تونس: أي سياسة اقتصادية ومالية؟
في الولاية الجديدة للرئيس قيس سعيد

08.11.2024
الرئيس قيس سعيد
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بعد شهر من إعادة انتخاب قيس سعيد لولاية ثانية في تونس، مازالت السياسة الاقتصادية غير واضحة المعالم والكل يتسآل عن محددات السياسة المراد انتهاجها في السنوات المقبلة، لمواجهة ازمة مالية واجتماعية خانقة في تونس.

 وتتجلى المظاهر الأساسية لأزمة الاقتصادية في تونس في تراجع نسبة النمو واستفحال التضخم وغياب مصادر التمويل حاصة الخارجية منها. الرئيس سعيد لم يعلن اثناء الحملة الانتخابية وحتى في الأيام الأولى لإعادة انتخابه عن السياسة الاقتصادية المراد تطبيقها خلال هذه الفترة.

 الثابت الوحيد والذي يشكل أساس خطاب الرئيس التونسي يتعلق برفض الاتفاق المشروط  مع صندوق النقد الدولي، لما يتضمنه الاتفاق من شروط ترى الأوساط السياسية في تونس انه يمس السلم الاجتماعي في تونس، بالنظر الى حزمة الإصلاحات التي على تونس القيام بها اقتصادياً واجتماعياً.

مشروع ميزانية 2025 الذي جرى تسريبه، لا يعطي إشارات واضحة بالنسبة للمنهجية الاقتصادية في السنوات المقبلة، بل يرى العديد من الخبراء انه يزيد من ضبابية التوجه، ذلك أن الميزانية المقترحة، وإن كانت تحمل في طياتها محاولة واضحة لتخفيض الإنفاق العام بحوالي 18 في المئة، قياساً للسنة الماضية فإن ذات الميزانية تؤكد وجود عجز يقارب نحو 3.2 مليار دولار.

وتمويل هذا العجز كما هو معلن من طرف السلطات التونسية، يتم أساساً باللجوء الى الاقتراض الداخلي وتقليص الاعتماد على التمويل الخارجي. هذا التوجه و إن كان مفهوماً بالنظر الى صعوبة وصول تونس الى أسواق الاقتراض الدولية، فإنه في ذات الوقت يطرح العديد من التساؤلات حول الأثار الجانبية اقتصادياً ومالياً على الاقتصاد والسوق المالي التونسي في هذه المرحلة.

أحد الخبراء في تونس عبر عن عدم ثقته في مسعى التونسي برمته مشيراً الى أن اللجوء الى التمويل تمويل العجز عن طريق البنوك التونسية، من شأنه تهديد متانة البنوك التونسية في سوق تونسي يعرف أزمة سيولة من جراء شح التمويل الأجنبي، بالإضافة الى أن الاعتماد على التمويل البنكي يؤدي الى امتصاص السيولة في السوق المالي التونسي، وتقليص حجم الأموال المتوفرة للقيام بالاستثمارات الخاصة والعامة، بما يعرف في الأدبيات الاقتصادية بأثر الطرد أي أن توجه الحكومة الى البنوك للاستدانة منها، ينجم عنه تقليص حجم الأموال التي كانت ستتوجه للاستثمار في القطاع العام او الخاص. وكان الرئيس التونسي قد هاجم في أكثر من مناسبة البنوك معتبراً إياها مستفيدة من الوضع الحالي بتحقيق أرباح كبيرة، مع عدم المساهمة في تمويل الاقتصاد وتطويره على حد قول الرئيس قيس سعيد.

مسألة أخرى اثارت جدلاً في الأوساط التونسية، بل مخاوف لدى العديد من الفئات وهي الحديث غير الرسمي عن احتمال لجوء الحكومة الى الاقتراض من البنك المركزي التونسي، نظراً للطابع التضخمي لهذا التوجه في بلد لم يخرج بعد  من الضغوط التضخمية منذ نهاية أزمة كورونا.

مشروع ميزانية 2025 التونسية يتضمن إعادة النظر في النظام الجبائي التونسي من خلال زيادة الضرائب عن أصحاب الدخل المتوسط والعالي، مع استثناء ذوي الدخل الضعيف، بل السعي لتخفيضها. وهذا الاجراء حدى ببعض السياسيين على غرار هشام العجبوني من حزب التيار الديمقراطي المعارض الى القول إن الحكومة تريد توزيع وتقاسم الفقر بدلاً من خلق الثروة والسعي الى اخراج تونس من دائرة الفقر. 

 أستاذ العلوم الاقتصادية التونسي رضا الشكوندالي، اعتبر في تصريح لإذاعة محلية أن الإجراءات المعلنة من طرف الحكومة فيما يخص الضرائب والغاء بعض رخص والاستثناءات التي ميزت الفترة السابقة تدخل في صلب ما طلبه صندوق النقد الدولي، متسائلاً عن المسعى الرافض للاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بسعر فائدة لا يتجاوز 2 في المئة، بدلاً من البحث عن تمويلات أخرى من البنك الافريقي للتصدير والاستيراد بسعر الفائدة بـ 10  % كسعر فائدة.  أي بعبارة أخرى يتسآل الشكوندالي عن جدوى تطبيق إجراءات وتدابير اقتصادية ومالية يطلبها صندوق النقد الدولي، دون الحصول على قرض من المؤسسة المالية الدولية.

بعض الصحف في تونس اعتبرت أن المشكلة في تونس تكمن في أن الكل يتحدث عن الأسعار، عن الاحتكار، عن المؤسسة، عن التمويل، او عن التموين في ظل غياب كلي لسياسة اقتصادية، او كما قال احد الصحفيين التونسيين غياب الاقتصاد.

المشكلة في تونس في نهاية الأمر قبل وبعد الانتخابات الرئاسية هي نفسها من لدية الجرأة والقدرة على أتخاذ القرارات الصعبة المكلفة اجتماعياً واقتصادياً، قرارات تعيد الى الاقتصاد التونسي مكانته العالمية التي تجعل منه اقتصاد ديناميكي يجذب الاستثمارات الخارجية.

مارسيلي فارس