بقلم :د. مهندس وسام صافي*
الجيش اللبناني هو العمود الفقري لأمن واستقرار لبنان، حيث يتولى حماية الحدود ومواجهة التحديات الأمنية الداخلية. ومع ذلك، فإن الجيش لا يمتلك الإمكانيات الكافية للقيام بمهام الدفاع الشاملة أمام الجيش الإسرائيلي، وذلك يعود لعدة أسباب تتعلق بأبعاد سياسية وإقليمية ودولية متشابكة .
حاليًا، يتمتع الجيش اللبناني بقدرات عسكرية دفاعية تجعله فعالاً في حماية الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، لكنه لا يزال يفتقر إلى القدرات الهجومية والتكنولوجيا المتطورة التي تتيح له مواجهة أي تهديدات كبرى، خاصة على الحدود مع إسرائيل. تتضمن قدرات الجيش اللبناني:
1 - معدات مكافحة الإرهاب: يشمل دعم الدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، تجهيز الجيش اللبناني بمعدات متخصصة في مكافحة الإرهاب، مثل المدرعات الخفيفة، وأجهزة الرؤية الليلية، والمعدات التكتيكية، إلى جانب وحدات مدربة خصيصاً لمواجهة الجماعات المسلحة مثل تنظيم داعش .
2 - التكنولوجيا المتقدمة للمراقبة الحدودية: يمتلك الجيش أنظمة مراقبة ورادارات حديثة تساهم في ضبط الحدود، لكنها لا تصل إلى مستوى الأنظمة الهجومية أو الدفاعية المتقدمة كالدفاعات الجوية أو الصواريخ الدقيقة، والتي تقتصر على منظومة حزب الله غير النظامية.
3 - القوات الخاصة: تميز الجيش بوحدات كفؤة مثل فوج المغاوير، فوج المجوقل، فوج مغاوير البحر، الافواج التدخل، فرع مكافحة الإرهاب والتجسس وفرع القوة الضاربة....، والتي أظهرت نجاحات ملحوظة في عمليات نوعية داخلية. هذه الوحدات مجهزة لمواجهة التهديدات الإرهابية وتضطلع بمهام عالية الدقة، لكنها لا تمتلك الدعم اللازم لزيادة فاعليتها في الحروب النظامية .
4 - التدريب المكثف والشراكات العسكرية: يعزز الجيش من قدراته عبر الشراكات والتدريبات المشتركة مع جيوش غربية، مما يرفع كفاءة ضباطه وجنوده في العمليات التكتيكية وعمليات حفظ السلام .
الرؤية المستقبلية لتطوير الجيش اللبناني
تسعى القيادة العسكرية اللبنانية، بالتعاون مع جهات دولية، إلى تطوير قدرات الجيش عبر مراحل تراعي الوضع السياسي المحلي والإقليمي، ومن ضمن الخطط الممكنة:
1 - تعزيز قدرات الدفاع الجوي: يعتمد الجيش على دعم تقني من دول غربية لتحسين دفاعاته الجوية بهدف حماية الأجواء اللبنانية، لكن التمويل والدعم المحدود يجعلان تطوير هذا القطاع تحديًا. يتطلب تعزيز الدفاع الجوي منظومات متقدمة لا يتم توفيرها في الوقت الحالي لأسباب سياسية .
2 - تطوير القدرات البحرية: تقع مسؤولية حماية المياه الإقليمية اللبنانية على الجيش، وخاصة بعد اكتشاف ثروات بحرية. يتطلع الجيش لتطوير قدراته البحرية عبر الحصول على زوارق دورية متطورة وأنظمة رادار بحرية لتأمين هذه المناطق، إلا أن الدعم المتاح لا يزال غير كافٍ.
3 - إمكانية تجهيز الجيش بالصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى: قد يكون هذا الهدف طموحًا في ظل الوضع الراهن، لكنه يبقى أحد أهم النقاط في تعزيز قدرات الجيش للمستقبل. تُعدّ الصواريخ الدقيقة أداة ردع حيوية تحتاجها الدولة، ولكنها قد تواجه معارضة شديدة .
4 - زيادة التمويل المحلي والدولي: تمثل زيادة التمويل تحديًا مستمرًا؛ حيث يحتاج الجيش إلى دعم مادي وتقني ثابت لضمان استمرارية تطويره دون التأثر بالتغيرات السياسية، ومعالجة الفجوة الحالية التي تعيق التطور الشامل للقدرات العسكرية.
5 - إجراء إصلاحات داخلية: تحسين إدارة الموارد وضمان استقلالية الجيش عن التسييس يعدّان ضروريين لتعزيز الثقة بدور الجيش وتطويره كحامي للسيادة الوطنية بشكل حصري.
من خلال هذا التوجه الاستراتيجي، يمكن للجيش اللبناني تحقيق تكامل أكبر في قواه وتطوير قدراته بشكل يلبي التحديات الأمنية، ولكن هذا يتطلب التزامًا محليًا ودوليًا وإجماعًا على تحييد السلاح وحصره في يد الدولة، مما يسهم في جعل الجيش قوة مهنية وموثوقة في حماية لبنان ودرء التهديدات .
المعوقات التي تمنع تسليح الجيش اللبناني
1 - المعارضات الداخلية والإقليمية: يعد وجود حزب الله عاملاً مهما في تعقيد قضية تسليح الجيش، إذ يعتبرالحزب نفسه قوة مقاومة، وتوجد رؤية داخلية وخارجية بأنه يشكل درعًا أساسيًا في مواجهة إسرائيل. حزبالله، بدعمه من إيران وتسليحه الثقيل، يعتبر عنصرًا خارج إطار الدولة اللبنانية ويمتلك قوة عسكرية غيرمتاحة للجيش اللبناني، مما يولد حساسيات حول مفهوم الدفاع الوطني وحصرية الدولة في احتكار السلاح .
2 - الاعتبارات الدولية: الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تتبنى سياسة تزويد الجيش اللبنانيبمعدات محدودة تقتصر على الدفاع الداخلي ومكافحة الإرهاب، دون تزويده بأنظمة هجومية متطورة. هذهالسياسة تعكس مخاوف دولية من إمكانية استخدام هذه الأسلحة في صراعات خارجية، أو حتى احتمالوقوعها في أيدي جهات غير نظامية نتيجة للاضطرابات السياسية والأمنية في لبنان .
3 - التوازن الطائفي والسياسي الداخلي : يساهم التوازن الطائفي والسياسي في لبنان في إعاقة تسليح الجيش. أيتوجيه لدعم قوي للجيش يصطدم بحساسيات داخلية، لا سيما من الأطراف التي تخشى أن يؤثر هذا الدعمعلى التوازن السياسي القائم. كما أن تنامي قدرات الجيش قد يشكل تهديدًا مباشرًا لأدوار القوى السياسيةالمسلحة كحزب الله، الذي يعتبر نفسه ممثلًا لفئة مهمة من اللبنانيين.
دور حزب الله في إشكاليات تسليح الجيش
يعتبر حزب الله جزءاً من محور المقاومة المدعوم من إيران، وقد تطور ليصبح لاعبًا إقليميًا يحظى بدعم عسكري ولوجستي كبير، بما في ذلك صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة. هذا الوجود القوي لحزب الله، لا سيما في الجنوب اللبناني، يعزز النفوذ الإيراني في لبنان ويحد من قدرة الدولة اللبنانية على بسط سيطرتها الكاملة على أراضيها .
وجود حزب الله بهذا التسليح قد أثار مخاوف بعض الدول الغربية، حيث يعتبرون أن زيادة دعم الجيش اللبناني قد يؤدي إلى صدام داخلي مع الحزب. كما أن تسليح الجيش قد يفتح الباب أمام صراع مباشر أو غير مباشر مع إسرائيل، وهو أمر تسعى القوى الدولية إلى تجنبه، حيث أن المواجهات قد تتسبب في زعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها.
لماذا لم تقم الدول الغربية بتسليح الجيش اللبناني بشكل متكامل؟
السياسة الغربية تجاه لبنان تتسم بالتوازن الحذر، فالدول الكبرى تفضل دعم الجيش اللبناني بأسلحة دفاعية، وتحافظ على عدم تزويده بقدرات هجومية تمكنه من تهديد إسرائيل، خوفًا من تداعيات أمنية غير محسوبة. تعتبر هذه الدول أن توفير قدرات متطورة للجيش قد يزيد من التوتر الإقليمي، نظرًا للتنافس الكبير بين إيران وإسرائيل .
الدول الغربية تدعم الجيش اللبناني في مواجهة التهديدات الداخلية مثل مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن المحلي، إلا أن تحويل الجيش إلى قوة قادرة على حماية الحدود بشكل كامل يعد أمراً حساسا.ً السياسة الغربية ترتبط أيضًا بعدم الرغبة في مواجهة مباشرة مع إيران من خلال أذرعها، خاصة مع اعتبارات وجود حزب الله على الأرض اللبنانية كذراع إقليمي يمتلك تأثيرًا كبيراً.
3 - أهمية تسليح الجيش اللبناني في المستقبل
في ظل هذه المعطيات، يبقى تسليح الجيش اللبناني بشكل متكامل هدفًا بعيدًا، ما لم يحدث تغيير جذري في السياسة الإقليمية والدولية. إذ يجب أن يكون هناك توافق داخلي على ضرورة توحيد السلاح تحت إمرة الدولة اللبنانية وحدها، وتحييد دور حزب الله كقوة عسكرية، وهذا يتطلب من جميع الأطراف، محليًا ودوليًا، العمل نحو توفير الظروف الملائمة لنزع سلاح الميليشيات وتعزيز قدرات الجيش ليصبح الحامي الوحيد للسيادة اللبنانية .
يبقى الجيش اللبناني حاملاً لمقومات وطنية قوية، إلا أن الدعم الدولي المحدود وسيطرة حزب الله على الساحة
العسكرية يشكلان عائقين رئيسيين أمام تسليحه وتطويره.
*عميد متقاعد في الجيش اللبناني