منذ أكثر من خمس سنوات، يغرق الاقتصاد اللبناني في أزمة متجذرة وعميقة، خلفت وراءها انهياراً مروعاً وأضراراً جسيمة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي، لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم. وقد ساهم تصاعد وتيرة الحرب الإسرائيلية في تفاقم الضغوط على مختلف القطاعات الاقتصادية والإنسانية، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن خسائر الحرب تجاوزت 20 مليار دولار. كما أدت الهجمات المستمرة إلى تدمير آلاف المنازل ونزوح ما يقرب من 1.5 مليون شخص، مما فاقم من حدة معاناة اللبنانيين. وفي ظل هذا الواقع المأساوي، تلوح في الأفق مؤشرات خطيرة على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث تحذر التقارير المتتالية من عواقب وخيمة تهدد جميع أوجه الحياة في لبنان.
الحرب تدمر الاقتصاد
في تقرير حذر بعنوان "العواقب الاقتصادية والاجتماعية لتصاعد الأعمال العدائية في لبنان"، سلّط برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الضوء على التأثيرات الجسيمة للحرب على الناتج المحلي الإجمالي اللبناني، وتأثيرها على فرص العمل، والبنية الاجتماعية. وتوقع التقرير أن تكون لهذه الحرب انعكاسات واسعة على الاقتصاد اللبناني، حيث يمكن أن تؤدي إلى استنزاف نحو 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بسيناريو غياب الحرب، مما يعكس الأثر المدمر للصراع، الذي يقدّر بنحو ملياري دولار.
التقييم السريع للمنظمة الأممية أشار إلى أن حجم الأعمال القتالية والتداعيات الاقتصادية الناتجة عنها قد تتجاوز ما شهده لبنان خلال حرب 2006، موضحاً أن استمرار الصراع حتى نهاية العام سيؤدي إلى تفاقم الأزمة المالية بشكل كبير، مع توقع زيادة احتياجات الحكومة التمويلية بنسبة 30 في المئة. كما نبّه التقرير إلى أن آثار الصراع ستستمر لسنوات، حتى في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار في عام 2024، مما سيؤدي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.28 في المئة في عام 2025 و2.43 في المئة في عام 2026، مع تراجع إيرادات الحكومة بنسبة 9 في المئة وانخفاض الاستثمارات بأكثر من 6 في المئة خلال العامين المقبلين.
البرنامج الانمائي عزّز من تقييمه للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والإسكان والقدرات الإنتاجية، مثل المصانع، مشيراً إلى أن تلك الأضرار قد تقترب من المستويات التي تكبّدها لبنان في حرب 2006، والتي أدت إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 8 و10 في المئة، أي ما يعادل خسارة تتراوح بين 2.5 مليار دولار أميركي و3.6 مليار دولار أميركي. وأعرب عن مخاوفه من أن إجمالي حجم الأضرار قد يتفاقم بشكل ملحوظ في المستقبل، إذ إن حجم المعارك وانعكاساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في عام 2024 ستكون أشد بكثير مما كانت عليه قبل 18 عاماً.
وبحسب التقييم السريع، تخلف الحرب آثاراً اقتصادية عميقة على المدى القصير، مما يؤدي إلى انكماش شديد في قطاعات رئيسية، مثل السياحة والزراعة والصناعة والتجارة وغيرها. ونتيجة لتعطيل المعابر التجارية وسلاسل التوريد، بالإضافة إلى الأضرار المباشرة الناجمة عن الاعتداءات وانخفاض الطلب الاستهلاكي، اضطرت العديد من المؤسسات التجارية، لاسيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى إغلاق أبوابها أو تعليق نشاطاتها. وأضاف أن إغلاق المعابر الحدودية، التي تُعتبر حيوية للتجارة، سيتسبب في تراجع حاد في النشاط التجاري بنسبة 21 في المئة. يُذكر أن معبرين حدوديين بين لبنان وسوريا قد خرجا عن الخدمة جراء الغارات الاسرائيلية عليهما.
وأظهرت تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنَّ ارتفاع معدلات البطالة سيؤثر في نحو 1.2 مليون عامل في جميع أنحاء البلاد. هذا ومن المتوقع أن يرتفع معدل البطالة ليبلغ رقماً قياسياً قدره 32.6 في المئة بحلول نهاية العام.
تشاؤم وانكماش
وفي أحدث تقاريره عن المستجدات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أفاد البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بأن تصاعد الصراع في لبنان من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الخسائر البشرية والاقتصادية، حيث يعتمد تأثير هذا التصعيد على مستقبل النزاع. وقد كان الاقتصاد اللبناني يعاني من ضغوط متزايدة حتى قبل بدء التصعيد في سبتمبر 2024، مما أسفر عن تراجع عائدات السياحة ووقف الأنشطة الاقتصادية المحلية نتيجة نزوح السكان من الجنوب، الأمر الذي أدى إلى انكماش بنسبة 0.8 في المئة في عام 2023.
وحذر تقرير البنك من أن الاقتصاد اللبناني يتجه نحو انكماش بنسبة 1 في المئة في عام 2024، بسبب تضافر الصراع المسلح والأزمات السياسية والاقتصادية. كما أوصى بضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية ملموسة وإحراز تقدم مع صندوق النقد الدولي لتحقيق نمو اقتصادي متواضع بنسبة 2 في المئة في عام 2025، مشدداً على أن الاقتصاد اللبناني لا يزال هشاً ويواجه مخاطر عديدة.
من جهته، نشر معهد التمويل الدولي (IIF) تقريراً بعنوان "الحرب في الشرق الأوسط: عند نقطة تحول"، حيث استعرض فيه الآثار الاقتصادية للحرب على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع تركيز خاص على لبنان. التقرير أشار إلى أن النزاع سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد اللبناني المتعثر، مما يضعه أمام تحديات جديدة وخطيرة.كما قدم سيناريوهين بديلين لتقييم تأثير الحرب.
في السيناريو الأساسي، تم افتراض حدوث غزو بري إسرائيلي كبير، مما سيؤدي إلى انكماش الاقتصاد اللبناني بنحو 10 في المئة في العام المقبل نتيجة لتهجير 1.5 مليون شخص ونزوح أكثر من 12 في المئة من السكان. وسيتعرض القطاع الزراعي والسياحي لأضرار جسيمة، مع تلوث التربة وتدمير البنية التحتية الهشة. وفي حالة استمرار النزاع حتى منتصف عام 2025، يتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7 في المئة في 2024 و10 في المئة في المئة في 2025، مما يعني انكماشاً تراكمياً بنسبة 60 في المئة منذ عام 2018.
أما في السيناريو التشاؤمي، فمن المرجح أن تستمر المعارك حتى عام 2025، مما سيؤدي إلى خسائر أكبر في الأرواح، وزيادة النزوح، وتدمير أكبر للبنية التحتية. في هذه الحالة، من المتوقع أن يتراجع النمو بنسبة 15 في المئة على الأقل في 2025، وبالتالي تعميق الأزمة الاقتصادية وتأخير التعافي الذي تحتاجه البلاد بشكل ملح.
القطاعات في خطر
وفيما يتعلق بالقطاع الخاص، كشفت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني عن تراجع ملحوظ في مؤشر مديري المشتريات في لبنان، حيث سجل أدنى مستوى له منذ تشرين الأول 2021 نتيجة لتوسع رقعة الحرب مع إسرائيل. هذا التوسع أدى إلى تعطيل نشاط القطاع الخاص بصورة حادة مع عدم وجود توقعات بحلول قريبة. كما تسبب التصعيد الحالي في الهجمات الاسرائيلية في أضرار مادية كبيرة ونزوح أكثر من 1.2 مليون شخص من الجنوب وبيروت، ما أثر بشدة على نشاط الشحن والمطارات.
وبحسب الوكالة، ستلعب المخاطر الأمنية المتزايدة والمخاوف المتعلقة بالسلامة دوراً حاسماً في تقليص جاذبية لبنان كوجهة سياحية على المدى القصير. علاوة على ذلك، ستؤدي عمليات النزوح إلى إعادة توجيه أولويات قطاع الإقامة، حيث تم تحويل الفنادق وخدمات الإيجار لتلبية احتياجات النازحين ودعمهم في هذه الأوقات الصعبة. كما توقعت الوكالة انخفاض عدد السياح الوافدين بنسبة 29 في المئة في عام 2024، ليصل إلى 1.2 مليون زائر مقارنة بـ 1.7 مليون في عام 2023. ويعكس هذا الرقم 61.1 في المئة فقط من مستويات ما قبل الوباء المسجلة في عام 2019، والتي كانت تبلغ 1.94 مليون وافد. ومع استمرار الصراع حتى عام 2025، لا تتوقع الوكالة أن يعود إجمالي الوافدين إلى مستويات ما قبل الوباء حتى عام 2026 على الأقل.
وكشفت البيانات الصادرة عن المطارات لشهر أيلول عن انخفاض ملحوظ في عدد الوافدين بنسبة 38.4 في المئة مقارنة بالعام السابق، بالاضافة إلى تراجع بنسبة 34.0 في المئة في عدد عمليات الهبوط والإقلاع. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التراجع إلى تدهور كبير في قطاع السياحة ونشاط الاستيراد في لبنان.
من جهتها، حذرت دراسة مشتركة بين لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" من أن لبنان يشهد أزمة إنسانية واقتصادية متفاقمة، وهو "يقف على حافة انهيار كارثي" نتيجة الأحداث الأخيرة. الدراسة، التي جاءت تحت عنوان "الأثر المتعدد الأبعاد للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان"، توقعت ارتفاعاً حاداً في معدلات الفقر، لتصل إلى 94 في المئة في محافظة النبطية و87 في المئة في محافظة جنوب لبنان، مما يعكس الأبعاد الإنسانية القاتمة للحرب الدائرة.
كما أشارت الدراسة إلى أزمة إنسانية حادة متوقعة، مع تصاعد الصراع الذي يدفع القطاع الصحي المنهك أساساً إلى حافة الهاوية. وعلى صعيد السياحة، توقعت الدراسة أن تتجاوز الخسائر 3 مليارات دولار، حيث حذرت وكالة "S&P Global" للتصنيف الائتماني من أن خسائر السياحة وحدها قد تصل إلى 23 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبنان.
ونتيجة للقصف والقنابل الفوسفورية والحرائق، تعرض القطاع الزراعي لضرر كبير، مهدداً الأمن الغذائي وسبل العيش في المجتمعات الريفية. هذه الأضرار تعرقل جهود التعافي التي تحتاج إلى فترات زمنية طويلة في ظل تلوث التربة. ومنذ آب/ أغسطس 2024، لم يتمكن المزارعون من زراعة 17 مليون متر مربع من الأراضي بسبب الصراع. كذلك، لم يسلم القطاع الصناعي من شظايا الحرب، إذ من المتوقع أن ينكمش بنسبة تزيد عن 50 في المئة ، مما سيُسفر عن خسائر تقدر بحوالي 2 مليار دولار.
نزوح ودعم: لبنان يستغيث
يعاني لبنان من أزمة نزوح مأساوية تتطلب تخصيص موارد مالية إضافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للبنية التحتية والخدمات الأساسية. وفي هذا السياق، أطلق رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بالتعاون مع المنسق المقيم للأمم المتحدة، عمران ريزا، نداءً إنسانياً عاجلاً لجمع 426 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الملحة للمدنيين اللبنانيين. وكان وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ورئيس اللجنة الوطنية للطوارئ، ناصر ياسين، قد أعلن أن لبنان بحاجة إلى 250 مليون دولار شهرياً لمساعدة أكثر من مليون نازح نتيجة الهجمات الإسرائيلية، مشيراً إلى أن جهود الحكومة، المدعومة بمبادرات محلية ومساعدات دولية، لم تُغط سوى 20 في المئة من احتياجات النازحين المقيمين في مبانٍ عامة أو مع أقاربهم.
ومنذ بداية الحرب، لبّت العديد من الدول نداء الاستغاثة في إطار التضامن العربي والدولي، حيث قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة مساعدات إغاثية عاجلة بقيمة 100 مليون دولار، بينما ساهمت كندا بمبلغ 10 ملايين دولار كندي، وقدمت المملكة المتحدة 5 ملايين جنيه إسترليني كمساعدات إنسانية. كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم 10 ملايين يورو (11.2 مليون دولار) لدعم المتضررين، بهدف تلبية احتياجات الحماية والمساعدات الغذائية والمأوى والرعاية الصحية.
علاوة على الدعم المالي، وجهت القيادة السعودية مساعدات طبية وإغاثية، بينما أطلق برنامج الأغذية العالمي عملية طارئة لتقديم المساعدات الغذائية لمليون شخص. وجاءت إلى لبنان طائرات مساعدات من فرنسا والأردن وتركيا محملة بمعدات طبية ومواد غذائية، في حين بادرت قطر بتوزيع إعانات إنسانية، وأمر الرئيس المصري بإرسال مساعدات طبية وإغاثية طارئة. كما أعلن العراق عن إقامة جسر جوي وبري لنقل المساعدات واستقبال الجرحى.
وفي 24 تشرين الأول/أكتوبر، عُقد المؤتمر الدولي لدعم لبنان في باريس بحضور أكثر من 70 دولة و15 منظمة دولية، حيث تم الإعلان عن تعهدات بتقديم مليار دولار، منها 800 مليون دولار للمساعدات الإنسانية و200 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني. كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعم قيمته 100 مليون يورو للبنان، وتعهدت ألمانيا بتقديم 96 مليون يورو (103 ملايين دولار). وأفاد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بأن الإتحاد سيقدم دعماً للجيش اللبناني بقيمة 20 مليون يورو في عام 2024 و40 مليون يورو في عام 2025، بالإضافة إلى دعم إنساني بقيمة 80 مليون يورو. كما أعلنت الولايات المتحدة عن تعهدها بتقديم 300 مليون دولار دعماً للبنان.
هذا ولن تُقدم أي من هذه الأموال كمنحة مباشرة للحكومة اللبنانية، بل سيتم توجيهها عبر وكالات الأمم المتحدة المتخصصة في العمل الإنساني، لضمان وصولها مباشرة إلى المتضررين من اللبنانيين. وقد فرض المجتمع الدولي شروطاً صارمة على تقديم المساعدات، مما يعكس تلحولاً في المسار الدولي، حيث أصبحت المساعدات مرتبطة بتنفيذ إصلاحات جوهرية. وبالتالي، يمكن القول إن المؤتمراستطاع أن يحقق نجاحاً على الصعيد الإنساني يفوق بكثير انجازه الاقتصادي.
ففي حرب تموز 2006، تلقت الحكومة اللبنانية دعماً مالياً ملحوظاً من الدول العربية الصديقة، بلغ 1.174 مليار دولار. حيث قدمت السعودية 734 مليون دولار على شكل هبات نقدية، وساهمت الكويت بـ 315 مليون دولار، وسلطنة عمان بـ50 مليون دولار، والعراق بـ 35 مليون دولار. وساهم تدخل المصرف المركزي آنذاك في ضخ مليار دولار في السوق، مما ساعد على تهدئة الطلب على الدولار والحفاظ على استقرار سعر الصرف عند مستوى 1500 ليرة، في ظل احتياطي من العملات الأجنبية بلغ 11.7 مليار دولار.
اليوم، لا يزال الدعم محدوداً ومقتصراً على مساعدات إنسانية إنقاذية، مما يحد من فعالية الاستجابة للاحتياجات المتزايدة. في الوقت نفسه، تراجعت احتياطات المصرف المركزي لتصل إلى 10.32 مليار دولار أميركي، حيث تُعَد معظمها توظيفات إلزامية لأموال المودعين. يعود ذلك إلى قرار المصرف المركزي منح المصارف حوالي 200 مليون دولار أميركي لتغطية الدفعات الاستثنائية (دفعتين إضافيتين) للمستفيدين من أحكام التعميمين الأساسيين رقم 158 و166. إذ تأتي هذه الخطوة في إطار سياسة المصرف لزيادة عدد المستفيدين من تعاميمه.
فخ الرمادية
وفي خضم الحرب، أدرجت مجموعة العمل المالي "FATF" لبنان في "القائمة الرمادية" للدول التي تحتاج إلى تدقيق خاص ومزيد من المراقبة على تعاملاته المالية، على الرغم من الجهود التي بذلها حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، لتجنب هذا المصير. وأكدت المكسيكية إليسا دي أندا مادرازو، التي تتولى حالياً الرئاسة الدورية للمنظمة، أن إدراج لبنان في القائمة الرمادية يجب ألا يعيق جهود الإغاثة، وأن العمل مستمر على ضمان بقاء قنوات المساعدات الإنسانية مفتوحة.
وكان لبنان قد تعهد رسمياً بتعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، رغم التحديات الضخمة التي يواجهها على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وقد منحت مجموعة العمل المالي لبنان مهلة إضافية حتى عام 2026 لمعالجة الثغرات التي أدت إلى إدراجه في القائمة الرمادية، والتي تشمل بشكل خاص المخاوف المتعلقة بتمويل الإرهاب واستقلال القضاء.
وأوضحت المجموعة في تقريرها أن لبنان أحرز تقدماً في العديد من الإجراءات الموصى بها، وسيواصل تنفيذ الإصلاحات الضرورية. وفي هذا الإطار، يرى البعض أن عملية الإدراج قد تمثل فرصة حقيقية للضغط على الحكومة اللبنانية للبدء في تنفيذ الإصلاحات المصرفية والاقتصادية المطلوبة، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد جراء الحرب. من ناحية أخرى، يخشى آخرون أن يشكل تصنيف لبنان في القائمة الرمادية تهديداُ فعلياً لعزله مالياً واقتصادياً عن المجتمع الدولي، خاصة في ظل الشغور الرئاسي والشلل المؤسساتي، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية.
امتحان الإنقاذ
بعد مرور أكثر من شهر على بدء الحرب، يواجه لبنان أزمة وجودية مصيرية تستدعي تضافر الجهود الوطنية والدولية، وتتطلب تحركًاً حاسماً قبل فوات الأوان. وها هي الحرب تأتي لتعطل مجدداً مسار التعافي، مهددةً بإيقاف عجلة الاقتصاد وإعادته إلى حالة ركود عميق، ومنذرةً بتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والانسانية، خصوصاً في ظل الفراغ الرئاسي وغياب خطة إنقاذ اقتصادية واضحة المعالم؛ فالإصلاحات الهيكلية الجذرية لم تعد مجرد خيار، بل باتت ضرورة ملحة للخروج من دوامة الحرب والدمار والانهيار. لذا، فإن الطريق إلى التعافي يتطلب التزاماَ صادقاً وحقيقياً وإجراءات عاجلة تتناسب مع حجم الأزمة، لإنقاذ لبنان وشعبه وأرضه واقتصاده.