الاستثمارات الأجنبية العالمية
هبوط بأكثر من 10%

24.06.2024
ريبيكا غرينسبان
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

سوليكا علاء الدين

أظهر تقرير الاستثمار العالمي حول آفاق الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم،الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في جنيف، انخفاضًا في الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي بنسبة 2 في المئة خلال عام 2023، ليصل إلى 1.3تريليون دولار. وللعام الثاني على التوالي، شهدت الاستثمارات الأجنبية العالمية انخفاضًا حادًا بنسبة تتجاوز الـ10 في المئة، جراء تفاقم حدة التوترات التجارية والجيوسياسية وتباطؤ الاقتصاد العالمي.

 وبالرغم من أن آفاق الاستثمار الأجنبي المباشر لا تزال صعبة في عام 2024، أكّد التقرير على إمكانية تحقيق "نمو متواضع" خلال العام بأكمله، مشيراً إلى تيسير الأوضاع المالية والجهود المتضافرة نحو تسهيل الاستثمار، والتي تمثل سمة بارزة للسياسات الوطنية والاتفاقيات الدولية. كما ذكر أنه ومع تكثيف الجهود العالمية لجذب الاستثمارات والاحتفاظ بها ، انتشرت بوابات المعلومات عبر الإنترنت والنوافذ الوحيدة لتعزيز مناخ الأعمال والاستثمار المواتي.

وبالنسبة للدول النامية، شدّد تقرير (الأونكتاد) على أنّ الرقمنة لا توفر حلاً تقنياً فحسب، بل تُشكل أيضًا نقطة انطلاق لتنفيذ حكومة رقمية شاملة تُعالج نقاط الضعف الكامنة في الحوكمة والمؤسسات التي  غالبا ما تُعيق الاستثمار. وبحسب الأمينة العامة للأمم المتحدة للتجارة والتنمية ريبيكا غرينسبان، فإن الاستثمار لا يقتصر على تدفقات رأس المال، بل يشمل أيضًا الإمكانات البشرية والحفاظ على البيئة والسعي الدائم لتحقيق عالم أكثر إنصافاً واستدامة.

تراجع معتدل

وفي تفاصيل الأرقام، تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية بنسبة 7 في المئة خلال العام الماضي، لتصل إلى 867 مليار دولار. ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض بنسبة 8 في المئة في آسيا النامية ليصل إلى 621 مليار دولار، مع انخفاض نادر في تدفقات الصين، ثاني أكبر متلقٍ  للاستثمار الأجنبي في العالم. وشهدت الهند وغرب ووسط آسيا انخفاضات كبيرة، بينما حافظ جنوب شرق آسيا على ثباته. ورغم ازدهار الاستثمار الصناعي في آسيا الذي يتضح من الإعلانات المتعلقة بالمشاريع الجديدة ، إلا أن الانكماش العالمي في تمويل المشاريع أثر أيضاً على المنطقة.

وشهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أفريقيا  تراجعاً بنسبة 3 في المئة عام 2023، لتصل إلى 53 مليار دولار. ورغم إعلان مشاريع ضخمة، كأكبر مشروع للهيدروجين الأخضر في العالم بموريتانيا، واجهت مشاريع البنية التحتية تحديات كبيرة، حيث انخفض تمويلها الدولي ربع عدد الصفقات ونصف قيمتها.

أما في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، فقد انخفضت التدفقات بنسبة 1 في المئة، لتصل إلى 193 مليار دولار. وتقلّص عدد إعلانات تمويل المشاريع الدولية والاستثمارات في المجالات الجديدة، لكن قيمة هذه الأخيرة زادت بسبب المشاريع الكبيرة في قطاعات السلع الأساسية والمعادن الحيوية، وكذلك في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.

في المقابل، أظهر التقرير أنّ التدفقات إلى البلدان المتقدمة تأثرت بشكل شديد بالمعاملات المالية للمؤسسات المتعددة الجنسيات. ويعزى ذلك جزئياً إلى الجهود المبذولة لتنفيذ معدل ضريبي عالمي أدنى على أرباح هذه الشركات ونتيجة لذلك، شهدت معظم أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية انخفاضاً في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 14 و 5 في المئة على التوالي.

وبشكل مغاير لهذا الاتجاه، شهدت الدول النامية الهشة والمعرضة للمخاطر تدفقًا متزايدًا للاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام الماضي، حيث ارتفعت الاستثمارات في أقل الدول نمواً إلى 31 مليار دولار، أي ما يعادل 2.4 في المئة من إجمالي الاستثمارات العالمية. كما ازدادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في  الدول النامية غير الساحلية والدول الجزرية الصغيرة النامية، ولا تزال الاستثمارات الأجنبية المباشرة في هذه المجموعات الثلاث تتركز بشكل كبير في عدد محدود من الدول. وتعتمد الدول الأكثر فقراً بشكل أكبر على تمويل المشاريع الدولية، مما يجعلها عرضة بشكل خاص للتأثير السلبي للانكماش العالمي في هذا الشكل من الاستثمار.

تميز عربي

هيمنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وسنغافورة على قائمة الدول الأكثر جذبًا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث احتلت المراكز الثلاثة الأولى عالمياً بقيمة 311 و163 و160 مليار دولار على التوالي.

على الصعيد العربي، احتلت  دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الثاني عالمياً بعد الولايات المتحدة والأول عربياً من حيث عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة خلال عام 2023. إذ شهدت الدولة تسجيل 1323 مشروعاً جديداً، أي ما يعادل نموًا بنسبة 33 في المئة مقارنة بالعام السابق.

وبحسب التقرير، سجلت الدولة تدفقات من مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة خلال عام 2023، حيث وصلت إلى 30.7 مليار دولار (نحو 112.6 مليار درهم)، مقارنة بـ 22.7 مليار دولار (نحو 83.5 مليار درهم) في عام 2022. ويُمثل هذا الارتفاع نسبة نمو قوية بلغت 35 في المئة. كما بلغت قيمة الاستثمارات الإماراتية إلى الخارج  22  ملياراً و328 مليون دولار أي ما يعادل 82  مليار درهم إماراتي خلال عام 2023. وارتفع رصيد الاستثمارات الإماراتية الخارجية بنهاية العام الماضي إلى262  ملياراً و208 مليون دولار أي نحو962  مليار درهم إماراتي مقابل 239 ملياراً و880 مليون دولار (نحو 880 مليار درهم) خلال العام السابق وبنسبة نمو تجاوزت حاجز الـ9 في المئة.

من جهتها، حافظت المملكة العربية السعودية على مكانتها كوجهة استثمارية جاذبة، حيث حلت في المرتبة الثانية عربياً في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة خلال عام 2023 بقيمة 12.31 مليار دولار مقابل 28 مليار دولار في عام 2022. في حين، سجلت تدفقات الاستثمارات السعودية الخارجية تراجعًا بنسبة 40 في المئة تقريبًا خلال عام 2023، لتصل إلى 16 مليار دولار، مقارنة بـ 26.96 مليار دولار في العام الذي سبقه.

بدورها، شهدت مملكة البحرين تدفقًا هائلاً للاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2023، حيث وصلت إلى 6.8 مليار دولار أمريكي، متجاوزًا قيمة التدفقات المستقطبة في 2022  البالغ 148 في المئة. وساهم هذا النمو الاستثنائي في نمو الأرصدة التراكمية للاستثمارات المباشرة الواردة إلى المملكة من 36.2 مليار دولار أمريكي في عام 2022 إلى 43.1 مليار دولار أمريكي في عام 2023.  وارتفع حجم الرصيد التراكمي للاستثمارات الأجنبية المباشرة في البحرين بنهاية عام 2023 ليصل إلى ما يقارب 99.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ليصبح بذلك أحد أعلى معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم، متجاوزًا المتوسط العالمي بنسبة 46.9 في المئة.

وفي مصر، توقّعت الـ"أونكتاد" حدوث قفزة كبيرة في تدفقات رأس المال الأجنبي المباشر خلال العام الجاري ، مدعومة بصفقة رأس الحكمة وبرنامج الطروحات الحكومية. يُذكر أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر قد تراجعت في العام 2023  لتصل إلى 9.841 مليار دولار، مقارنة بـ 11.4 مليار دولار في 2022. وأشار التقرير إلى أن الاتفاق الذي أبرمته المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لإنتاج الأمونيا الخضراء والهيدروجين الأخضر في مصر بقيمة استثمارات تبلغ 10.8 مليار دولار يُعدّ مثالًا على جاذبية مصر للاستثمارات في مجال الهيدروجين. هذا ومن المُرجّ؛ أن تشهد مصر تدفقًا هائلاً للاستثمارات الأجنبية في مشروعات الهيدروجين الأخضر، لتبلغ  81.6 مليار دولار بحلول عام 2035.

التمويل لتحقيق الاستدامة

التقرير ذكر أنه وفي ظل تشديد شروط التمويل في عام 2023، واجهت صفقات تمويل المشاريع الدولية - والتي تُعدّ ضرورية لتمويل البنية التحتية والخدمات العامة مثل الطاقة والطاقة المتجددة - انخفاضًا بمقدار الربع .وقد أدى ذلك إلى تراجع الاستثمار في القطاعات المرتبطة بأهداف التنمية المستدامة بنسبة 10 في المئة، مع تأثر واضح على النظم الزراعية والغذائية والمياه والصرف الصحي. وبالمقارنة مع عام 2015، عندما تم اعتماد أهداف التنمية المستدامة، سجلت  هذه القطاعات عددًا أقل من المشاريع الممولة دوليًا في عام 2023.

في المقابل، نمت إعلانات المشاريع الجديدة في البلدان النامية بأكثر من 1000 إعلان، إلا أن هذه المشاريع تركزت بشكل كبير في منطقة آسيا.

وفيما يتعلق بالجهود اللازمة لتعزيز التمويل المستدام ، أشار التقرير إلى تباطؤ تعبئة الأموال للاستثمار في أهداف التنمية المستدامة من خلال منتجات التمويل المستدام في أسواق رأس المال العالمية. وفي الوقت الذي شهدت السندات المستدامة نموًا هامشيًا في عام 2023، انخفضت التدفقات الجديدة في صناديق الاستثمار المستدامة بنسبة 60 في المئة.

وفي هذا السياق، ترى الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن مخاوف "الغسل الأخضر" المتعلقة بالمطالبات المضللة في مجال الاستدامة تؤثر بشكل مطرد على طلب المستثمرين. ولهذا تدعو إلى بذل المزيد من الجهود المنهجية لتحقيق المزيد من الوضوح والمصداقية في سوق الصناديق المستدامة. وتشمل هذه الجهود: معايير المنتجات المحددة جيدا، وافصاحات الاستدامة القوية ، والتدقيق الخارجي ، وتصنيفات الطرف الثالث.

دعم لتيسير الاستثمار

وفق التقرير، يُعد تيسير الأعمال التجارية والاستثمار حجر الأساس لتنمية القطاع الخاص وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول النامية، إذ أنّ 86 في المئة من تدابير سياسة الاستثمار التي اعتمدتها هذه الاقتصادات كانت مواتية للمستثمرين. ونظرًا للحاجة إلى الوصول إلى المعلومات، وشفافية القواعد واللوائح، وتبسيط الإجراءات الإدارية، أصبحت الأدوات الرقمية ضرورة لتنفيذ هذه السياسات بشكل فعال.

ومنذ إطلاق الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لقائمة عملها العالمية لتيسير الاستثمار في عام 2016، تضاعف عدد النوافذ الوحيدة على الإنترنت في البلدان النامية إلى أربع مرات تقريبًا، من 13 إلى 67 نافذة. أما في الاقتصادات المتقدمة، فقد زاد العدد بأكثر من الضعف، من 12 إلى 28 نافذة. وبشكل مشابه، شهدت بوابات المعلومات لتسجيل الأعمال والمستثمرين في البلدان النامية توسعًا ملحوظًا، حيث ارتفع عددها من 82 في عام 2016 إلى 124 في عام 2024. في حين شهدت الدول المتقدمة ارتفاعاً من 43 إلى 48.

هذا ويدعم تسهيل الأعمال والاستثمار التوسع في الخدمات الحكومية الرقمية، ليكمل بذلك النهج التقليدي "من أعلى إلى أسفل" بشكل فعال.

هذا ويمكن للبلدان تحقيق وفورات الحجم والنطاق باستخدام أدوات الحكومة الرقمية من خلال البدء بتقديم الخدمات الأساسية للأعمال التجارية والتوسع التدريجي ليشمل المزيد من المؤسسات. ويعود ذلك بالنفع على جميع الشركات، سواء كانت أجنبية أو محلية، كبيرة أو صغيرة. كما يمكن للدول النامية، على وجه الخصوص، الاستفادة من هذا النهج "التصاعدي"، الذي يضيف قيمة فورية للمستخدمين وإمكانات مدرة للدخل للحكومات دون الحاجة إلى تغييرات تشريعية كبيرة.