المغرب- الإقتصاد والأعمال
مسار العلاقات الفرنسية مع دول المغرب العربي يشبه الى حد كبير حركة البندول الشهيرة، فإن شهدت تحسناً شرقاً فإنها حتماً تسوء غرباً بنفس السعة والحجم. هذا الرأي والذي يتقاطع معه كل متابع للعلاقات الفرنسية المغربية او العلاقات الفرنسية الجزائرية وكأن السياسة تريد دائماً سيادة ثنائية القرب والجفاء. تارة شرقاً وتارة غرباً.
زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الى المغرب لا تشذ عن القاعدة فقد شهدت الزيارة زخماً سياسياً واقتصادياً كبيرين بعد جفاء بين الرباط وباريس استمر لما يقارب الثلاثة أعوام. كل شيء في زيارة الرئيس الفرنسي كان مدروساً بدقة: الحركات، الايماءات، الخطب وحتى تشكيلة الوفد الزائر والذي شمل فرنسيين من أصول مغربية او فرنسين وطيدي الصلة بالمغرب ثقافياً واقتصادياً .
كل ما قيل وكل ما تم كان بهدف واحد، تمرير رسالة واحدة مفادها أن فترة الجفاء بين الطرفين قد ولت الى غير رجعة وماكرون والملك محمد السادس في طريق إعادة بناء علاقات فرنسية مغربية على أسس جديدة يؤكد الطرف المغربي على أنها تقوم على أساس احترام باريس لأهم محدد في السياسة المغربية وهو ما يتعلق في الادبيات الغربية بالسيادة الترابية للمغرب على كل الأقاليم الصحراوية أو ما يعرف بالصحراء الغربية.
الرئيس الفرنسي ماكرون بصورة علنية أعاد التأكيد على أن فرنسا تساند بقوة مقترح الحكم الذاتي للصحراء الغربية والتي تعتبره الرباط الإطار الوحيد لحل قضية الصحراء الغربية.
بعد هذا القرار الفرنسي الصريح والواضح ذابت كل العراقيل والمطبات التي رافقت سنوات الجفاء بين فرنسا والمغرب. بل أكثر من ذلك من المنتظر ان تشهد المبادلات الفرنسية المغربية تطوراً لافتاً في السنوات القليلة المقبلة في كافة المجالات الاقتصادية خاصة الاستثمارية منها. الطرفان اعلنا عن توقيع 22 اتفاقية يصل حجمها إلى اكثر من عشرة مليار يورو ويشمل مجالات السكة الحديدية بالإضافة الى اتفاقية لإقامة مصنع لصيانة المحركات الطائرات. في مجال الطاقة فإن الطرفين اتفقا على الشروع في تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر مع عملاق الطاقة توتال الفرنسية.
وتجدر الإشارة الى أن فرنسا وبصورة علنية أعلنت أن المسعى الاستثماري الفرنسي يشمل التواجد في الأقاليم الصحراوية خاصة في جنوبها في مدينتي العيون والداخلة. وقد كان موضوع التوجه نحو الأقاليم الصحراوية أحد الركائز التي قامت ومازالت تقوم عليه السياسة المغربية فقد سبق للملك محمد السادس في اكثر من مناسبة التأكيد على أن كل العلاقات الخارجية المغرب يحكمها موقف الدول من قضية الصحراء الغربية كلما وافقت على مقترح الحكم الذاتي كلما تحسنت العلاقات الثنائية مع هذه الدولة.
ويبدو أن الرئيس الفرنسي التقط الرسالة واعطى المغرب ما أراد وقامت الرباط بفتح الأبواب للاستثمارات الفرنسية في كل المجالات المهم في نظر السلطات المغربية أن يشمل التواجد السياسي او الاقتصادي العيون أو الداخلة.
تحسن العلاقات الفرنسية المغربية بعد زيارة الرئيس الفرنسي للرباط لا يعني طبعاً أن المشاكل كلها بين الطرفين شهدت حلحلة وتم إيجاد تفاهمت عملية حولها. فهناك موضوع الهجرة النظامية وغير الشرعية والتي تشكل احدى نقاط الخلاف بين فرنسا ودول جنوب المتوسط ولكل طرف من جهتي المتوسط رأي فيها يتناقض مع رأي الطرف الآخر.
واذا كان موضوع الهجرة قد تم طرحه خلال زيارة ماكرون الى المغرب فإن كل التقارير أن فرنسا والتي باتت تعتبر الهجرة مسألة هوية وسيادة لم تتمكن من احراز تقدم واضح في الملف وبقي الموضوع محل وعود مغربية فقط دون آليات تنفيذية. علماً أن 11.7 بالمائة من الأجانب في فرنسا من المغرب هذه النسبة تشكل ثاني جالية بعد الجزائريين (12.2 بالمائة من الأجانب في فرنسا).
الزيارة الرئاسية الفرنسية للمغرب ساهمت بشكل كبير في إذابة الجليد بين الطرفين بعد جفاء طويل والكل يتسآل هل هذا الغرام المغربي الفرنسي يكون على حساب جارة الرباط الشرقية الحساسة لكل تقارب فرنسي مغربي، الجزائر والتي تملك ارثاً ثقيلاً مع فرنسا قد يكون اثقل من مثيله مع المغرب.
هل تحسن العلاقات الفرنسية المغربية يعني تدهور مماثل للعلاقات الفرنسية الجزائرية؟
العارفون بمسار العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها السابقة يؤكدون أن محدد العلاقة يختصر في مقولة واحدة بالعامية المغاربية: ما نحبك ما نصبر عليك أي لا احبك، ولكنني لا يمكن لي أن نصبر على فراقك.