بقلم د. محمد الرميحي
كثيراً ما يقارن من حيث الموضوع تجربة الشيخ مشعل الأحمد الصباح أمير الكويت ، مع تجربة الملك سلمان بن عبد العزيز، الأخير تولى حكم المملكة في يناير عام 2015 ، والأول تولى امارة الكويت في ديسمبر 2023 ، أي حتى اليوم اقل من عام.
فيما يشابه الرجلان، كان الملك سلمان لصيقا بالملوك السعوديين السابقين ، وكان يختزن تجربتهم ويدرسها مع الاحترام البالغ لاجتهاداتهم ، و كذلك الأمير مشعل فقد كان لصيقا بالأمراء في الكويت من اخوانه السابقين ، الرجلان استوعبا في مسيرة طويلة وملاحظة دقيقة ان العالم يتغير ، وان الوضع الإقليمي و العالمي والداخلي يتغير أيضاً ، وان الحاجة ملحة للتطوير ومسايرة العصر ، فكانت رؤية المملكة 2030 التي يرعاها اليوم وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، ونجاحاتها في التغيير مشهودة، وكانت خطوات الإصلاح للأمير مشعل التي بدات تباشيرها .
لقد فهم الاثنان العصر والتحديات و تعاملا معها بشجاعة .
هناك اقل من عام منذ تولى الشيخ مشعل الحكم، ولكنه عام حاسم، اتخذ فيه قرارات مختلفة عن الماضي ، فلأول مرة تخرج ولاية العهد عن ثنائية ( الجابر و السالم) و تذهب الى الفرع الثالث الخالد ، كما ان وجع الكويتيين مسموع لدى الأمير من خلال ملاحظة ان الأخطاء الفادحة التي ارتكبت في الممارسة الديمقراطية الكويتية ، من خروج على النصوص و خلط الاوراق ، وقطع الارزاق ، و السعي لتحقيق المصالح الذاتية ، وتجاهل المصالح العامة ، و اعلاء القبلية و الطائفية و المناطقية ، مع جر المجتمع الذي كان مدنيا الى مكان اخر , امام ذاك اتخذ القرار الصعب بتعطيل العمل بمواد الدستور الخاصة بالانتخابات و المجلس تمهيدا لمراجعة شاملة للتجربة ، و قررت الدولة في الفترة الانتقالية ان تقوم بحزمة من الإصلاحات التي يشاهدها المواطن تقريباً كل يوم .
لقد تم إعادة تصنيف الوضع الاقتصادي بشكل موجب من المؤسسات الدولية ، واصبح القطاع الخاص يتدرج في القيام بدوره في الاقتصاد ، كما تقوم الدولة بسد الفجوات التي فتحت سواء في الفساد ، فقد قدم عدد من كبار المسؤولين الى المساءلة القضائية ، كما بدا الجهاز التنفيذي في ملاحقة المخالفات بدءاً من التهرب من الإقامة القانونية في البلد، الى مخالفات الأبنية و المؤسسات الأخرى ، الي فتح البلاد من جديد للاستقطاب الاستثمار و العمالة النافعة للاقتصاد، الى التقصي حول تزوير الشهادات المختلفة التي انشرت سلبياتها على قطاعات الدولة المختلفة .
على الصعيد الثقافي تعود الكويت الى عصرها الذهبي في انتاج و تصدير ثقافة رفيعة ، عطل مسيرتها ( حراس النوايا ) الذين وقفوا امام كل انتاج ثقافي موقف المحاسب على الضمائر ، حتى بلغ الامر منع الكتب و تعقب الفنانين الكويتيين .
كل ذلك في اشهر قليلة ، و رغم ان المهمة صعبة ، لان التركة ثقيلة ، الا ان خطط اصلاح التعليم، وهي ركيزة أساسية في التنمية ، فبدأ بإغلاق دكاكين التعليم السريع و غير الجاد ، تمهيدا للنظر في فلسفة و أدوات التعليم ، و الأشهر القلية القادمة تبعث على التفاؤل.