يغيب نزار شقير
وتستمر Patchi بنجاحاتها

21.06.2024
نزار شقير
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بغياب الصناعي ورجل الأعمال نزار شقير يسدل الستار على إحدى أهم تجارب الأعمال والريادة وأكثرها إثارة في لبنان والمنطقة العربية. ومثل كل قصص النجاح الكبيرة فإن قصة ظهور باتشي وتطورها هي في النهاية قصة رجل ورؤية وإرادة كما إنها قصة عزيمة وخيال واستباق.

وبصورة أعم هي القصة الدائمة لظاهرة الرياديين ولقدر التأثير الكبير الذي يحدثونه في مؤسستهم وفي صناعتهم وشركاتهم بل وفي عصرهم أيضا.

وتكاد قصة نزار شقير تتشابه مع الكثير من قصص بناة الشركات العملاقة والنجاحات الباهرة في الصناعة أو التجارة. ولد في أسرة تجارية عريقة لكن خسرت تجارتها ووقعت تحت الدين وباعت عقاراتها واضطرت إلى خفض عيشها الفاره.

هذا "الولد" النبيه الشديد الطموح دخل الحياة العملية وعاش مباشرة حالة الانتقال الصعبة من الثروة والجاه إلى حياة العسر والصعوبات اليومية. هذه الصعوبات اضطرت الفتى نزار إلى العمل المبكر في أسواق بيروت وخوض غمار البيع والشراء لدى أقاربه أولا ثم كتاجر مستقل، وفي مرحلة الفتوة هذه كان نزار سريعا في التقاط الفرصة بارعا في استثمارها، كل ذلك إلى أن حان وقت انطلاقته الأولى تحت اسم ماركة باتشي التي ابتكرها وتابع مراحل تطورها إلى أن تحولت إلى إمبراطورية تعمل في خمسين بلدا حول العالم.  

ولدت باتشي في احد الشوارع الخلفية لمنطقة الحمرا في بيروت خلال ما سمي بـ "حرب السنتين" (1975-1976). وكان سبب اختيار نزار شقير لمنطقة الحمرا هو الدمار الذي خلفته الحرب الأهلية في منطقة الأسواق وخصوصا شارع ويغان الذي ضم أول وأكبر محلات نزار وكانت متخصصة في علب الأفراح ومستلزمات الأعراس وكان قسم كبير من زبائنه من أبناء الخليج والمنطقة العربية.  

انتقل نزار شقير للتركيز على صناعة الشوكولا التي جعل منها فنا متكاملا وسلعة فاخرة للطبقتين الوسطى والعليا من المستهلكين، وشكلت الحرب الدافع الأهم لخروج نزار شقير وباتشي من السوق اللبنانية إلى الأسواق الخليجية والعربية أولا ثم إلى الأسواق العالمية، فساهمت بذلك في نقل باتشي من مرحلة المحلية إلى مرحلة العالمية. 

عبر جميع مراحل تطور باتشي أظهر نزار شقير دوما الميزات المعروفة في رجل الأعمال المقدام: مخيلة ومهارة لكن مع جدية وحزم في العمل جعل من الممكن إعطاؤه لقب "الرجل الحديدي".. وأظهر نزار شقير موهبة في انتقاء أفضل المصممين وصانعي الشهرة وتمكن بمعونتهم من تحويل باتشي إلى أيقونة صناعة الشوكولا وأدخلها إلى معظم الأسواق العربية ثم إلى محلات هارودز وإلى نيويورك وعواصم شهيرة في العالم.. لكن نزار شقير أظهر دوما شخصية العصامي في انكبابه الدائم على العمل وإنفاقه الساعات الطوال على كل تفصيل من تفاصيل عمله وجميع فروع شركته والأسواق العديدة التي أصبح يعمل فيها.

بنى نزار شقير منذ بداية دخوله السوق سمعة متميزة في الاستقامة التجارية والقلق الدائم على التصميم وعلى نوعية المنتج وعلى رضى العملاء، وكان على عادة تجار الأسواق مدرسة في بناء الصداقات وفي الاهتمام الشخصي بكل عميل كما لو كان العميل الوحيد للشركة، وبدا تأثير هذا الغرس الطويل واضحا عندما تهافت زبائنه الذين تعرف عليهم في محلات ويغان على أول محل لباتشي في منطقة الحمراء بمجرد أن وضع إعلانا صغيراً بذلك في صحيفة محلية. ولم يمض بذلك إلا وقت قصير قبل أن يقبل عليه الناس وتنطلق تجارته بقوة ويبدأ توسعه نحو الخارج.

يجب القول في هذا السباق إن نزار شقير كان فريدا ولذا كان عليه أن يعمل بحدب المؤسس وعناية الوالد لتنمية الشغف نفسه للمهنة (صناعة وتجارة) الذي كان يحرك مشاعره وإرادة العمل الشاق لديه. وأنتج هذا التفاوت في التجربة ومدى التفاني نوعا من التوتر بين هذا العصامي الشديد وبين الجيل الثاني الذي لم يتح له أن يمر بالمصاعب التي مر بها نزار وأن يتعلم الدروس الكثيرة ليس من كتب الكليات بل من جامعة التجارة والصناعة والحياة. وبهذا المعنى واجهت باتشي بعض صعوبات انتقال السلطة من جيل المؤسس إلى جيل الأبناء وإن كان نزار نجح بفضل مرونته وحكمته في توزيع الأدوار وخلق الهيكل الذي سيحكم مسيرة باتشي بعد غيابه.

رغم نجاحاته الباهرة والثروة الكبيرة التي حققها فإن نزار شقير عاش حياة رفاه نسبي لكن دون إسراف أو بذخ. وقد كان متواضعا بل كان له تدين فطري تميز بحب الخير والصدقات وبالسماحة والرحمة تجاه الناس..

السؤال الأساس المطروح: كيف ستكون باتشي بعد رحيل المؤسس؟ والجواب بسيط:

1- يشكل غياب المؤسس تحديًا كبيرًا للأبناء أولًا ولكبار المديرين ثانيًا. وهو امتحان صعب لا يمكن الحكم عليه قبل المرور فيه.

2- من حسن حظ أبناء المؤسس أنه أشرف على تكوين وعمل أبنائه في حياته لا إشراف الأب بعاطفة بل إشراف القائد لفريق عمله.

3- وما يبعث على التفاؤل هو أن أفراد العائلة بدءًا من ربة العائلة السيدة سهام قليلات شقير والتي لم تكن مجرد زوجة بل شريكة تأسيس وتطور، إضافة إلى كونها مثقفة وشاعرة ومليئة بالحيوية والحكمة.

4- وحكمة المؤسس قادته إلى إشراك بناته أسوة بأبنائه. وهكذا استلمت ابنته هالة مسؤولية المصنع الأساسي في ضواحي بيروت (سبلين). وتميزت في عملها أسوة بأشقائها الشباب.

5- ووصول نجله الأكبر محمد شقير إلى رئاسة غرفة بيروت وجبل لبنان ورئاسة الهيئات الاقتصادية اللبنانية وإلى وزارة الاتصالات، هو في جانب منه احدى نتائج نجاحات مجموعة باتشي بقيادة والده المؤسس. علماً أنّ الوزير شقير أصبح وبفعل جهده المتواصل قيمة مضافة ليس إلى أسرة باتشي بل وإلى القطاع الاقتصادي والشأن العام في لبنان. 

6- الملاحظة المهمة والتي لا بد من تسجيلها مع غياب المؤسس العملاق هي أن باتشي لم تعد مجرد مصانع ومتاجر شوكولا بل أخذت في الأعوام الأخيرة سياسة التنويع. فاستحدثت سلسلة مقاه – مطاعم في بيروت والضواحي سواء بشكل مستقل أو في إطار مولات قائمة مثل ABC وغيرها. كذلك في برنامج التوسع والتنويع إنشاء فندقين متميزين (بوتيك اوتيل) في البترون وفي منطقة سوليدير. وهذا يعكس رؤية وطموح المؤسس بمشاركة أفراد العائلة.

7- كلمة أخيرة وهي أن المحافظة على النجاح تكون، غالبًا، أصعب من النجاح نفسه. ومجموعة باتشي بأفراد العائلة وبمديريها، باتت تملك من الخبرة والطموح بما يؤهلها على تحدي النجاح.. وعلى استمرار هذا النجاح. رحم الله نزار المؤسس، وأمد الله في أعمار العائلة الصغيرة والكبيرة.

8- وكلمة إضافية وهي أن نزار شقير كان يسعى لتحويل باتشي من مؤسسة عائلية إلى شركة مساهمة وتم وضع دراسات لذلك، إلا أن الظروف السياسية في لبنان والمنطقة لم تساعد على تحقيق الفكرة، لكن الفكرة تبقى مطروحة وهي الأسلم على المدى البعيد. إذ أن مأسسة النجاح بتحويلها من مؤسسة عائلية إلى مؤسسة مساهمة وإيجاد فاصل، ولو بسيط، بين الملكية والإدارة، هو عامل ضمان لاستمرارية النجاح، بل وترسيخه وانتشاره.

نقول ذلك ونحن على ثقة بأن نجاح باتشي مستمر سواء بقيت شركة عائلية أم شركة مساهمة. فقواعد التأسيس متينة وما تطور باتشي في الأعوام الأخيرة وفي ظل ظروف لبنان والمنطقة الا تأكيد على ذلك.