*كتب عماد الدين أديب
ثلاثة قرارات لثلاث زعامات سوف تحدّد خارطة السلام والحرب في المنطقة لعقد كامل.
قرار إسرائيلي، وقرار إيراني، وقرار أميركي ترسم صورة المستقبل للشهور والسنوات المقبلة:
– أوّلاً: قرار إسرائيل الاستراتيجي، هل تكتفي تل أبيب بتصفية قيادتَي حماس والحزب وتبدأ مرحلة “جني الأرباح” من خلال صفقة تسوية شاملة أم فائض القوّة الآتي من إنجازاتها الأمنيّة سوف يغريها باستكمال تغيير معادلات القوّة في المنطقة كلّها؟
– ثانياً: قرار إيران الذي يتعيّن فيه أن تختار بين سياسة “المواجهة الأمنيّة عبر أذرعها” من أجل ابتزاز المنطقة والعالم وبين رفع العقوبات.
إذا استمرّت إيران في التسخين والمواجهة فقدت أكثر ممّا خسرت بالفعل حتى الآن، وإذا دخلت في مزاج “كش ملك” وتراجعت من أجل الصفقة والجائزة الكبرى، وهي رفع العقوبات الدولية، فإنّ ذلك كلّه مرتبط باسم الرئيس المقبل في واشنطن يوم 5 تشرين الثاني.
– ثالثاً: القرار الأميركي لمن سوف تتمّ تسميته وانتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
هذا الرئيس الفائز المطلوب أن يحسم موقفه في الشرق الأوسط من:
1- خطط بيبي نتنياهو الجامحة التي تنذر بحرب إقليمية.
2- كيفية التعامل مع النظام الإيراني.
3- الموقف من دول الخليج العربي التي تنتظر معاهدات أمنيّة وحماية من التطرّف الإيراني والجنون الإسرائيلي.
العالم وحالة “عدم التّيقّن”
في العلوم السياسية يصفون الحالة التي تعيشها المنطقة والعالم بأنّها حالة من “عدم التيقّن”.
خطورة هذه الحالة أنّه لا توجد فيها أيّ اتجاهات واضحة أو خيارات متغلّبة أو احتمالات مؤكّدة. إنّها حالة الوقوع بين الشيء ونقيضه وبين طرفَي الخيارات المتضاربة.
هذه الحالة مرهقة لكلّ الأطراف لأنّهم لا يستطيعون الرهان على موقف واضح وصريح، سواء كانت نتائجه بالسالب أو بالموجب. من هنا يمكن القول إنّ الإيراني والإسرائيلي ينتظران بشغف وقلق واهتمام لمعرفة اسم الرئيس الأميركي المقبل.
بالنسبة للإيراني هناك السيّئ (هاريس) وهناك الأكثر سوءاً (ترامب).
بالنسبة للإسرائيلي هناك الجيّد هاريس والأكثر جودة ترامب.
بالنسبة الإيراني هناك فاتورة سوف يدفعها في الحالتين، وقد تقلّ أو تزيد.
بالنسبة للإسرائيلي هناك جائزة سوف يحصل عليها، وقد تقلّ أو تزيد. في الحالتين مشروع الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية مؤجّل لحين حسم مستقبل غزة ودور السلطة الفلسطينية والترتيبات الأمنيّة الإسرائيلية.
في الحالتين سواء فازت هاريس أو ترامب، فلا بدّ من ترتيبات أمنية تعيد الحزب مرتدعاً إلى ما بعد الليطاني وتسلِّم الجيش اللبناني مع اليونيفيل تأمين الحدود، إضافة إلى ضرورة وجود رئيس للجمهورية قويّ وقادر ومستقلّ.
هل تستجيب إيران؟
يصبح السؤال هنا: هل تساير إيران هذه الخطّة أم تصرّ على الاستمرار في لعب دور المفسد أو كما تسمّيه الدبلوماسية الأميركية The role of the spoiler؟
تسعى واشنطن ومن خلفها إسرائيل إلى أن تكون أهمّ مواصفات الرئيس في رام الله أو بيروت القدرة على التحكّم في إدارة شؤون دولة مستقلّة خالية من تأثيرات أيّ ميليشيا أو أيّ قوى إقليمية مثل إيران أو سوريا.
ترى مصادر عربية خليجية أنّ ما حدث من عمليات أمنيّة وعسكرية في غزة والجنوب أدّى إلى تغيير جوهري واستراتيجي في موازين القوى الإقليمية لا بدّ أن تنعكس آثاره على غزة وبيروت وعلى ملفّات تأثيرات الأذرع الإيرانية في المنطقة. لذلك كلّه هناك قلق شديد لدى هذه الدوائر على قيام نائب رئيس الحزب الشيخ نعيم قاسم بإعادة تنظيم وتجميع تيارات الشباب والجيل الأوسط من الحزب.
الخوف من فكر ورؤية ونشاط الشيخ نعيم قاسم يعود إلى أنّ الرجل ليس مؤدلجاً لكنّه صاحب الفكر التنظيمي التأسيسي في كتابه: “المرجع المفتون باسم حزب الله”، الذي جاء فيه أنّ شرط العضوية الأساسي في الحزب يستلزم أن يقوم الراغب في الانضمام بإنجاز التدريب العسكري حتى يصبح مجاهداً عسكرياً.
التخوّف من هذا النوع من التفكير الجهادي يأتي في وقت هناك مشروع سياسي دولي إقليمي جديد يريد إعادة تأهيل الحزب كي يترك السلاح والجهاد ويكتفي بأن يكون حركة سياسية اجتماعية تخدم مصالح جمهورها وطائفتها.
تفاهم إقليميّ جديد
يتبلور تفاهم واضح وخطّ ناظم يجمع العديد من القوى الإقليمية على ضرورة ضمان عدم تكرار ثلاثة أمور:
1- أن تستيقظ ميليشيا في أيّ دولة المنطقة وتعلن انفرادياً الحرب وتبدأ صراعاً دموياً لا ينتهي.
2- عدم تمكين إيران من تمويل أو تسليح أو تحريك أيّ من أذرعها في المنطقة.
3- عدم تمكين أيّ ميليشيا في المنطقة من اليمن إلى سوريا ومن العراق إلى لبنان ومن غزة إلى الضفة من تعطيل الإرادة السياسية للغرب وإسرائيل داخل هذه الدول.
بالمقابل، هناك قضايا ضاغطة في المستقبل القريب على الجميع:
1- إعادة إسكان وإعاشة 2.4 مليون نازح في غزة ومليون ونصف نازح في الجنوب والبقاع والضاحية.
2- كيفية إيجاد إدارة سياسية تجمع بين القبول الدولي والإقليمي في غزة وبيروت والقبول الشعبي في آن واحد.
3- شكل الترتيبات الأمنية التي يريدها نتنياهو من أجل فصل شمال غزة عن جنوبها من الوسط، وإنشاء منطقة عازلة من 20 إلى 30 كلم من الليطاني. باختصار نحن لا نواجه مرحلة ما بعد العمليات العسكرية، لكن نحن في مرحلة تحوّل استراتيجي لكلّ قواعد اللعبة وموازين القوى في صياغة تكتب بالدم على الورق.
"نقلاً عن موقع "أساس ميديا"*