الريادة الرقمية السعودية
مستقبلٍ أفضل للخدمات الحكومية

26.02.2024
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

رغم الظروف الصعبة والأزمات المتتالية، تشهد المنطقة العربية نهضة رقمية ملحوظة تتجلّى في التطورات  المتسارعة في مجال الخدمات الحكومية الرقمية. ففي بعض الدول العربية، لم يعد مشهد طوابير الانتظار الطويلة للحصول على وثيقة  رسمية أمراً مألوفاً، كما أصبحت المنصات الرقمية حقيقة واقعة تقدم مختلف الخدمات للأفراد والمؤسسات، بما في ذلك الخدمات التي كانت معقدة في السنوات السابقة مثل تجديد جواز السفر وتقديم طلبات المعونات الاجتماعية وإجراء المعاملات الضريبية. ويساهم هذا التطور في توفير الوقت والجهد والعناء على طالبي الخدمة، وفي تحقيق جهود التنمية الشاملة على المستوى الوطني، بما ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة، لا سيما تلك المتعلقة بتعزيز المعرفة الرقمية والإدماج الرقمي والابتكار وتعزيز كفاءة المؤسسات.

وجهة رقمية

ضمن سعيها لقياس مدى نضوج الخدمات الحكومية المقدمة عبر البوابات الإلكترونية والتطبيقات النقّالة في الدول العربية، أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" تقريرها السنوي بعنوان "مؤشر نضوج الخدمات الحكومية الإلكترونية والنقّالة “GEMS-2023. يُقدم التقرير تحليلاً شاملاً لواقع الخدمات الحكومية الإلكترونية في المنطقة العربية، كما يرمي إلى توفير أداة قيمة لصانعي القرار وواضعي السياسات لتوضيح بعض الأبعاد التي لا تُغطّيها العديد من المؤشرات الدولية حيث يعتمد على ثلاث ركائز أساسية تُعنى بقياس توافر الخدمة ومدى تطورها (تُمثل جانب العرض للخدمات الحكومية الإلكترونية)، تقييم مستوى استخدامها ورضا المستخدم حيالها (تُمثل جانب الطلب على الخدمات الحكومية الإلكترونية )، وتحديد الجهود الحكومية المبذولة لإيصالها إلى الجمهور( تُمثل جانب إدماج هذه الخدمات).

ومنذ إطلاقه عام 2019، يواصل مؤشر "GEMS" للعام الخامس على التوالي تقييم أداء أكثر من 350 مؤسسة حكومية في المنطقة العربية، بما في ذلك أكثر من 830 خدمة رقمية تقدّمها هذه المؤسسات، وذلك بمشاركة 17 دولة عربية هي: الأردن، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وتونس، والجزائر، والجمهورية العربية السورية، والصومال، والعراق، وعمان، ودولة فلسطين، وقطر، والكويت، وليبيا، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، وموريتانيا، واليمن. ويقوم المؤشر بتوثيق البيانات التي تمّ تجميعها من الاستمارات التي أرسلها ممثلو الجهات الحكومية المشاركة إلى الإسكوا. كما يُقدم نتائج التقييم بالإضافة إلى اقتراحات لتعزيز التحوّل الرقمي للخدمات الحكومية وإتاحتها عبر القنوات الرقمية على المستوى الوطني.

التعليم والمرافق في الصدارة

في نسخته الخامسة، أجرى المؤشر تحليلًا شاملاً لـ 84 خدمة حكومية مقدّمة للأفراد والشركات. وأظهرت نتائج التقييم أن خدمات التعليم (مثل إصدار الوثائق التعليمية وكشف العلامات الرسمية، والتقديم على منح دراسية عامة أو تجديدها أو سحبها) وخدمات المرافق (مثل تسديد فواتير الكهرباء) هي الأكثر انتشارًا من حيث الخدمات الخمس الأكثر شيوعًا في التقييم حسب عدد الدول التي استخدمتها. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الخدمات الإطلاعية ما زالت من أكثر الخدمات استخدامًا في المنطقة العربية، مثل الاطلاع على القوانين المدنية واللوائح الناظمة، والاطلاع على التقارير والإحصاءات الحكومية.

 

أما بالنسبة للخدمات التي ازداد ورودها بين عامي 2022 و 2023، فقد تمت ملاحظة ازدياد خدمات المرافق مثل تسديد فواتير الكهرباء، وتقديم شكاوى عن المرافق، ودفع رسوم بلدية، وذلك لأهميتها وارتفاع الطلب عليها من قبل الأفراد. في المقابل، ازداد ورود خدمة إذن استيراد معدات صناعية نظرًا لأهميتها في عمل المؤسسات.

ومن ناحية القطاعات وتوزيع الخدمات فيها، فقد تصدرت قطاعات المرافق والتعليم والشؤون الحكومية المشتركة قائمة القطاعات من حيث نسبة الخدمات المُقيمة في كل قطاع في عام 2023. وعلى مستوى النتائج التي أحرزتها القطاعات على مستوى المنطقة العربية، أظهر متوسط نتائج الخدمات المُقيمة في كل قطاع تصدر قطاعات المرافق والداخلية والتعليم. في مقابل ذلك، ما زالت بعض القطاعات الأخرى بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لرقمنة خدماتها، مثل العدل والسياحة.

نموذج استثنائي

وفقًا لتقرير الإسكوا، احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى في مؤشر "GEMS" لعام 2023 بنسبة 93 في المئة، تلتها الإمارات العربية المتحدة بنسبة 92 في المئة وقطر بنسبة 81 في المئة وعُمان بنسبة 66 في المئة. وجاء الأردن في المرتبة الخامسة بنسبة 64 في المئة.

وبتفاصيل النتائج، توزعت الدول العربية المشاركة على ثلاث مجموعات رئيسية.  المجموعة الأولى ضمّت الدول التي حققت قيمًا أعلى من 50 في المئة، وهي كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان والأردن والكويت والبحرين. وشملت المجموعة الثانية الدول التي حققت قيمًا أقل من 50 في المئة وأعلى من 10 في المئة، وتألفت من المغرب والجزائر وتونس ودولة فلسطين والعراق والجمهورية العربية السورية. أما المجموعة الثالثة فتضمّنت الدول التي حققت قيمًا أقل من 10 في المئة، مثل موريتانيا وليبيا والصومال.

وعنـد النظـر فـي ركائز المؤشـر، أظهر التقييم تباينًا كبيرًا في نتائج الدول العربية المشاركة في الركيزة الأولى وتطورها ، حيث تفاوتت القيم بين 5 في المئة و 98 في المئة. وانقسمت النتائج وفقاً لهذه الركيزة إلى أربـع مجموعـات: المجموعـة الأولى ضمّت قَيما حققت أعلى من 80 فـي المئة (المملكـة العربيـة السـعودية، والإمارات العربيـة المتحدة وقطـر). وشملت المجموعة الثانية عمـان، والأردن، والكويـت، والبحرين، والمغـرب وتراوحت قيم هذه الدول  بين 50 و 80 في المئة. أما المجموعة  الثالثة فتضمّنت القيم الواقعة بيـن 10 و50 في المئة  وتألفت من تونـس، والجزائر، ودولـة فلسـطين، والعـراق، والجمهورية العربية السـورية. في حين ضمّت المجموعة الرابعة الدول التي حققت أداءً منخفضًا مثل اليمن وليبيا وموريتانيا والصومال. وبالمقارنة بنتائج الركيزة نفسها في عام 2022، شهدت النتائج المسجلة في أغلب الدول ارتفاعاً ملحوظاً مما يؤكد على الاهتمام بتوفير الخدمات رقميا وتطويرها.

وفيما يتعلـق بنتائـج الركيـزة الثانية، وهي اسـتخدام الخدمـة ورضـا المسـتخدم حيالها ، فتراوحت القَيـم بيـن 3 و84 فـي المئة. وتباينت النتائج بشكل كبير بين الجهات المشاركة، حيث تخطّت سبع دول عتبة 50 في المئة  في الرضا عن الخدمات الإلكترونية، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن والكويت وعمان والبحرين. وبالمقارنة بنتائج عام 2022، فقد ارتفعت أغلب القيم، في إشارة إلى تحسن بسيط في استخدام الخدمات الإلكترونية ورضا المستخدمين عنها.

أما نتائج الركيزة الثالثة وهي الوصول إلى الجمهور، فتراوحت نسبتها بين 5 و 100 في المئة. إذ تجـاوزت تسـع دول عربية عتبة الـ 50 فـي المئة، وهي المملكـة العربيـة السـعودية، والإمارات العربيـة المتحدة، وقطر، وعمـان، والبحريـن، والكويـت، والأردن، والجزائر، والمغرب. وبالمقارنة مع نتائج عام 2022، فقد تبيّن ارتفاع قيم الركيزة الثالثة في أغلب الدول المشاركة في التقييم.

تحديات وفرص

أظهر تقرير مؤشر نضوج الخدمات الحكومية الإلكترونية والنقالة لعام 2023 ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الخدمات الحكومية الرقمية في قطاعات المرافق والتعليم والشؤون الحكومية المشتركة. وعلى مستوى نتائج الخدمات المُقيمة بحسب كل قطاع، فقد حقق قطاعا المرافق والداخلية أعلى النتائج بين جميع القطاعات الأخرى. وأكدّ التقرير أنّ الزيادة المطردة في عدد الخدمات المُقيمة سنويًا تُعدّ دليلًا قاطعًا على تبني الدول العربية للتحول الرقمي بوتيرة متسارعة، خاصة في مجال رقمنة الخدمات الحكومية.

ومن جهتها، أظهرت المقارنة بين عامي 2022 و 2023 إحراز تقدم ملموس في نتائج مؤشر "GEMS" الإجمالية في معظم الدول العربية. ويُعد هذا الارتفاع إشارة إيجابية على الجهود الحثيثة المبذولة من قبل الدول العربية لتطبيق التحول الرقمي على المستوى الوطني في مختلف القطاعات التنموية، مما يُعزز من الشفافية والكفاءة في العمل الحكومي.

كما بيّنت نتائج تقييم المؤشر الإجمالي لعام 2023 اتساع الفجوة في نضوج الخدمات الحكومية الرقمية مقارنة بعام 2022، حيث تراوحت نسبة النضوج بين 4 و 93 في المئة. ويمكن التمييز بين أربع مجموعات مختلفة هي: مجموعة النضوج المتقدم جدا، ومجموعة النضوج المتقدم، ومجموعة النضوج المتوسط، ومجموعة النضوج المبكر، ولكل منها سرعتها الخاصة في التحول الرقمي. وتُشير هذه الفجوة إلى الحاجة إلى دعم الجهود المبذولة لرقمنة المزيد من الخدمات الحكومية في مختلف القطاعات، والاستفادة من تبادل الخبرات بين الدول العربية لتسريع عملية التحول الرقمي.

دعم لردم الفجوة

في الختام، قدم التقرير سلسلة من التوصيات الهادفة من أجل تحسين جودة الخدمات الإلكترونية في الدول العربية. على مستوى ركيزة توفر الخدمة وتطورها، أوصى التقرير بضرورة تعزيز البنية التحتية التكنولوجية، وإتاحة المزيد من الخدمات إلكترونياً ورقمنة مراحلها المختلفة بالكامل، وتوفيرها عبر وسائل مختلفة كالبوابة الإلكترونية أو التطبيقات النقالة لا سيما بالنسبة للدول الأربع التي حصلت على نتيجة أقل من 10 في المئة.

وعلى مستوى ركيزة استخدام الخدمة ورضا المستخدم حيالها، وبالرغم من تسجيل سبع دول عربية قيمًا أعلى من 50 في المئة، بقي متوسط هذه الركيزة هو الأدنى بين ركائز المؤشر الثلاث، ما يدل على ضرورة التركيز على توفير الخدمات عبر القنوات المختلفة، ومتابعة شكاوى المواطنين المتعلقة بالخدمات ومعالجتها، وفق التقرير.

أما على مستوى ركيزة الوصول إلى الجمهور، أشار التفاوت الأوسع بين نتائج الدول العربية إلى ضرورة تخصيص حملات تسويق مرافقة للخدمات الحكومية الإلكترونية التي يجري تطويرها، والاهتمام بتوفير أدوات الدعم للأفراد والمؤسسات (كاستخدام الحقائق الافتراضية، والدعم عبر المحادثة الحية على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع).

وفيما يتعلق بمستوى مؤشرات الأداء الرئيسية، فقد حثّ التقرير على  أهمية توفر التطبيقات على المنصات النقالة الصعيد الإقليمي، مع إمكانية جمع آراء المستخدمين عبر النقال، وتوفير خصائص لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من استخدام الخدمات سواء عبر البوابة الإلكترونية أو عبر التطبيقات النقالة، وتحقيق المزيد من التفاعل معهم.

وحرصاً على رفع مستوى رضا المستخدم، أوصى التقرير أيضاً بضرورة توفير الوسائل المطلوبة وتعزيز مستوى الاستخدام عبر النقال، والاستخدام الإجمالي في المؤسسات. كما أكّد على أهمية دعم سمة التشغيل البيني بين القنوات، بحيث يمكن إتمام المعاملة عبر التطبيق النقال إذا استهلت عبر البوابة الإلكترونية أو بالعكس.

س.ع.د.