مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي
وسعيهما للسلام الإقليمي

20.05.2024
علي عواض العسيري
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

تحت عنوان " أجندة مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي للسلام الإقليمي"، كتب الدكتور علي عواض عسيري، سفير المملكة العربية السعودية السابق لدى باكستان ولبنان  في الزميلة "العرب نيوز" عن رؤية دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي لتحقيق السلام والاستقرار الإقليميين.

عسيري أكّد على التعاون الوثيق الذي يربط المجلس والاتحاد على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى التركيز المشترك على قضايا الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وأوروبا. إذ تسعى دول المجلس إلى تحقيق الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط، لما يُشكله من عنصر هام في تعزيز أمنها وتنميتها. بينما، يفرض الصراع في الشرق الأوسط عواقب أمنية خطيرة على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ويشترك مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في مسار متشابه من حيث النشأة والتطور والأهداف، مع سعي دؤوب لتحقيق السلام في منطقتيهما حيث يخدم ذلك أهدافهما المؤسسية المتمثلة في البقاء والنمو.

وأردف عسيري بأنّ السعودية، شبيهةً بألمانيا في الاتحاد الأوروبي، تُمثل قوة دافعة رئيسية في قيادة مجلس التعاون الخليجي. وهي تلعب دورًا هامًا في إرساء الاستقرار والنمو في منطقة الخليج، والشرق الأوسط، والعالم الإسلامي، وعلى الصعيد العالمي. وقد شهدت  السعودية خلال السنوات الثماني الماضية تحولات هائلة على كافة الأصعدة، الاجتماعية والاقتصادية، بفضل الرؤية الثاقبة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المتمثلة في "رؤية المملكة 2030"، والتي تؤكد على أنّ الازدهار المستدام للشعب السعودي هو محرك أساسي للسياسة الخارجية للبلاد، فضلاً عن ازدهار واستقرار المنطقة.

بيئة إقليمية مستقرة

وتُدرك السعودية أنّ تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية لـ"رؤية 2030" يتطلب بيئة إقليمية مستقرة. ولذلك، قادت عملية المصالحة السياسية والتنمية الاقتصادية في منطقة الخليج والشرق الأوسط. إلا أنّ المشهد الإقليمي المعقد يُواجه تحديات تتمثل في وجود قوى تسعى جاهدة لتقويض الأمن والتعاون الإقليميين. وتابع قائلاً أنّ هجوم حماس على إسرائيل والرد العسكري الإسرائيلي الضخم في غزة أدّى إلى توقف زخم المصالحة في الشرق الأوسط، بما في ذلك اتفاقيات إبراهام. ولم تلتزم إسرائيل بجانبها من الصفقة بموجب هذه الاتفاقات من خلال الاستمرار في بناء المستوطنات غير الشرعية لليهود فقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة. حتى أنه كان هناك حديث عن التطبيع السعودي الإسرائيلي؛ لكن ذلك مشروط بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وقد أصبحت هذه الفرصة النادرة أيضًا ضحية للمصالح المتنافسة للوكلاء المسلحين والعناصر القومية المتطرفة وسط حرب غزة.

معالجة أزمة غزة

هذا وتعي المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى خطورة التقاعس الدولي عن معالجة الأزمة في غزة، ولذلك انخرطوا في جهود دبلوماسية من أجل وقف فوري لإطلاق النار، وتقديم الدعم الإنساني واحتواء الصراع. إلى جانب ذلك، سعى القادة السعوديون والإيرانيون إلى عقد محادثات بهدف خفض حدة التوترات والحفاظ على مسار التطبيع. وبالتزامن مع ذلك، عملت المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي بجدّ على حصر الصراع ومنع تفاقمه، وذلك حرصًا منهما على عدم عرقلة مسيرة التحديث والتكامل المنشودة في المنطقة. وبفضل الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي بذلتها هذه الأطراف، ظلت ثمار المصالحة الإقليمية قائمة إلى حد كبير.

عسيري تطرّق إلى التداعيات الإقليمية لحرب غزة، مُشيراً إلى تأثير هجمات الحوثيين على الشحن الدولي في الخليج والتصاعد العسكري المستمر بين حزب الله وإسرائيل. ولفت إلى انسجام مواقف مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي بشأن الصراع في غزة ومنع انتشاره. وأكد عسيري على دعوة المملكة العربية السعودية لإحياء مبادرة السلام العربية، التي حظيت بموافقة جامعة الدول العربية والأمم المتحدة. وتُشكّل المبادرة إطارًا مرجعياً هاماً للمفاوضات في أعقاب حرب غزة، وتُقدم حلاً عادلاً للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفرصة حقيقية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

العلاقات الثنائية

وعن العلاقات الثنائية بين الجانبين، سلّط العسيري الضوء على العلاقة الوطيدة التي تربط مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي حيث تمّ توقيع اتفاقية تعاون بينهما في عام 1988. ويجتمع الجانبان سنويًا، لمناقشة مختلف القضايا، وتبادل أفضل الممارسات، والاطّلاع على التقدّم المحرز في مجالات التعاون. وتمضي هذه العلاقات قدماً بخطى ثابتة نحو شراكة استراتيجية شاملة، تتضمن حوارات منتظمة حول التجارة والاستثمار وتغير المناخ والطاقة والبيئة والأبحاث. وعلى مدى أعوام، شهدت العلاقات بين المجلس والاتحاد زخمًا وتطورًا ملحوظًا، حيث أصبح الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي ومصدراً هاما ً للاستثمار لدول الخليج. 

من جهة أخرى، يتعاون مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي بشكل وثيق لمواجهة التحديات المشتركة وتعزيز الاستقرار في المنطقة حيث يُشكّل الأمن الإقليمي ركيزة أساسية في الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين. ومع تجددّ الصراع في المنطقة، بات حل القضية الفلسطينية وفقًا لمبادرة السلام العربية أمراً ضرورياً لتحقيق الأمن والاستقرار، مع التأكيد على دور الاتحاد الأوروبي في الضغط على الولايات المتحدة لدفع هذا الحل.

وفي الختام، شدّد السفير عسيري على أهمية مبادرة الحزام والطريق ودورها في تعزيز تواجد الصين في المملكة العربية السعودية، وذلك من خلال المشاريع الاستثمارية الضخمة . وأشار إلى أنّ المملكة ، من خلال "رؤية 2030"، تسعى جاهدةً كي تصبح مركزًا اقتصادياً عالمياً رائداً من خلال تنويع اقتصادها. ومع ذلك، فإنّ الاتحاد الأوروبي لم يُظهر حتى الآن التزامًا كافيًا باغتنام الفرص الاستثمارية الهائلة التي تُتيحها هذه الطفرة التنموية، مؤكداً على أنّ القيمة الحقيقية لـ"رؤية 2030" تكمن وراء كونها محفزًا هامًا للأمن والتعاون الإقليميين.