حكومة مدبولي الثانية
أمام أربعة تحديات

15.07.2024
الدكتور مصطفى مدبولي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

 القاهرة – محمود عبد العظيم

يرسم خطاب التكليف الرئاسي لحكومة الدكتور مصطفى مدبولي الثانية مع واقع وظروف الاقتصاد والناس في مصر هذه الأيام، أربعة تحديات رئيسية تواجه عمل هذه الحكومة في الفترة المقبلة وعليها أن توجد حلولاً غير تقليدية للتعامل معها كشرط رئيسي ليس لنجاح الحكومة فقط، بل ولمساعدة الدولة المصرية على المرور بأقل خسائر ممكنة من عنق الزجاجة الراهنة لا سيما وأن الأقتصاد المصري حصل على فرصة جديدة للإصلاح وتصحيح المسار بعدما كان يواجه حائطاً مسدوداً مطلع العام الجاري.

وتتوزع التحديات الإقتصادية التي تواجه حكومة مدبولي الثانية – والتي تكشف عن نفسها عبر 268 صفحة تمثل وثيقة البرنامج الكامل للحكومة والتي تم إحالتها للبرلمان للمناقشة – على أربعة محاور رئيسية هي ملفات التضخم وسعر الصرف والطاقة والتشغيل.

وإذا كانت حكومة مدبولي الثانية قد بدأت عملها رافعة شعار "معاً لنبني مستقبلاً مستداماً" فإن هذا المستقبل مرهون بدرجة كبيرة بإمكانية إنجاز اختراقات ملموسة في هذه الملفات الأربعة وبحيث تصل نتيجة هذه الاختراقات عبر رسائل إيجابية إلى الأسواق وبسرعة حتى يمكن طمأنة كل من دوائر الأعمال والمواطن العادي لسلامة المسار والانخراط مجدداً في عملية تعاونية مع الحكومة تعزر أداءها لا سيما من جانب القطاع الخاص المنتج والموزع على القطاعات الاقتصادية الرئيسية ويشغل 25 مليون مواطن على الأقل.

التضخم: مسار نزولي مهدد

وبالترتيب وحسب انعكاساتها على حياة ومعيشة المصريين تتصدر قضية التضخم والارتفاع المتواصل في أسعار معظم السلع والخدمات قائمة التحديات الأربعة التي جرى تكليف حكومة مدبولي الثانية بالتعامل معها بعد أن بات التضخم المنفلت أبرز مهددات النمو الاقتصادي والسلم الاجتماعي في بلد يضم 105 مليون مواطن.

بدورها تشير الأرقام إلى أن هذا التضخم بدأ مساراً نزولياً منذ إجراءات التصحيح الإقتصادي التي تم اتخاذها صبيحة يوم 6 مارس/ آذار الماضي، وهو مسار نزولي قياساً على سنة الأساس وهي عام 2023 ولعب فيه تراجع سعر الدولار من 70 إلى 48 جنيهاً دوراً رئيسياً إلى جانب إنكماش معدلات الإستهلاك العائلي الأمر الذي اسفر عن وصول معدل التضخم السنوي إلى 26,1 في المئة بنهاية يونيو/حزيران مقابل 35 في المئة مطلع العام وهو معدل مرشح للهبوط تحت مستوى العشرين بالمئة خلال العام المالي الجاري 2024 – 2025 حسب توقعات مؤسسات مالية دولية. إلا أن ضمان استمرار هذا المسار النزولي بات مهدداً بفعل إشارات عن اعتزام الحكومة رفع أسعار المحروقات والكهرباء وما يترتب على ذلك من موجة جديدة من ارتفاع الأسعار بفعل ارتدادات هذا الرفع على تكلفة النقل والمواصلات والإنتاج بصفة عامة.

وإذا كانت الحكومة سوف تضطر لهكذا إجراءات في غضون الأسابيع القليلة المقبلة – سواء تحت وطأة ضغوط العجز المالي المتزايد وارتفاع التكلفة الحقيقية لهذه المنتجات أو تحت ضغوط صندوق النقد الدولي – فإن المطلوب الاستعداد بحزمة من الإجراءات الكفيلة بإمتصاص أكبر قدر ممكن من آثار هذه الإجراءات على تكلفة الحياة اليومية للمواطنين وتكلفة الإنتاج لا سيما لدى المصانع كثيفة الاستخدام للطاقة أو المصانع الصغيرة التي تتراجع قدراتها الإنتاجية والتنافسية بفعل هذه المتغيرات الاقتصادية المتسارعة.

لذلك فإن المعيار الأول لنجاح حكومة مدبولي الثانية – بحسب خبراء - يتمثل في قدرتها على التصدي ومنع أي موجات جديدة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات وبذل المزيد من الجهد لضبط حركة الأسواق لإيجاد صيغة استقرار – حتى لو كانت هشة – على تكاليف الإنتاج والمدخلات لمساعدة ودعم القطاع الخاص والقطاع العائلي المنتج لا سيما بعد أن كشف التقرير الأخير لمؤشر مديري المشتريات في مصر عن استعداد هذا القطاع للتعافي بعد أن اقترب المؤشر من نقطة الخمسين الفاصلة بين النمو والانكماش حيث سجل المؤشر 49,9 نقطة في يونيو مقابل 49,6 في مايو/حزيران السابق.

الدولار..لازمة مستمرة

أما التحدي الثاني فيتمثل في سعر الصرف الذي يتمتع بإستقرار مصنوع منذ مارس الماضي بحسب مراقبين – حيث تتوقع دوائر مالية إمكانية عودة الفجوة السعرية بين السوقين الرسمية والموازية في وقت لاحق على خلفية بوادر شح جديد للدولار في السوق والذي تصدر بمعناه تصريحات حكومية والتي تدور حول عدم توافر الدولار اللازم لاستيراد سلع رئيسية أو حل أزمات قطاعات إنتاجية - حيوية – مثل الدواء على سبيل المثال – ومن ثم تصبح هذه القضية في مقدمة اهتمامات الحكومة في الشهور القادمة لا سيما مع استمرار تضخم الفاتورة المطلوبة لسداد أقساط وفوائد الديون الخارجية والتي تدور حول 30 مليار دولار خلال العام المالي الجاري إلى جانب تدبير الاحتياجات الاستيرادية وغيرها في ظل استمرار تراجع بعض الموارد الدولارية الرئيسية – رسوم المرور في قناة السويس مثالاً.

وإذا كانت الحكومة تراهن على جذب إستثمارات أجنبية ضخمة أو استمرار تدفق الأموال الساخنة لشراء أدوات الدين الحكومية - المحفظة في حدود 25 مليار دولار حالياً عائدة لصناديق ومستثمرين أجانب – فإن هذا الرهان وحده لا يكفي لا سيما في ظل مطالب دوائر الاستثمار الخارجية والمحلية بضرورة تحسين بيئة الاستثمار مع إصلاحات سياسية أخرى تتعلق بالشفافية المالية وعدالة المنافسة وسيادة القانون الأمر الذي يجعل الثمن المدفوع لإجتذاب المزيد من الأستثمارات الخارجية فوق ما تحتمله الظروف الراهنة.

ومن ثم وجب البحث عن حلول أخرى ومصادر متجددة للعملة الأجنبية وفي مقدمتها العمل على زيادة حصيلة الصادرات ودعم الإنتاج المحلي لخفض فاتورة الواردات وتشجيع العاملين بالخارج على زيادة تحويلاتهم المالية للبلاد وإبطاء وتيرة الاستثمارات العامة لا سيما في المشروعات ذات المكون الدولاري وتسريع برنامج الطروحات الحكومية.

الطاقة .. المعضلة الكبرى

ويتمثل تحدي نقص الطاقة المعضلة الكبرى أمام حكومة مدبولي الثانية نظراً لتأثيراتها الممتدة على خريطة الاقتصاد الكلي وتحريك أسعار المنتجات النهائية لن يحل المعضلة جذرياً بل قد يخفف مؤقتاً من فاتورة التكلفة لتعود الأزمة للمربع صفر بعد شهور قليلة.

وتتمثل أبعاد أزمة الطاقة في تضخم فاتورة مستحقات شركات البترول الدولية العاملة في السوق المصرية - تدور هذه المستحقات حول 6 مليارات دولار وقدمت الحكومة برنامجاً زمنياً للسداد - الأمر الذي يؤثر سلباً على جهود التنقيب والاكتشافات الجديدة ونقص الدولار اللازم لاستيراد الغاز لتشغيل محطات الكهرباء ومصانع الأسمدة والبتروكيماويات والحديد والاسمنت والسيراميك وتزايد الاستهلاك التجاري وضخامة الاستثمارات المطلوبة لبرنامج التحول الطاقي الهادف لتزايد الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة مستقبلاً. كل هذه العوامل تتطلب مقاربة جديدة تتسم بالإبداع للتعامل مع هذا الملف الشائك.

التشغيل ..عودة البطالة

وتلقى التحديات الثلاثة السابقة بظلالها على التحدي الرابع المتعلق بالتشغيل مع عودة مؤشرات البطالة للإرتفاع نسبياً بعدما كانت الحكومة قد نجحت في سنوات سابقة في خفضها لتدور حول 7 في المئة من قوة العمل البالغة 35 مليون مواطن. ذلك أنه مع انكماش القطاع الخاص تراجعت معدلات توليد الوظائف الجديدة ومع تزايد أعداد الداخلين إلى سوق العمل – مليوني شاب وفتاة سنوياً – عادت قضية البطالة لتطل برأسها مجدداً على المشهد الاقتصادي بالبلاد بما يترتب عليها من فقر وحرمان واهدار للطاقات.

لذلك يجب أن تولي حكومة مدبولي هذا الملف المزيد من الاهتمام في الفترة القادمة عبر دعم القطاع الخاص لا سيما في المجال الصناعي ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة عبر تقديم تمويل منخفض التكلفة في ظل ارتفاع معدلات الفائدة المصرفية حالياً وكذلك التركيز على برامج التدريب التحويلي التي تؤهل الداخلين الجدد لسوق العمل.

وفي النهاية فإن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو هل حكومة مدبولي الثانية قادرة على التعامل مع هذه التحديات الأربعة وهل لديها فرصة لتحقيق النجاح؟!

الإجابة هي نعم بالقطع حيث لا تزال مصر تمتلك فرصاً هائلة للنمو كما أن الحكومة تضم بعض الكوادر الجيدة والمؤهلة إلى جانب ظروف دولية وإقليمية مواتية وأطراف خارجية وداخلية لديها الرغبة في دعم المسار الإصلاحي المصري لا سيما مع حالة " إلتقاط الأنفاس " التي يتمتع بها الاقتصاد المصري منذ عدة شهور مضت.