نظرة موجزة على أداء المؤسسات المالية العربية

15.06.2024
فهد راشد الإبراهيم
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب فهد راشد الإبراهيم*

مع ظهور الفوائض المالية العربية بفضل ارتفاع أسعار النفط في منتصف السبعينيات من القرن الماضي سارعت الدول العربية بقيادة دول الخليج العربي الى تأسيس عدد من المؤسسات والصناديق التنموية لدعم وتمويل التنمية في دول المنطقة وبالأخص الدول العربية المنخفضة الدخل.
وبعد مرور نحو نصف قرن على عمل تلك المؤسسات، واحتفال عدد منها باليوبيل الذهبي لتأسيسها، وبالتزامن مع انعقاد اجتماعاتها السنوية في القاهرة بتاريخ 22 مايو 2024، شهدت اقتصادات الدول العربية العديد من التغيرات وذلك وفق قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي عن الفترة 1980-2023، أبرزها تضاعف عدد سكان المنطقة العربية من 190 مليوناً الى 456 مليون نسمة، وناتجها الاقتصادي من 455 مليار دولار الى 3400 مليار دولار، والتجارة العربية الخارجية في السلع والخدمات من 340 مليار دولار الى 3000 مليار دولار، والاستثمارات الاجمالية من 122 مليار دولار الى 680 مليار دولار.
هذه التغيرات تفرض على المهتمين بهذا المجال محاولة تقييم تجربة تلك المؤسسات وفق معايير موضوعية، نوجزها في ما يلي:
 - مدى قدرة تلك المؤسسات على تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
 - تحليل مستوى أدائها بالمقارنة بمؤسسات مثيلة في مناطق أخرى مثل الآسيان.
 - رصد تطور مؤشرات تلك المؤسسات منذ تأسيسها وحتى الآن.
 - تقييم جدواها بمعيار التكلفة والعائد.
وبالنظر الى المؤسسات المالية العربية الرئيسية وهي: الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي، وصندوق النقد العربي وبرنامج تمويل العربية التابع له، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في افريقيا، والهيئة العربية للاستثمار والانماء الزراعي، وأخيراً المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات التي تشرفت باداراتها مديراً عاماً لها لمدة 16 عاماً بين عامي 2003 و2019، يمكننا رصد عدد من المؤشرات المتعلقة بتطور أدائها من خلال بيانات تقاريرها السنوية نبرزها في النقاط التالية:
- على مدار العقود الخمسة الماضية ضاعفت تلك المؤسسات رؤوس أموالها 13 مرة من نحو 5.1 مليار دولار الى ما يزيد على 20 مليار دولار كما زادت قيمة تمويلات ومساهمات وعمليات تأمين تلك المؤسسات على 112 مليار دولار.
- نجحت المؤسسات المالية العربية في تنويع وتطوير خدماتها ومنتجاتها التمويلية والتأمينية والاستشارية وآليات تقديمها.
- تشير تلك التقارير إلى أن أداءها على الصعيد المالي جاء في مجمله جيدا، الأمر الذي ساعد على استمرار الإنفاق على أنشطتها الرئيسية من عوائد عملياتها التشغيلية، إضافة إلى استثمار فوائضها المالية بدليل أنها تمكنت من تكوين احتياطيات تزيد على 2.7 مليارات دولار منذ تأسيسها وحتى نهاية عام 2023.
مما سبق يتضح أن المؤسسات المالية العربية واكبت وإلى حد كبير نمو الاقتصادات العربية واحتياجاتها التمويلية والاستثمارية والتأمينية والاستشارية عبر العقود الخمسة الماضية، كما تحسنت أساليب ادارتها عبر تطبيق معايير الرقابة والحوكمة والادارة الرشيدة،
وبالفعل تحسنت مؤشرات التعاون العربي البيني في مجالات عدة منها النقل بأنواعه والربط الكهربائي كما ارتفعت قيمة التجارة العربية البينية خلال العقود الاربعة الماضية وفق بيانات الأونكتاد من 8 مليارات دولار الى 254 مليار دولار وزادت وتيرة تأسيس مشاريع الاستثمار العربي البيني المباشر التي وصلت تكلفتها الاستثمارية الى أكثر من 60 مليار دولار سنويا استنادا لقاعدة بيانات  FDI Markets.
الا أن عدم وصول مؤشرات التعاون العربي لمستوى تكتلات عالمية أخرى مثل الاتحاد الأوروبي الآسيان يدفعنا لضرورة البحث عن المسببات وراء ذلك، وأسباب عدم استفادة الدول العربية من عمليات المؤسسات المالية العربية بصورة أكبر من الوضع الحالي؟
والحقيقة أن الدراسات الموضوعية التي أجريت في هذا المجال من جانب العديد من الجهات المتخصصة ومنها دراسة تم اعدادها من قبل صندوق النقد العربي عام 2005  خلصت الى أن انشاء مؤسسات مالية عربية جديدة لا حاجة له،
وأن المشكلة تكمن في جانب الطلب لدى دول المنطقة وكياناتها الحكومية والخاصة، إما بسبب نقص مستوى الوعي بالخدمات المقدمة وآليات الاستفادة منها، أو بسبب عدم صلاحية أو جهوزية أو جدية تلك الكيانات في الحصول على خدمات المؤسسات المالية العربية. والله ولي التوفيق.

*نشر في جريدة النهار الكويتية