملة للأنظمة في جميع القطاعات ومنها التطور التشريعي في المرفق العدلي، كما قال د.وليد الصمعاني وزير العدل في لقائه أخيرا مع كتاب الرأي "إن الدعم اللا محدود للمرفق العدلي من القيادة كان له الأثر الكبير في المنظومة العدلية"، وتطرق الوزير إلى التشريعات المتخصصة وآلية إعدادها في ضوء أفضل الممارسات الدولية مع الحرص على ترسيخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان.. وهكذا تغيرت الصورة تماما وشهد المواطن أولا والمستثمر ثانيا تغيرا إيجابيا في سرعة إنجاز المعاملات العدلية، وكل منا قد لمس ذلك حتى أصبح بالإمكان نقل ملكية عقار أو إصدار وكالة رسمية أو تصديق العقود والوثائق خلال دقائق معدودة عبر إجراءات إلكترونية سريعة، لكنها تتسم بالدقة وحماية المستندات وفق أعلى درجات الحوكمة العدلية المطلوبة، وهذا ما وفر الطمأنينة على الحقوق للأفراد والشركات.. وعودة إلى حديث وزير العدل حيث أكد على عدد من النواحي التي أسهمت في تطوير الجانب الموضوعي في القضاء، ومن أبرزها اكتمال البيئة التشريعية من الناحيتين الموضوعية والإجرائية وترسيخ البناء المؤسسي للقضاء وإطلاق المبادرات التحولية، وأكد الوزير أيضا أن رفع كفاءة العاملين في المنظومة العدلية يقوم على أسس أهمها الجوانب المهنية مع ضرورة أن تتوازن في عملية التطوير جوانب التمكين والمسؤولية والحياد والموضوعية والتجرد، وهذه الصفات لا بد أن تكون واضحة لكل أفراد العدالة ولا سيما القاضي والمحامي.. وختم حديثه بالقول "إن التحول الرقمي ليس تحولا للضمانات والبنية التحتية فقط، إنما في ضبط الإجراءات وتعزيز الشفافية وتحقيق ومراقبة الضمانات القضائية من النواحي الموضوعية والتشريعية".
وأخيرا: بعد هذه النقلة النوعية للمنظومة العدلية وعلى الجانب الاقتصادي أظهرت الأرقام أن تطوير مرفق القضاء السعودي كان من أهم عوامل تحسين بيئة الاستثمار واستقطاب المستثمرين الأجانب أفرادا وشركات، حيث ارتفعت قيمة الاستثمارات الأجنبية في جميع المجالات وبلغ إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر 762 مليار ريال في نهاية عام 2022، وفي الربع الثالث من عام 2023 بلغت التدفقات الداخلة للاستثمار الأجنبي 17 مليار ريال.. والخلاصة أن الخطوات التي اتخذت في المنظومة العدلية قد أثرت إيجابا في جودة الحياة للمواطن وتحسين البيئة الاستثمارية، وبالتالي دعم الاقتصاد الوطني، وكل ذلك تم بإدارة سعودية عملت بجد وإخلاص حتى أنجزت في وقت قياسي تحقيق هذه النقلة النوعية لهذا المرفق الحيوي المهم.
نقلاً عن موقع "الإقتصادية"