لبنان والكويت
تشابه وتقاطع وعِبر

16.05.2024
عارف العبد
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

عارف العبد*

كثيرة وعديدة، أوجه الشبه بين لبنان الغارق بأزماته السياسية والدستورية والاقتصادية والمؤسساتية، وبين دولة الكويت، الواقعة الآن في مأزق دستوري مؤسساتي، لم يكن من السهل تصوره او انتظاره او توقعه.

أوجه التشابه، بين البلدين كثيرة ومتعددة. منها هو صغر مساحتيهما، وحجمهما الجغرافي والديموغرافي نسبة الى الدول المحيطة.

 لبنان دولة صغيرة، محاطة بدول كبيرة أكبر وأقوى منه بنواح عديدة. والكويت أيضاً تمتاز بصغر مساحتها وقلة عدد سكانها نسبة الى الدول المجاورة لها والمحيطة بها، إن كانت عربية او غير عربية.

لبنان دولة متنوعة التركيبة الاجتماعية والسكانية، لناحية تنوع وتعدد الطوائف، والكويت أيضا دولة متنوعة في التركيبة الاجتماعية والسكانية أيضا لناحية تعدد أنواع المكونات الاجتماعية التي تعيش على أرضها وتحيط بها.

لبنان دولة بنظام  برلماني ديمقراطي، وكذلك الكويت هي الدولة الخليجية الأولى والوحيدة التي تعتمد وتستند الى الدستور والآلية الديمقراطية، في الحكم وتداول السلطة الحكومية، ما تحت منصب الأمير الذي يعتبر رأس الدولة وأعلى سلطة في البلاد.

الكويت تعرضت لغزو واحتلال من دولة جارة هي العراق، ولبنان تعرض للإستهداف والاحتلال من الدول المجاورة له، أولها الدولة العدوة إسرائيل، التي احتلته وسيطرت عليه وعلى عاصمته عام 1982.  ومن ثم وقع تحت القبضة والسيطرة السورية التي كانت نشرت جيشها في جميع مناطقه منذ العام 1975.

دولة الكويت تمكنت من تحرير ارضها من الاحتلال والغزو العراقي بمساعدة عربية ودولية، ولبنان نجح في تحرير ارضه من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000  بمفرده وبفعل مقاومته المسلحة ، ومن ثم الخلاص من السيطرة والوصاية العسكرية والامنية والسياسية السورية عام 2005.

يكاد التشابه ان يكون قوياً جداً ومتقارباً بين لبنان والكويت من مختلف النواحي.

لبنان لعب دور المنارة الثقافية والفكرية، نسبة الى محيطه، والكويت، لعبت ايضاً وما تزال تلعب الدور نفسه، في نشر ورعاية التطور والاشعاع الفكري والثقافي كذلك في محيطها.

لبنان ابتلي مؤخراً بأسلوب النقاش البيزنطي والجدل الذي لا ينتهي، وآفة التناحر والخصام المستمر وتعطيل المؤسسات، والكويت ابتليت ايضاً بذات الآفة  والمرض نفسه. مما عطل النظام الديمقراطي وحوله من ميزة الى أزمة ومن ثروة الى نقمة.

لبنان واقع في أزمة دستورية، تمثلت بفراغ سدة الرئاسة الأولى لأكثر من مرة،  والآن هو يعيش أزمة فراغ وشغور في منصب رئيس الجمهورية، أي منصب رئيس الدولة. والكويت دخلت أزمة جديدة بعد قرار أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن 4 سنوات، حيث أكد، خلال كلمة له، أن "ديمقراطية الحكم كأسلوب حياة وعمل تفرض قدراً واسعاً من تنظيم السلطات العامة وتوزيع أدوارها ضمن رؤية واضحة تحقق الهدف منها وهذه الرؤية تفرض العديد من الضوابط على السلطتين التشريعية والتنفيذية ضمان تقيدها بأحكامه".

المفارقة الكويتية تتمثل بأن ما جرى مؤخراً في الكويت لم يكن للمرة الأولى اذ سبق أن حُل البرلمان سابقاً لمرتين ولم تتراجع او تتوقف الأزمة الداخلية.

والخطورة ان التناحر وصل الى مرحلة عبثية متكررة لا طائل منها، إذ ان بعض النواب في الكويت كان يستخدم حقه الدستوري في استجواب الوزراء بسبب أو من دون سبب لدرجة إشغال وإنهاك مؤسسات الدولة وباستمرار في التركيز على حل الخلافات والنزاعات من دون توقف، أو من دون سبب مقنع او فائدة. أو ما يبرر هذا التصرف المنهك للدولة والمجتمع.

لبنان الغارق بأزماته، وجد انها تفاقمت على وجه الخصوص بعد انسحاب سوريا من لبنان حيث بات الحكم وإستقرار الحكم عسيراً وصعباً، في ظل تصاعد الخلافات الداخلية لدرجة أن الدولة في لبنان لم تعد قادرة على اتخاذ أصغر وأتفه القرارات.

الحالة نفسها عاشتها وتعيشها الكويت مؤخراً، اذا ان الحكومات لم تكن لتعيش الا لبضعة أسابيع، مع ازدياد في الشره والطمع الذي بات حالة مرضية عبر كثافة استجواب الوزراء والحكومات ما أدى الى اسقاطها بشكل متكرر وعبثي وفكاهي عطل الدولة وقراراتها في أصغر وأتفه الشؤون.

ما جرى في لبنان، ان الخلافات المتكررة أدت الى زيادة واستدعاء التدخلات في شؤونه الداخلية، مما اوصله الى حالة الحاجة الى الوصاية الخارجية عبر لجنة دولية عربية ( اللجنة الخماسية). والخوف كل الخوف ان لا يعتبر الشعب الكويتي والساسة في الكويت من التجربة اللبنانية الكارثية، ويجر الخلاف المستمر وعدم النضج الداخلي الى تدخلات خارجية اضطرارية في شؤون وشجون الكويت، وتصبح الكويت كما لبنان بحاجة لإشراف ووصاية خارجية.

*صحافي واستاذ جامعي من لبنان

aregelabed@hotmail.com