يطغى تصنيف "الفقر"، بشكل صارخ، على مفردات وحدة المسار والمصير بين لبنان وسوريا. مكرساً في تجليّاته، عمق الأزمات القائمة في البلدين، ومنذراً بهبوط حر وأشد قسوة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تحت ظلال التداعيات الناشئة واللاحقة التي تتراكم بوتيرة يومية بفعل حرب غزّة وامتداداتها الاقليمية.
وفي الترجمة الفورية، لا تختلف مستويات الاختلالات المعيشية الحادة والتشاركية بين اللبنانيين والنازحين السوريين في لبنان، عن مثيلاتها التي تحاصر المواطنيين السوريين في بلدهم المنهك بتفاقم الأزمات.
واذ تبيّن تحديثات بحثية توسع حزام الفقر ليشمل نحو 69 من السكان في داخل سوريا، أي نحو 14.5 مليون مواطن سوري، فهي تسلّط الضوء في الوقت عينه، على ظاهرة تفاقم الفقر في لبنان بشكلٍ مقلق خلال العقد الماضي، حيث وصلت نسبته إلى 44 في المئة من مجموع السكان، ومع التنويه خصوصاً بأن الأسر السورية التي تعيش في لبنان ويزيد عددها عن مليوني نسمة، تضررت بشدة من جراء الأزمة، حيث يعيش نحو 9 من كل 10 سوريين تحت خط الفقر.
هي الخلاصة المطابقة لتحديثات تقارير الفقر الصادرة عن البنك الدولي، والتي ترصد، سنداً الى مؤشرات اقتصادية ومالية معززة بجولات الاستطلاعات الميدانية، تطورات الوضعين الاجتماعي والمعيشي في البلدين "الشقيقين"، وتداعيات ما يعانيانهما من أزمات منفصلة ومترابطة، فضلاً عن ضغوط النزوح التي تعدّت استضافة مليوني سوري في لبنان.
في الأحدث، وبحصيلة إجراء مسح على المستوى الوطني في إطار برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية، يعرض قسم خاص من تقرير البنك الدولي لمحة عن النتائج الرئيسية لتقرير "رفاه الأسر السورية" في موطنها، ليكشف عن اتساع هائل في اعداد المصنّفين ضمن خانة الفقر، بنسبة بلغت 69 في المئة من السكان حتى نهاية العام 2022، أي نحو 14.5 مليون سوري.
وعلى الرغم من عدم وجود الفقر المدقع فعلياً قبل اندلاع الصراع، لكنه طال أكثر من واحد من كل أربعة سوريين، اي ما يماثل 25 في المئة من عموم المواطنين، وفق المسح الذي طال مناطق سيطرة النظام والمعارضة على السواء، مع ترجيح حصول ارتفاع اضافي واكثر حدة وشدة بسبب الآثار المدمرة لزلزال فبراير/شباط 2023.
ووفقا للتقرير، فإن للفقر في سوريا دلالة مكانية قوية، فأكثر من 50 في المئة من الفئات الأشد فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط، وهي حلب وحماة ودير الزور، بينما تسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا أعلى معدل لانتشار الفقر. أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر.
ويشدد التقرير أيضاً على أن التحويلات المالية تمثل شريان حياة بالغ الأهمية للأسر السورية. ويرتبط إرسال التحويلات من الخارج بانخفاض معدلات الفقر المدقع على نحو يقدر بـ 12 نقطة مئوية وانخفاض في معدلات الفقر يقدر بـ 8 نقاط مئوية. لينوه بالمقابل، بعدة عوامل خارجية، لا سيما الأزمة المالية في لبنان عام 2019، وجائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، ساهمت في زيادة تراجع رفاه الأسر السورية في السنوات الأخيرة.
اما في الخلفية المؤثرة لاحقاً على قياسات مؤشر الفقر عينه، يتوقع عدد ربيع 2024 من تقرير المرصد الاقتصادي لسوريا، والصادر حديثاً عن البنك الدولي، أن يستمر الانكماش الاقتصادي، الذي طال أمده. ومع تعرض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، فمن المتوقع أن ينكمش بنسبة 1.5في المئة هذا العام، ليعزز التراجع الذي بلغ 1.2% في العام السابق.
ومن المتوقع، وفق الرصد، أن يبقى الاستهلاك الخاص، وهو عجلة النمو الرئيسية، في تراجع مع استمرار تآكل القوة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار. كما يتوقع أن يستمر ضعف الاستثمار الخاص في ظل عدم استقرار الوضع الأمني والضبابية في المشهد الاقتصادي وعلى مستوى السياسات.
كما يرتقب أن يبقى التضخم مرتفعاً في عام 2024 بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة، فضلاً عن العجز المستمر في أرصدة العملات الأجنبية، واحتمال إجراء مزيد من الخفض في دعم الغذاء والوقود (المحروقات). وتشير موازنة عام 2024 إلى استمرار خفض الدعم للسلع الأساسية.
وتجدر الاشارة الى انه في عام 2023، انخفضت قيمة الليرة السورية انخفاضاً كبيراً بنسبة 141 في المئة مقابل الدولار الأمريكي، مما انعكس تلقائيا على تضخم أسعار المستهلكين بارتفاع بلغ نسبة 93 في المئة، وتفاقم هذا الوضع اكثر بسبب خفض الدعم الذي تقدمه الحكومة. ومع تباطؤ الاقتصاد، لا تزال إيرادات المالية العامة تسجل تراجعاً. واستجابة لذلك، خفضت السلطات الإنفاق بشكل أكبر، لا سيما في ما يتعلق بالإنفاق الرأسمالي، مع الضبط الشديد لبرامج الدعم.
وفي تكريس وحدة الفقر المتداخل في البلدين و"الشعب الواحد"، رصد البنك الدولي ارتفاع معدل الفقر في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي، لتصل إلى 44 في المئة من مجموع السكان.
ولم ترتفع نسبة المواطنين اللبنانيين الفقراء ثلاثة أضعاف مقارنة بعقد مضى لتصل إلى 33% فحسب، بل ازدادت حدة فقرهم مع ارتفاع فجوة الفقر من 3% في عام 2012 إلى 9.4% في عام 2022. وفي الوقت نفسه، يبدو أن عدم المساواة في الدخل قد تفاقم بين اللبنانيين.
واستناداً إلى دراسة استقصائية للأسر أُجريت مؤخراً وشملت محافظات عكار وبيروت والبقاع وشمال لبنان ومعظم جبل لبنان، خلص التقرير إلى أن واحداً من كل ثلاثة لبنانيين في هذه المناطق طاله الفقر في عام 2022، مما يسلط الضوء على ضرورة تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وخلق فرص العمل للمساعدة في التخفيف من حدة الفقر ومعالجة أوجه عدم المساواة المتنامية.
وفي دلالات اعمق تعبيراً، يخلص التقرير أيضاً إلى أن الأسر السورية التي تعيش في لبنان ويزيد عددها عن مليوني نسمة، تضررت بشدة من جراء الأزمة. حيث يعيش نحو 9 من كل 10 سوريين تحت خط الفقر. وفي الوقت نفسه، يكشف التقرير أن 45% من الأسر السورية النازحة تستهلك معدلات من المواد الغذائية أقل من المعدلات المقبولة.
ويعمل غالبية السوريين في سن العمل في وظائف منخفضة الأجر وأقل استقراراً في القطاع غير الرسمي، مما يسهم في إفقارهم وانعدام الأمن الغذائي. وعلى الرغم من أن أسواق العمل المجزأة ساهمت إلى حد كبير في تخفيف أثر الزيادة السكانية الناجمة عن تدفق اللاجئين السوريين على نواتج سوق العمل للبنانيين، فقد أدت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ خريف العام 2019 إلى زيادة قبول العمالة اللبنانية بوظائف تتطلب مهارات. ويرجع هذا التحول جزئياً إلى التراجع في توفر الوظائف الأعلى أجراً التي تتطلب مهارات أفضل.
وبسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي طال أمدها ودخلت عامها الخامس أُجبرت الأُسر على اعتماد مجموعة متنوعة من إستراتيجيات التكيف، بما في ذلك خفض معدل استهلاك الغذاء والنفقات غير الغذائية، فضلاً عن خفض النفقات الصحية، مع ما قد يترتب عليه من عواقب وخيمة على المدى الطويل.
ومع النمو السريع للاقتصاد النقدي المدولر، تجد الأسر اللبنانية التي تحقق دخلاً بالدولار الأميركي نفسها قادرة على المحافظة على قدرتها الشرائية، فيما الأسر التي لا تستطيع الحصول على الدولار الأميركي تجد نفسها معرضة بشكل متزايد لمخاطر تصاعد وتيرة التضخم.
وسندا الى نتائج الدراسة الاستقصائية للأسر، والتي شملت محافظات عكار وبيروت والبقاع وشمال لبنان ومعظم جبل لبنان، خلص التقرير إلى أن واحداً من كل ثلاثة لبنانيين في هذه المناطق طاله الفقر، مما يسلط الضوء على ضرورة تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وخلق فرص العمل للمساعدة في التخفيف من حدة الفقر ومعالجة أوجه عدم المساواة المتنامية.