كتب: رؤوف أبو زكي
لم تفصلنا الا أيام معدودات قبل استدعاء الهيئة الناخبة في الجزائر بهدف اجراء انتخابات رئاسية مسبقة.
الانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من سبتمبر القادم تأتي بعد قرار الرئيس الجزائر عبد المجيد تبون تسبيق موعدها بـ حوالي أربعة اشهر لأسباب تقنية كما اشارت الى ذلك أوساط جزائرية رسمية.
واذا كان الكل يبحث عن الإجابة عن سؤال: هل يترشح الرئيس تبون لعهدة جديدة أم لا فإن العديد من الأوساط تعتقد أن الإجابة على هذا السؤال ليست بالأهمية الكبيرة على اعتبار أن التساؤل الأهم يتمثل في أين وصلت الجزائر بعد خمس سنوات من بداية حكم الرئيس تبون.
الإجابة ليست سهلة ومن غير الممكن ان تكتسب الإجابة صفة الاطلاق ذلك أن الرئيس تبون ورث وضعية معقدة اقل ما يقال عنها أن ميزتها الأساسية هي تعدد المشاكل فيها وتداخلها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
وكان على الرئيس تبون أولا وقبل كل شيء فك شيفرة هذا التداخل السياسي والاقتصادي. أي بعبارة أخرى إعادة الاعتبار للفعل السياسي والاقتصادي وفصل مسلسل التداخل والضبابية اللذان كانا من سمات الجزائر في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس بوتفليقة خاصة منذ 2014. وهذا التداخل بين السياسي والاقتصادي في الجزائر اثر بصورة مباشرة على أداء الجزائر على المستوى الاقتصادي والسياسي من خلال انهيار شبه شامل لكافة المؤشرات الاقتصادية على المستوى الكلي على وجه الخصوص وذلك يظهر بصورة في تراجع الناتج الداخلي الإجمالي وارتفاع نسبة البطالة وظهور شبح التضخم بسب الافراط في استعمال ما يعرف بالتمويل غير التقليدي أي طبع النقود بهدف تمويل الميزانية وتمويل الاقتصاد بصورة عامة. بالإضافة الى غياب الحضور الجزائري في اكثر من محفل دولي.
الرئيس تبون منذ بداية ولايته حرص على إيجاد الآليات والإجراءات التي تضمن الفصل بين الفعل الاقتصادي والسياسي وذلك من خلال خطاب يمزج بين الواقعية والسعي الى تحييد الإدارة والبيروقراطية عن الحياة الاقتصادية حيث إن الإدارة ومختلف اذرعها هيمنت على الحياة السياسية والاقتصادية في الجزائر وكانت الأداة التي من خلالها عملت فئات بعينها على السيطرة على كل مناحي الحياة الجزائرية اجتماعياً و سياسياً و اقتصادياً وتجلت هذه الممارسات في تفشي فساد مس جميع الميادين.
هذا المسعى الجزائري يظهر بصورة واضحة في كيفية اعداد القوانين التي تهيكل الحياة الاقتصادية في الجزائر وهنا من الضروري الإشارة الى ثلاث مسائل القانون المنظم لعملية الاستثمار في الجزائر وهو القانون الذي عرف العديد من الصيغ قبل أن يحظى بقبول الرئيس عبد المجيد تبون والذي حرص على منح اكبر الضمانات الممكنة للراغبين في الاستثمار في الجزائر على أساس عدم التفريق بين المستثمر الخاص والعام أو بين المستثمر الأجنبي و المحلي.
المسألة الثانية ذات الأهمية البالغة في المسار الاقتصادي الجزائري خلال رئاسة عبد المجيد تبون تتعلق بالتعهد بصورة علنية بعدم اللجوء الى التمويل غير التقليدي للاقتصاد أي التخلي نهائياً عن طبع النقود كما يقال وهي الأداة التي اثرت كثيراً في ما سبق على مسار الاقتصاد الجزائري وجعلت التضخم يزحف على الحياة الاقتصادية.
المسألة الثالثة التي تحسب للرئيس تبون وهي تركيزه الدائم والمستمر والمكثف على ضرورة تحييد الإدارة والتقليص من دور البيروقراطية وتحرير المبادرات الاقتصادية الخاصة والعمل بعيدا عن الإدارة وسيطرتها المعرقلة للحياة الاقتصادية في الجزائر.
باختصار فإن العديد من المتتبعين للشأن الجزائري عند تقييمهم لمسار ولاية الرئيس عبد المجيد تبون من 2019 الى اليوم يصفون الأداء بجملة واحدة: الرئيس تبون تمكن من نقل الجزائر من وضعية الركود الشامل الى الديناميكية المستمرة. وهذا يظهر بصورة جلية من تحليل مختلف الأرقام والمؤشرات.