حرب السودان تُطيح بتوقعات
نمو أفريقيا جنوب الصحراء

16.10.2024
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

أعلن البنك الدولي عن تخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هذا العام بنسبة 0.4 نقطة مئوية، ليصل إلى 3 في المئة، وذلك في ظل الأضرار الاقتصادية الجسيمة للحرب الأهلية في السودان.  ومع ذلك، من المتوقع  أن يظل النمو عند مستويات مريحة تتجاوز 2.4 في المئة الذي سُجّل في العام الماضي، وذلك بفضل الزيادة الملحوظة في الاستهلاك والاستثمار الخاص. يأتي ذلك وفقاً لأحدث تقرير للبنك حول التوقعات الاقتصادية الإقليمية بعنوان "نبض أفريقيا".

ومن المتوقع أن يصل النمو في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء إلى 4 في المئة في المتوسط خلال عامي 2025 و2026، مدعوماً بانتعاش الاستهلاك الخاص والاستثمار، بالإضافة إلى انخفاض أسعار الفائدة مع تراجع التضخم إلى 4.8 في المئة هذا العام، بعد أن كان 7.1 في المئة في 2023. وأرجع التقرير التباطؤ في النمو إلى تصاعد الصراع العنيف في السودان، الذي بدأ قبل 18 شهراً وما زال يتفاقم. وقد أسفر القتال عن نزوح نحو 11 مليون شخص من أصل 48 مليون نسمة في البلاد، حيث لجأ الكثيرون إلى الدول المجاورة، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

وأشار البنك إلى أن "تراجع توقعات النمو يعود جزئياً إلى الانهيار الحاد في النشاط الاقتصادي في السودان نتيجة النزاع المسلح، الذي ألحق أضراراً جسيمة برأس المال البشري والمادي. كما أثر سلباً على الأمن الغذائي وزاد من حالات النزوح القسري". كما أوضح أنه لولا الصراع المستمر في السودان، الذي دمر النشاط الاقتصادي وأدى إلى المجاعة والنزوح الجماعي، لكان من المتوقع أن يبلغ النمو الإقليمي في عام 2024 مستويات أعلى بنصف نقطة مئوية، مما يتماشى مع تقديراته الأولية في نيسان/ أبريل.

وتوقع التقرير أن ينكمش اقتصاد السودان بنسبة 15.1 في المئة في عام 2024، مع تعافٍ طفيف في العام 2025 بنسبة 1.3 في المئة. وعلق كبير الاقتصاديين في البنك الدولي لشؤون أفريقيا، أندرو دابالين، أنه باستثناء السودان، من المتوقع أن تحقق المنطقة نموًا بنسبة 3.5 في المئة في 2024. وأضاف أن "الاقتصاد السوداني قد تلاشى تقريباً بشكل كامل".

ومع ذلك، لا يزال التعافي الاقتصادي هشاً، حيث تواجه صعوبة في استعادة مستويات دخل الفرد التي كانت سائدة قبل الجائحة، وفقاً لتحذيرات البنك الدولي. وأضاف دابالين أن العديد من الاقتصادات في المنطقة تعاني من نقص ملحوظ في الاستثمارات العامة والخاصة، وأن التعافي في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، الذي بدأ في عام 2021، لا يزال ضعيفاً. وشدد على ضرورة أن تحقق المنطقة مستويات استثمار أعلى بكثير لتسريع عملية التعافي والحد من الفقر بشكل فعال.

هذا ويعاني النمو في المنطقة من الأعباء الثقيلة لتكاليف خدمة الديون، خاصة في دول مثل كينيا، التي شهدت احتجاجات مميتة ضد زيادة الضرائب في حزيران/يونيو وتموز/يوليو الماضيين. وأوضح دابالين أن "مدفوعات الفائدة وصلت إلى مستويات مذهلة"، مشيراً إلى أن الحكومات قد اتجهت في العقد الماضي إلى الاقتراض من الأسواق المالية، مما أدى إلى تضخم إجمالي الدين الخارجي بين الاقتصادات إلى نحو 500 مليار دولار، مقارنة بـ150 مليار دولار قبل 15 عاماً.

وتخلفت دول مثل تشاد وزامبيا وغانا وإثيوبيا عن سداد ديونها خلال السنوات الأربع الماضية، وقامت بإعادة هيكلة ديونها بموجب إطار عمل مبادرة مجموعة العشرين. ولا تزال إثيوبيا في عملية إعادة هيكلة ديونها، بينما أكملت الدول الأخرى هذه العملية. وأكد دابالين أنه "طالما لم تُحل قضايا الديون هذه، ستستمر حالة من الانتظار والترقب، وهو ما لا يفيد الدول ولا الدائنين على حد سواء".

وقد تسببت هذه التحديات في انخفاض طفيف جداً في مستويات الفقر المدقع، حيث انخفضت بنسبة 0.5 في المئة  فقط بين عامي 2022 و2024. وفي العام 2024، يعيش 36.5 في المئة من سكان القارة على أقل من 2.15 دولار يومياً، وارتفع عدد الفقراء من 448 مليوناً في 2022 إلى 464 مليوناً في 2024.

كما حذر البنك من أن ارتفاع تكاليف المعيشة، والفساد، وضعف الحوكمة قد أدى إلى اندلاع احتجاجات في دول مثل كينيا ونيجيريا وأوغندا، مما يهدد استقرار المنطقة بشكل كبير.

أما بالنسبة لأكثر اقتصادات المنطقة تقدماً، توقّع البنك أن يرتفع نمو جنوب أفريقيا إلى 1.1 في المئة هذا العام، مع زيادة متوقعة إلى 1.6 في المئة في العام 2025، بعد أن سجل 0.7 في المئة العام الماضي. كما من المتوقع أن تنمو نيجيريا بنسبة 3.3 في المئة هذا العام، لترتفع إلى 3.6 في المئة في عام 2025. من جهة أخرى، من المرجح أن يتوسع اقتصاد كينيا، الذي يعتبر أغنى اقتصاد في شرق أفريقيا، بنسبة 5 في المئة هذا العام.

ونمت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بمعدل سنوي قوي بلغ 5.3 في المئة خلال الفترة من 2000 إلى 2014، مستفيدة من دورة السلع الأساسية الفائقة. ومع ذلك، بدأ الناتج في التراجع عندما انهارت أسعار السلع الأساسية، وتفاقم هذا التباطؤ بسبب جائحة "كوفيد-19". وحذر دابالين من أنه "إذا استمر هذا الوضع لفترة طويلة، فستكون له عواقب كارثية".