المتابع لمسار السياسة الفرنسية يقف حائراً أمام أخر التطورات. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان أول رئيس يقدم على تعيين رئيس حكومة يجاهر بمثليته في شخص غبريال أتال والذي ترأس الحكومة الفرنسية لمدة تقارب الثمانية أشهر. وبعد هذه الفترة وفي ظل أزمة سياسية تكاد تعصف بالجمهورية الخامسة ها هو ذات الرئيس ماكرون يقدم على تعيين رئيس حكومة جديد في شخصية ميشال بارنيه من التوجه اليميني والذي كان من بين الشخصيات الفرنسية التي كانت قد صوتت ضد عدم تجريم العلاقات المثلية في عهد الرئيس الراحل الاشتراكي ميتران قبل أكثر من أربعين سنة.
هل التعيين صدفة أم رسالة؟
صدفة قد تكون نعم، ولكن يعلم المتابع للشأن السياسي أن الصدفة عملة نادرة وكل تصرف مهما كان يحمل في ثناياه رسالة سياسية لأوساط بعينها بهدف ارضائها أو محاولة التودد لها على الأقل. فما هي الرسالة التي يريد ماكرون تمريرها للقوى السياسية التي تهيكل السياسة في فرنسا.
الانتخابات التشريعية الأخيرة افرزت في فرنسا عن معادلة مستحيلة في مجلس النواب ومن الصعب إيجاد اغلبية يمكن لها توجيه السياسة الاقتصادية ففي فرنسا.
من الناحية الرقمية فإن تحالف قوى اليسار الفرنسي فاز بأكبر حصة دون أن يصل الى الأغلبية المطلقة والتي تمكنه من الحصول على منصب رئيس الحكومة. وفي الطرف النقيض نجد قوى أقصى اليمين الفرنسي بزعامة مارين لوبان والتي تتبنى طروحات متطرفة ترفض سياسات الهجرة وتدعو ضمنا إلى طرد الأجانب بالإضافة إلى رفضها لكل الأفكار والممارسات التي تهدد تماسك المجتمع على المستوى الأنثروبولوجي في نظرها.
وبين اليسار الفائز بأغلبية بسيطة وقوى اليمين المتطرف يقف تيار الوسط الذي يتزعمه ماكرون والذي عليه حل المعادلة المستحيلة بإرضاء الجميع أي شخصية وسطية ذات خطاب يجمع بين المطالب الاجتماعية التي ينادي بها اليسار وفي ذات الوقت يعطي ضمانات للطرف النقيض بأن فرنسا القديمة ما زالت تملك الكلمة ولعل ميشال برنيه القديم/ الجديد يحقق هذا المطلب فهو يمثل التيار الديغولي والذي يتضمن سمة اجتماعية معلنة وفي نفس الوقت يرفض الطروحات العصرية من مثلية وحق الإجهاض وهي الأفكار التي يحملها اليسار بجميع اطيافه.
هل وجد ماكرون في نهاية الأمر مفتاح الصيغة المستحيلة للأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا؟ صعب القول نعم لأن أزمة فرنسا عميقة أهمها أزمة هوية وأزمة اجتماعية واقتصادية وأمام برنيه حل كل هذه العقد في أقل من سنة انه رهان الرئيس ماكرون.